ألبرت حوراني.. أهم مميزات النهضة اتساع الوعي وتوسع الآفاق
اهتم ألبرت حوراني بالمشرق العربي والشرق الأوسط، من خلال تفاعله مع والده فضلو، ولقاءاته الغنية مع المؤرخ فيليب حتي في زياراته إلى مانشستر، وشارل عيساوي، الأستاذ المتنور القادم من مصر.
التحق بالجامعة الأميركية في بيروت، فدرّس العلوم السياسية والتاريخ (1937 ـ 1938)، وعاد إلى بريطانيا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، فعمل في وزارة الخارجية، ثم في المكتب العربي في القاهرة. وكان أستاذًا في مادة تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد حتى تقاعده عام 1979. كما عمل أستاذًا زائرًا أيضًا في جامعة شيكاغو في بنسلفانيا، وجامعة هارفرد. توفي جراء نوبة قلبية في كانون الثاني/ يناير 1993، ودفن في أكسفورد.
لألبرت حوراني العديد من المؤلفات والمحاضرات، منها ما لم يترجم بعد. نشر عام 1961 كتاب "رؤية للتاريخ"، وعام 1962 نشر واحدًا من أهم كتبه: "الفكر العربي في عصر النهضة". كتبه بالإنكليزية وترجمه إلى العربية كريم عصقول، ويعدُّ أحد أهم المراجع المتعلقة بعصر النهضة. حاول حوراني في هذا الكتاب إلقاء الضوء على تاريخ العرب في عصر النهضة، من خلال الإضاءة على أفكار وآراء أهم شخصيات ذلك العصر، أمثال رفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، وجمال الدين الأفغاني، وشبلي الشميل، وفرح أنطون، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وطه حسين. ويعرض من خلال تلك الشخصيات الانطباع الأول لدى العرب عن أوروبا، ومن ثم ولادة الحركات القومية والعلمانية والإسلامية في ذلك الزمان. ومن كتبه أيضًا "سوريا ولبنان" (1946)، و"الأقليات في العالم العربي" (1947)، و"أوروبا والشرق الأوسط"، و"تاريخ الشعوب العربية"، الذي ترجمه إلى العربية كمال خولي. ويعدُّ من أهم كتبه في التاريخ المتعلق بالشعوب العربية، و"الإسلام في الفكر الأوروبي"، ويركز فيه على علاقات الحضارة الإسلامية بالفكر الأوروبي في أواخر القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين، وعلاقة التاريخ الإسلامي بتاريخ الشرق الأوسط الحديث، ويعرض فيه أيضًا أفكار ورموز الغرب في تعاطيها مع الإسلام، مثل لورانس العرب، ولويس ماسينيون، وجاك بيرك، وهاملتون جب، ومارشال هودجون، وغيرهم. ويتناول أيضًا بعض ما صدر عن العالم الإسلامي من ردود أمام الأفكار الجديدة الفعالة في الحضارة الأوروبية. كما يتوقف عند بطرس البستاني في إنجازه أول موسوعة عربية (دائرة المعارف)، وأمام سليمان البستاني في أول ترجمة لإلياذة هوميروس.
وكان من ضمن اهتمامات ألبرت حوراني أن يجد جوابًا لسؤال جدير، وهو "هل الإسلام الدين في مصر وسورية وتركيا سيساعدنا، وإلى أي مدى، على فهم تاريخ هذه الدول في الأزمنة الحديثة؟". كان يرى أن إحدى أهم مدن الشرق العربي هي بيروت، حيث عاش رجال ونساء من ديانات وجنسيات مختلفة، وحيث انتقال الأفكار والسلع جرى بسهولة وبمردود مربح، وأن إحدى أهم مميزات عصر النهضة الأساسية هي اتساع الوعي وتوسع الآفاق.
لا تزال الطروحات التي تركها ألبرت حوراني في كتبه ومحاضراته تثير الاهتمام، وينظر إليه كمؤرخ دقيق ومفكر عميق وكصاحب أثر لفكر مغامر، وكباحث مميز امتلك أدوات الحفر عن أعماق وآفاق حديثة.
وبعد ثمانية وعشرين سنة على غيابه، لا تزال أفكاره وطروحاته معالم أساسية في تاريخ لبنان والمنطقة، وفي رصد تطور الفكر وتاريخ الشعوب. لكن ما يؤسف له حقًا وجود كتب له لم تنقل إلى العربية حتى الآن، مثل: "اللبنانيون في العالم.. قرن من الهجرة"، ومجموعتين بالإنكليزية تشمل محاضرات متفرقة له تتعلق بأوروبا والعالم العربي.