بدأت تتمظهر الأزمات بين عامي 2001 و2004 في صدامات بين بدو محافظة السويداء وحضرها، وبين إسماعيليين وعلويين في بلدتي القدموس ومصياف، وبين عرب وأكراد في مدينة القامشلي في مارس/ آذار 2004، حملت بعمومها خلفيات تاريخية واجتماعية، وبسبب مباشر في القامشلي، هو مشاجرة بين جماهير فريقين رياضيين، بعد مباراة كرة قدم.
حفزت بعمومها اللاشعور الجمعي على استعادة صراعات مذهبية وقومية مكبوتة، عززها في الحالة الأخيرة، الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل/ نيسان 2003، وانحياز كل جماعة إلى طرف من طرفي هذا الصراع ورهانها عليه.
يشير سياق الفيلم وشهوده إلى حالة العجز، فالناس متروكون لمصائرهم، وسياسة الدولة في الحقل الاقتصادي تتجه إلى التخفف من الحمولات الاجتماعية، التي رفعتها ببرامجها التنموية وشعاراتها السياسة عن التقدم والاشتراكية وسواها، التي وصلت بمجموعها إلى طريق مغلق ومنحدر في آن، استكمل الإجهاز على ما تبقى منها خطط ليبرالية انتقائية اتجهت نحو الميل الى احتكار الفعاليات الاقتصادية، وإعطاء الأولويات للاستثمارات الخدمية والسياحية، والاعتماد على السلع المستوردة.
رصد الفيلم هذه الحالة بحيادية من يبحث عن الحقيقة أولًا، والمخرج من هذا الانغلاق التنموي والكوارث الاجتماعية المترتبة عليه ثانيًا.
وهذا كله قبل أن يطل ذاك اليوم من أوائل أبريل/ نيسان 2008، حيث سيصدر قرار حكومي برفع سعر المازوت ثلاثة أضعاف دفعة واحدة، من 7 إلى 25 ليرة سورية لليتر الواحد، وهو ما أثر بشكل مباشر على تكاليف عمل مضخات المياه، والآلات الزراعية وشاحنات نقل المحاصيل، وتزامن مع موجة جفاف امتدت لثلاث سنوات، ما تسبّب بأضرار بالغة في الزراعة والثروة الحيوانية، وهجرة عشرات آلاف العائلات العاملة في الزراعة وتربية الماشية من المنطقة الشرقية (دير الزور ـ الحسكة ـ القامشلي) إلى محيط مدينة دمشق، والتوطن في مخيمات بدائية. وكان قد أشار أحد شهود الفيلم إلى قريته التي كانت مكونة من ألف بيت، بينما الذين يعيشون فيها اليوم يشغلون فقط اثني عشر بيتًا.
تمهل الفيلم من محطته الأولى في تدمر مرورًا بدير الزور والقامشلي واللاذقية وصولًا إلى دمشق، أمام ارتفاع معدل الزيادة السكانية، مترافقًا مع انكماش الفعالية الاقتصادية العاجزة عن استيعابها، التي يمكن ترجمتها إلى عرض ديموغرافي كبير، وطلب تشغيل محدود أولى نتائجه ارتفاع معدلات البطالة، وما يلازمها من تهميش اقتصادي واجتماعي.
وفي سعي المهاجرين غير المتعلمين للعمل في العاصمة، لا يجدون أمامهم إلا الأعمال الشاقة والمذلة، من مسح الأحذية في الشوارع، إلى العتالة في الأسواق، وباعة خضار جائلين. ويعودون في آخر اليوم للسكن في خيم وغرف في بيوت جماعية، وسيشير الفيلم إلى أنها مهددة بالهدم لمخالفتها قوانين الملكية العقارية، وقد هُدم بعضها فعلًا.
يصطدم مسعى المهاجر المتعلم، أو الحاصل على شهادة جامعية، أو معهد متوسط، بجدار المحسوبيات والرشاوى. عبرت إحدى الزوجات الشابات عن سعيها وزوجها للحصول على وظيفة حكومية، وهو ما سيرد بصيغ تأكيدية من معظم من مروا على هذا الخيار، أن الوظيفة الحكومية تحتاج إلى رشوة، وأنهما موافقان عليها، وحددتها بـ: 150 ألف ليرة لعمل كل منهما، إلا أن الجهة الحكومية رفضت المبلغ وطلبت زيادته. ويعلم المرتشي أن هذين الزوجين الشابين سيحتاجان للعمل سنة ونصف السنة، وفق الأجور الممنوحة للوظائف الحكومية، لاستعادة قيمة الرشوة.
وفي سؤال بدا أنه أتى من خارج توثيق الهجرة الداخلية وأسبابها، أو كأنه اطمئنان من المخرج ورفيقه على مصائر أعمالهما، يتساءلان عن مصير فيلمهما المرتبط بمصير صالات السينما، لتأتيهما الإجابة: لم يبق أي صالة سينما.
قدم الفيلم سردًا سينمائيًا متأنيًا عكس أوجاع الناس وعجزهم، وانغلاق أفق الحياة الكريمة أمامهم، لدرجة أنهم بوغتوا بالسؤال الذي تكرر عليهم: "بماذا تحلمون؟"، وكأنهم تفطنوا أنهم يعيشون بلا أحلام.