قصائد للشاعرة الأميركية من أصل هندي أحمر جوي هارجو

جوي هارجو 15 فبراير 2020
ترجمات
"تعتمد هارجو بأعمالها على سرد قصص الأمم الأولى وتاريخها"
ولدت جوي هارجو عام 1951 في ولاية أوكلاهوما، وتنحدر من قبيلة موسكوجي الهندية الحمراء، إحدى سلالات السكان الأصليين المعروفة بأنها من الأمم الأولى في أميركا. حصلت على درجة الباكالوريوس من جامعة نيو مكسيكو، وعلى ماجستير في الفنون الجميلة، وماجستير في الكتابة الإبداعية، من جامعة آيوا. تعتمد هارجو في أعمالها على سرد قصص الأمم الأولى وتاريخها، وكثيراً ما تدخل أساطير ورموز وقيم الشعوب الأصلية في كتاباتها. شعرها مسكون بالمناظر الطبيعية للجنوب الغربي والشرقي للولايات المتحدة، وكذلك آلاسكا وهاواي، ويتركز حول الحاجة إلى التذكر والتجاوز. وعلقت مرة قائلة: "أشعر بشدة أن لدي مسؤولية تجاه كل المصادر التي كونتني: كل أسلاف الماضي والمستقبل، موطني، وكل الأماكن التي لامستها والتي هي مني، تجاه كل الأصوات، وكل النساء، وكل قبيلتي، وكل الناس، وكل الأرض، وتجاه ما يتعدى ذلك إلى كل البدايات والنهايات. الكتابة تحررني وتجعلني أؤمن بنفسي، وتمنحني القدرة على الكلام، وعلى امتلاك صوت، لأنّ هذا واجبي؛ وفيه بقائي".
تتحدث الشاعرة في حوار لها مع مجلة "وينغد وردز"، عن العملية الإبداعية وراء شعرها: أبدأ مع بذرة فيها عاطفة ما، مكان ما، وأنطلق من هناك… لا أعود أرى القصيدة كنقطة نهاية، بل على أنها نهاية رحلة، وهي رحلة طويلة غالباً تبدأ قبل سنوات، لنقل مثلاً من ذكرى ضبابية للشمس على خد أحدهم، رائحة ما، وجع ما، تتتوّج بعد سنوات في قصيدة، نُخِلت عبر نقطة، بحيرة في قلبي لا بدّ للغة أن تأتي من خلالها.
تشدد هارجو في قصائدها ونثرها على البحث عن الحرية وتحقيق الذات. الأمر الذي أكده أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة نورث كارولاينا، جون سكيري، حين تحدث عنها: من الواضح أن هارجو هندية أميركية سياسية، وناشطة في الحركة النسوية بامتياز، لكن الأكثر من ذلك هو أنها شاعرة الأسطورة واللاوعي، صورها ومشاهدها مدينة للمساحات الشاسعة لعقلنا الخفي، كما هي مدينة لأصلها الهندي الأحمر.
تُعنى هارجو في أعمالها على نحو عميق بالسياسة والتقاليد والتذكر والجوانب التحولية للشعر، وتستكشف الصعوبات التي يواجهها السكان الأصليون في المجتمع الأميركي الحديث. وقد كتبت عنها الشاعرة ليسلي أولمان في المجلة الأدبية "ذا كينيون ريفيو" أنها "مثل ساحر، تستمد قوتها من الظروف والعواطف الجارفة من خلال تقديمها لهم والاحتفاء بهم، تاركة صوتها ورؤيتها يتحركان بوئام في أقصى درجات المفارقة والتغيير المستمر".



خريطة إلى العالم التالي

تمنيت في أيام العالم الرابع الأخيرة لو أضع خريطة

لأولئك الذين يودون أن يصعدوا عبر الثقب في السماء.

كانت أدواتي الوحيدة هي رغبات البشر عند خروجهم
من ساحات القتل، من غرف النوم والمطابخ.

فالروح رحالة بأيد وأرجل عديدة.

ينبغي أن تكون الخريطة رملية ولا يمكن قراءتها بالضوء العادي.

عليها
أن تحمل النار إلى البلدة القبلية التالية، لتجدّد الروح.

في الأسطورة تعليمات عن لغة الأرض،
كيف حصل
ونسينا أن نعترف بالهبة، كما لو أننا لسنا فيها
أو منها.

لاحظ انتشار محلات السوبر ماركت ومراكز التسوق،
مذابح المال. إنها أكبر دليل على ابتعادنا عن النعمة.

تتبّع أخطاء النسيان لدينا؛ حيث الضباب يسلبنا أولادنا ونحن نيام.

زهور الغضب تبزغ في الكساد.  تولد الوحوش هناك من الغضب النووي.

تلوح أشجار الرماد تلويحة الوداع للوداع وتظهر الخريطة لتختفي.

لم نعد نعرف أسماء الطيور هنا، وكيفية التحدث إليها بأسمائها.

كنا نعرف مرة كل شيء في هذا الوعد الخصب.

ما أخبرك به حقيقيّ والتحذير منه مطبوع على الخريطة.

نسياننا يطاردنا، يجول الأرض من ورائنا،
مخلفاً وراءه ذيلاً من الحفاضات الورقية والإبر والدم المهدور.

على الخريطة الناقصة أن تفي بالأمر، أيها الصغير.

مكان الدخول هو بحر دم أمك، وموت
أبيك الزهيد بينما يتوق إلى معرفة
نفسه في الآخَر.

ما من مخرج. 

يمكن تفسير الخريطة من خلال جدار الأحشاء -
دوامة على طريق المعرفة.

ستمر عبر غشاء الموت، وتشمّ رائحة الطهي
من المعسكر الذي يقيم فيه أقاربنا وليمة
من لحم الغزال الغضّ وحساء الذرة، في درب التبانة.

لم يتركونا قط؛ نحن تخلينا عنهم كرمى للعلم.

وعندما ستأخذ نفسك التالي ونحن ندخل العالم الخامس

لن يكون هناك إشارة X، ولا دليل بكلمات تحمله معك.

عليك أن تبحر مستعيناً بصوت أمك، مجدداً الأغنية التي تغنيها.

وتومض الكواكب بشجاعة نضرة.

وتضيء الخريطة المطبوعة بدم التاريخ، خريطة عليك أن تعرفها بنيتك،
بلغة الشموس.

عندما تدخل لاحظ مسارات قتلة الوحوش
حيث دخلوا مدن الضوء الاصطناعي وقتلوا ما كان يقتلنا.

سترى حروفاً حمراً. إنها القلب، وفيه سلم.

سيقرؤك السلام غزال أبيض عندما يصعد آخر إنسان
من الدمار.

تذكر حفرة العار تَشِم تخلينا عن
أسسنا القبلية.

لم نكن مثاليين أبداً.

ومع ذلك، فإن الرحلة التي نقوم بها معاً مثالية على هذه الأرض التي
كانت يوماً نجماً وارتكبت الأخطاء نفسها التي ارتكبها البشر.

قد نرتكبها مرة أخرى، قالت.

هناك أمر حاسم لتهتدي إلى الطريق: ما من بداية
أو نهاية.

عليك أن تضع خريطتك بنفسك.

* من ديوان "كيف صرنا بشراً"  (1975 - 2002).

 

ربما ينتهي العالم هنا

يبدأ العالم من طاولة المطبخ. مهما يكن، لا بد أن نأكل لنعيش.

أُحضرت هبات الأرض وأعدّت، ثم وُضعت على الطاولة.

هكذا كان الأمر منذ الخليقة، وعلى هذا النحو سيستمر.

نبعد الدجاج أو الكلاب عنها. تبدو أسنان الأطفال
على زواياها. يخدشون ركبهم تحتها.

ومن هنا يعطى الأولاد تعليمات حول معنى
أن تكون إنساناً. نصنع الرجال عليها، نصنع النساء.

على هذه الطاولة نثرثر، نتذكر الأعداء وأطياف الأحبة.

تحتسي أحلامنا القهوة معنا وهي تعانق أطفالنا. تضحك معنا على ذواتنا
المسكينة المتساقطة ونحن نستجمع قوانا من جديد مرة أخرى على الطاولة.

هذه الطاولة كانت منزلاً في المطر، مظلة في الشمس.

بدأت الحروب وانتهت على هذه الطاولة. إنها مكان للاختباء
في ظل الفزع. مكان للاحتفال بالنصر الرهيب.

على هذه الطاولة ولدنا، وحضرنا آباءنا للدفن.

على هذه الطاولة نغني بفرح وحزن. نصلي ألماً وندماً. نقدم الشكر.

ربما سينتهي العالم على طاولة المطبخ، بينما نضحك ونبكي، ونأكل
من اللقمة الحلوة الأخيرة.


* من ديوان "المرأة التي سقطت من السماء" 1994.

 

الأرق والخطوات السبع التي تفضي إلى النعمة

في الفجر يطلّ نمر السماوات على حافة العالم.

يسمع النجوم تثرثر مع الشمس، يرى القمر يغسل ظلامه الضاوي
بماء كهربته الصلوات.

 في كل بقاع الدنيا هناك أولئك الذين لا يستطيعون النوم،
أولئك الذين لم يستيقظوا أبداً.

تغفو حفيدتي على صدر أمها والحليب في فمها. تتأمل ذبابةٌ حلاوة اللاكتوز. 

والدها يتدثر ببطانية من كوابيس. يدنو من التلال الحمر قرب ثورو طمعاً بالسلامة.

عرفوه وغنوا له.

والدتها تعمل في منزل الفوضى. إنها نبيٌّ متنكر في هيئة أم شابة
تبحث عن وظيفة. ظهرت على باب أحلامي وأعدنا ترتيب المنزل سوية.

يراقب النمر أرواح البشر والحيوان وهي تُرفع إلى السماء
على غيوم المطر لتشارك في أغاني الرعد الفاتن.

آخرون يقودهم غزال وظبي في أوقات الحزن إلى قرى أسلافهم. هناك يأكلون
دقيق الذرة المطهوّ مع التوت الذي يصبغ شفاهم باللون البنفسجي بينما
تومض شجرة الحياة في الشمس.

إنه شهر تشرين الأول، رغم أنّ الفصل الذي
يسبق الفجر هو الشتاء دائماً.

في شوارع هذه البلدة المهجورة المضاءة بالأصفر الكيماوي
يبحث المسافرون عن منزل.

كان البعض قد شرب وتآنس مع الغرباء.

آخرون هاربون من وردية الليل، يرتشفون القهوة الفاترة، ويغيرون سيرهم
إلى الطرف الآخر من الظلام.

تتوقف امرأة عند شارة ضوئية حمراء، تقلب شريطاً مهترئاً
لآخر جوقة موسيقى بلوز هامسة . لقد قررت أن تعيش يوماً آخر.

تنتبه النجوم، كذلك الزهور شبه النائمة، وتين الصبار
وشجرة العناب التي تتشرب دخان العوادم إلى جذورها، إلى الأرض.

تطلق الضوء على المنزل حيث ينام أولادها
وقد لا يعرفون قط أنها غادرت. أن مصيرهم الذي اتخذ منعطفاً في أرض الكوابيس
نحو الشمس قد يكون معرفة ليست في المتناول.

إنه صوت عذب.

النمر شبه المتثائب يضع رأسه بين كفيه.

حالماً بمنزل النمور وبالخطوات السبع التي تفضي إلى النعمة.


* من ديوان "المرأة التي سقطت من السماء".

 

قصيدة النسر

 

لتصل تفتح نفسك كلها
على السماء، على الأرض، على الشمس، على القمر
على صوت واحد مكتمل هو أنت.

وتعلم أن هناك المزيد
الذي لا يمكنك رؤيته، لا يمكنك سماعه؛
لا يمكنك أن تعرفه إلا في لحظات
تنمو باضطراد، وفي لغات لا تكون صوتاً دائماً بل
دوائر متحركة أخرى.

كالنسر صباح ذاك الأحد
فوق نهر الملح. حلق في دوائر في السماء الزرقاء
غاسلاً في الريح قلوبنا
بجناحيه المقدسين.

نحن نراك، نرى أنفسنا ونعرف
أن علينا أن نأخذ أقصى درجات الحذر
والرفق بكل شيء.

نأخذ نفساً، عارفين بأننا مكونون من هذا كله،
ونتنفس، عارفين
بأننا مباركون حقاً لأننا ولدنا،
وسنموت قريباً
داخل دائرة متحركة حقيقية،
كالنسر يُكمل الصباح
داخلنا.

نصلي أن يتم الأمر
ببهاء.

ببهاء.


* من ديوان "في جنون الحب والحرب" 1990.

 

لا تزعج روح الأرض


لا تزعج روح الأرض الساكنةَ هنا. إنها تعمل على قصة.

هي أقدم قصة في العالم وهي حساسة ومتغيرة.

إن رأتك تراقبها ستدعوك لشرب القهوة، وتقدم لك الخبز الساخن، وستضطرّ
لأن تبقى وتستمع. لكن هذه ليست قصةً عادية. سيتوجب عليك  تحملَ الزلازل
والبرق وموت كل من تحبهم وجمالاً مبهراً يكفّ الأبصار.

إنها قصة مشوقة جداً لدرجة أنك قد لا ترغب بأن تغادر أبداً؛  هذه هي الطريقة التي توقعك بها في الفخ.

هل ترا ذاك الإصبع الحجري هناك؟ إنه الوحيد الذي نجا.


* من ديوان "أسرار من مركز العالم" 1989.

 

جوائز ودواوين: حازت هارجو على العديد من الجوائز من بينها جائزة آريل جيبسون عن الإنجاز مدى الحياة من مركز أوكلاهوما، وجائزة جوزيفين مايلز الأدبية للكتاب الأميركيين متعددي الثقافات، وجائزة والاس ستيفينز من أكاديمية الشعراء الأميركيين، من بين العديد من الجوائز الأخرى. بالإضافة إلى أنها أول أميركية من أصل هندي أحمر تنال لقب الشاعر الرسمي للولايات المتحدة، أو ملكة شعراء الولايات المتحدة لعام 2019.
وفضلاً عن كونها شاعرة، هارجو عازفة ساكسفون ومنشدة، غنت لسنوات عديدة مع فرقتها بويتيك جاستيس، وتقوم حالياً بجولات مع آرو دايناميكس. أصدرت أربعة ألبومات موسيقية، وفازت بجائزة موسيقى السكان الأصليين الأميركية كأفضل فنانة ناشطة في قضايا المرأة عام 2009. درّست الكتابة الإبداعية في جامعة  نيو مكسيكو وجامعة إلينوي، وهي حالياً أستاذة الكتابة الإبداعية في جامعة تينيسي، نوكسفيل.
صدر أول ديوان لها عام 1975 بعنوان "الأغنية الأخيرة"، ليكشف عن قوة هارجو المتميزة، وبصيرتها الثاقبة في ما يتعلق بتاريخ الشعوب الأصلية المجزّأ، و"أيّ قمر ساقني إلى هذا؟" عام  1977، وهو أول مجلد كامل من أشعار هارجو تضمن ديوانها الأول. تمزج فيه تجارب الحياة اليومية مع الحقائق الروحية العميقة. من دواوينها أيضاً: "كان لديها بعض الخيول" عام 1981، و"في الحب المجنون والحرب" عام 1992، و"المرأة التي سقطت من السماء" عام 1994، و"شروق أميركي" عام  2019.


ترجمتها عن الإنكليزية: مها عطفة.

كلمات مفتاحية

شعر أميركي معاصر السكان الأصليون أدب عالمي شعر حديث