لماذا شكسبير صالح لكل زمان ومكان؟
كلّ تناقضات الإنسان
أجرت المجلة حواراً مع ناثالي فيين- غورّين، المتخصّصة في أعمال شكسبير. وقد أكّدت أن "ويل" تطرّق في مسرحياته إلى كلّ الأسئلة التي تشغل زمننا. وقد استهلّت الحوار الذي أجرته الصحافية أوريدي مارسيرو بهذه المقولة من "معجم الأنانية في الأدب العالمي" لشارل دانتزيك: "يمكن أن نعرب عن مجموعة من التحفّظات عن شكسبير... إنه عبقريّ. ونحن نتعوّد على العباقرة". بعد أكثر من أربعمائة سنة على موته (1564-1616)، وشكسبير يحدّثنا عن ثوراتنا، عن الصراعات والمواجهات من أجل السلطة، عن الشخصيات الغريبة والذين يضحكوننا رغم ذلك، عن نساء القمّة والمراهقين الذين يثورون ضد البطريركية (النظام الأبوي).
الممثلة فينيسا ريدغريف، أمّ "كوريولان" في فيلم "كوريولانوس" للمخرج رالف فينيس، قالت في سنة 2012: "كل جيل، في كل البلدان، يعتقد أن شكسبير كتب له". الأمر كذلك بدون شكّ، إنه نتيجة لهذا الإتقان لوصف إنسانياتنا (و"لاإنسانياتنا") ممزوجاً بما يفكّر فيه حقّاً كلّ ممثّل مسرحي.
وعن سؤال: ما تفسير أن شكسبير هو الكاتب الأكثر قراءة وتمثيلا في العالم؟ أجابت ن. فيين- غورّين، أستاذة الدراسات الشكسبيرية بجامعة بول فاليري بمونبولييه، بكون نصه مفتوحاً جدّاً، بفضل قدرته على التكيّف، فهو سريع التكيّف مع الأزمنة والقضايا. فنحن لا نجد الكثير من التوجيهات في نصوصه، المكتوبة من أجل مسرح في العراء، فيه القليل من الديكور والإكسسوارات. فهذا النوع من المسرح موجّه لجميع الناس، للأغنياء كما للفقراء، فهو مليء بالمداخل المختلفة التي تسمح بمستويات عدّة من القراءات. والموضوعات المعالجة هي موضوعات كونية: الحبّ، العلاقات بين النساء والرجال، السلطة، الموت، الشيخوخة.
في كتابها "لماذا شكسبير؟" تبيّن كاثرين بيلساي أن شكسبير يستقي حِبكاته من الحكايات والخرافات الفولكلورية أو الأسطورية، التي هي موادّ مشتركة بين كل الثقافات. إن البنيات الفولكلورية، مع الحكايات العائلية، وحكايات السلطة، هي أساس المسرح الشكسبيري. لذلك فهو من أكثر الكُتّاب المقتبسين إلى الشاشة. فعدد الاقتباسات ضخم جدّاً، والظاهرة عابرة للثّقافات مع، بكلّ تأكيد، العديد من الاقتباسات في بوليوود.
أشدّ الاقتباسات غرابة
ذكرت ن. فيين- غورّين أن من أشدّ الاقتباسات غرابة التي تمّت انطلاقاً من مسرحيات شكسبير مجموعة من الأفلام الإباحية. وقد قام ريتشارد بوت بدراسة هذا الجانب، وأشار إلى أن شكسبير يلتف على نفسه حتى الزوايا الأكثر إثارة للخجل في كل ثقافة.
إن القصص التي يقدمها شكسبير هي قصص جيّدة، قابلة للتحويل، والتعديل، والتكييف... والإنسان المعاصر يجد فيها صوراً من العالم الحالي؛ في نصّ شكسبير، نحن نذهب إلى المسرح لنرى العالم، والعالم عبارة عن مسرح. وليس مجاناً أن يُطلَق على مسرح شكسبير "الكوكب". في مسرحية "كما تحب وتشاء" يتقهقر جاك في الأعمار السبعة للحياة كما لو أنها سلسلة من الأدوار المسرحية: "العالم أجمع عبارة عن مسرحية، والرجال والنساء ليسوا سوى ممثّلين؛ لهم مداخلهم ومخارجهم. الإنسان، في ساحة الحياة، يلعب أدواراً مختلفة، وفصول المسرحية هي مراحل العمر السبعة" (الفصل 2، المشهد 5).
يخاطب شكسبير المجتمعات المنشغلة بأسئلة السلطة والشّطط المترتّب عليها، مع سيادة المراقبة كما في المسرحية الكوميدية "قياساً بقياس"، التي اقتبسها توماس ميدليتون سنة 1979، وتتحدّث أيضاً عن التحرش الجنسي: يعرض أنجيلو على إيزابيل ابتزازاً كريها حتى يتمكّن من إخضاعها. وجزء مهمّ من حِبكة المسرحية يرتكز على هذا الابتزاز. كما أنه تناول أيضاً التحكّم السياسي عن طريق الصورة في مسرحية "ريتشارد الثالث"، حين يحيط نفسه بأسقفين كي يصل إلى السلطة والتحكم في الشعب. وهناك أيضاً، بطبيعة الحال، وضع لليد من طرف شكسبير على سؤال سلطة الآباء على أبنائهم.
حتى في الرسوم المتحرّكة
حين نبدأ في ترديد أقوال واقتباسات شكسبيرية، يلفت انتباهنا أن شكسبير يوجد في كل مكان، وأننا نبدأ في تقمّصه دون أن نعلم.
فأعماله تتجوّل في كل فترات وعوالم الثقافة الشعبية. فحتى الأفلام الكرتونية (الرسوم المتحرّكة) تفيض بالتلميحات الشكسبيرية، سواء تعلّق الأمر بـ"علاء الدين"، أو الببّغاء القبيح المسمى "لاغو"، وهو أمر يذكرنا بالشرّير في مسرحية "عطيل"، أو بـ"الملك ليون" التي تبدو بشكل واضح أنها إعادة كتابة لـ"هاملت"، و"هنري السابع"، مع شبح الأب الذي يأتي ليعاشر الشاب "سامبا"، الذي هو وجه من وجوه الأمير "هال".
بعد الدخول إلى عالم شكسبير سيتبيّن أنه معاصرنا فعلا، كما أكّد ذلك الناقد يان كوت منذ خمسة عقود. فأعماله تحتوي على خصائص فريدة تجعله راسخا في عصره وفي منتهى الحداثة في آن واحد.