جلال الدين الرومي برؤية جديدة على مسرح كوليسيوم لندن

ضفة ثالثة ـ خاص 19 نوفمبر 2021
ترجمة: سارة عابدين

عرف جلال الدين الرومي الذي سيقدم في عرض مسرحي جديد في لندن قريبًا، بكونه الشاعر الأشهر، حيث توجد قصائده في كل مكان، على صور غروب الشمس في إنستغرام وأكواب القهوة المباعة في "إيتسي" (Etsy) . ظهرت قصائده في تسجيلات لمادونا، وفي موقع إتسي لبيع المشغولات الفنية. كما أنه يعتبر الشاعر الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة الأميركية. عرفت استشهادات الرومي عن الحياة مثل "لست قطرة في ماء محيط، بل أنت محيط بأكمله في قطرة ماء واحدة"، لكن هناك من يعرفه في الغرب على أنه مجرد صوفي ملتح.

يقوم ببطولة العرض المسرحي "الرومي" المغني والكاتب والممثل البريطاني من أصل لبناني، نديم نعمان، في تعاون جديد مع المطربة والملحنة القطرية دانة الفردان، في محاولة لإخراج الرومي من كونه شخصية صوفية شبه خيالية أو شخصية أسطورية وتقديمه على أنه إنسان.

تعد هذه هي المرة الثانية التي يحضر فيها نعمان والفردان إلى مسارح لندن. استند عرضهما الأول عام 2018 على رواية "الأجنحة المتكسرة" للشاعر والكاتب اللبناني جبران خليل جبران، وسيعود نعمان بعرض جديد يستند على أشعار الرومي يعرض في يومي 23 و24 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري على مسرح كوليسيوم لندن.

جبران في العرض الأول لنعمان والفردان

استند العرض الموسيقي المسرحي الأول لنعمان والفردان على رواية "الأجنحة المتكسرة" للشاعر اللبناني جبران خليل جبران، والتي تدور حول قصة حب كاتب شاب مع ابنة رجل أعمال في بيروت عام 1912.

في مقابلة سابقة له قال نعمان: "خليل جبران هو شكسبير الشرق الأوسط، وثالث أكثر الشعراء مبيعًا على الإطلاق. تتجاوز آراؤه السياسية المكان والزمان، ويمكن أن يقرأها الأشخاص من جميع الديانات وجميع الأعمار. كان روحانيًا مدافعًا عن الحب والإنسانية والتسامح".

رأى نديم أن رواية "الأجنحة المتكسرة" مناسبة تمامًا للعرض المسرحي، كما لو أنها كتبت للمسرح من الأساس. فهي منظمة وغارقة في الإشارات الموسيقية. كان عرض "الأجنحة المتكسرة" مثل حياة جبران نفسها، عبارة عن اندماج بين الشرق والغرب، لذلك كان تقديم هذا العرض المسرحي على مسرح هايماركت في لندن أمرًا مثيرًا للإعجاب.

أما دانة الفردان، صاحبة موسيقى العرض، فكانت ترى أن شعر جبران بالغ القوة، وأقرب للموسيقى التي تعتبر لغة الروح، وهدف عرض "الأجنحة المتكسرة" وموسيقاه إلى تزويد الجمهور بفهم أعمق لشعر جبران ولجبران نفسه.

استند العرض الموسيقي المسرحي على رواية "الأجنحة المتكسرة" للشاعر اللبناني جبران خليل جبران



الرومي ونظرة أكثر عمقًا

ولد الرومي في عام 1207 في أفغانستان الحالية. كان في الـ36 من عمره ومتزوج ولديه طفلان، عندما التقى بالصوفي المتجول شمس تبريزي. توطدت علاقة الصداقة بينهما، وكانت علاقة قوية، لكن التبريزي اختار الرحيل بعد ثلاث سنوات، فكتب الرومي أكثر من 3000 قصيدة في الحب لله وللرسول محمد للتغلب على فكرة رحيل صديقه.

تعود شعبية الرومي المعاصرة في أميركا وأوروبا إلى منتصف السبعينيات، عندما ترجمه الشاعر والأكاديمي الأميركي كولمان باركس، الذي سعى إلى إبراز الجوهر العالمي الخالد في كتابات وقصائد الرومي.

تقول دانة الفردان: "تستند أيديولوجية الرومي بالكامل على تنمية جوهر الإنسان من الداخل". ويقول نعمان "تمكن الرومي من التعبير عن الموضوعات والمشاعر التي تنطبق على الجميع. لقد تمكن من فعل ذلك لأن تركيزه انصب على التفكير الذاتي بشكل كامل".

يضيف نعمان: "ظهرت استعادات أفكاره في الوقت المناسب، نظرًا لوجود الوباء وعواقبه. لقد أعدنا جميعًا تقييم حياتنا، واكتشفنا ما يمكننا الاستغناء عنه، وعرفنا مكاننا في العالم". قد تتجاوز كتابات الرومي الزمان والمكان، لكنه لم يكن فقط فيلسوفًا صوفيًا فقط بل أيضًا كان مسلمًا متدينًا. نادرًا ما يتذكر الغرب هويته المسلمة التي يقتبسون منها بكل حرية. لذلك فإن محاولات محو الهوية الإسلامية للرومي، وكما يشير أحد الأكاديميين، يعتبر استعمارًا روحيًا، وهو ما يجعل استعادته بنظرة كلية كما في العرض الموسيقي الجديد ضروريًا، حيث يسعى العرض إلى استعادة الخصوصية الدينية والجغرافية وتحدي الأفكار المسبقة حول الشرق الأوسط.

يتابع نعمان: "لقد سئمنا تصوير منطقتنا العربية في الدراما فقط في صورة الإرهابيين واللاجئين وقصص الحروب. هناك نقص في القصص الخيالية الشرق أوسطية، وحتى تلك الموجودة هي قصص خيالية أو قصص برؤى هوليودية. هناك عروض مثل علاء الدين أو يوسف وفرعون مصر، وهي قصص تأتي من تراث شرق أوسطي، وشمال أفريقي، لكن لعبها على مدار التاريخ ممثلون بيض، ليظهر في نهاية الأمر أنهم ليسوا أصحاب القصة الأصليين. على النقيض من ذلك، فإن طاقم عمل العرض الموسيقي للرومي، من شمال أفريقيا وجنوب آسيا، والأغنيات العشرين التي ظهرت في العرض مستوحاة من شعر الرومي. إذا كنت ستحضر أيقونة من الشرق الأوسط إلى المسرح الغربي للاحتفال بالإرث الثقافي الشرقي، فمن الصواب تمامًا أن يكون فريق العمل قادرًا على أن يكون جزءًا من ذلك التراث، ليزيد شعورهم بالفخر".

يأمل فريق العمل أن يكون العرض سببًا في الكشف عن الرجل الذي يعرف كأسطورة، وقد يشعر الجمهور أيضًا بالقدرة على فصل الحقيقة عن الأساطير فيما يخص الإسلام والشرق الأوسط، حيث أن الكثير من الأشياء الجميلة على كوكب الأرض – فنيًا وموسيقيًا ولغويًا- تأتي من تلك المنطقة التي تحوي الكثير من الثقافة التي يتمتع بها العالم.

نديم نعمان ودانة الفردان  



بدايات نديم نعمان

عرف نديم نعمان كممثل مسرحي ومغن، وقد درس في الأكاديمية الملكية للموسيقى، كما درس الدراما في جامعة وارويك. حتى ذلك الوقت لم يكن يعرف نعمان إذا كان يرغب في أن يكون ممثلًا أو مخرجًا أو كاتبًا. يقول "كانت كل هذه الأفكار في رأسي، وأرغب في استكشافها".

يعود حب نعمان للمسرح إلى طفولته، حيث كان يذهب مع عائلته لمشاهدة عروض المسرح في العطلات الصيفية وإجازات عيد الميلاد، حتى أصبح المسرح جزءًا من ذاكرته وحياته. بمجرد وصوله إلى عمر 12 عامًا بدأ يختبر ما يحب أثناء الدراسة. في الثامنة عشرة فكر للمرة الأولى أن المسرح ربما يكون الشيء الذي يريد أن يكمل حياته فيه، ويعتقد أنه تأخر نسبيًا بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين.

أما عن فكرة تحويل "الأجنحة المتكسرة" إلى عرض مسرحي فيقول نعمان "كنت أتمنى دائمًا كتابة عرض مسرحي". على مدى سنوات أصدر عدة ألبومات وكتب أغنيات لمسرح الأطفال. في الوقت الذي أطلق فيه ألبومه "sides" تعرف على الملحنة والمغنية دانة الفردان التي تقيم حفلات موسيقية في لندن، وتحدثا معا حول فكرة كتابة مسرحية موسيقية.

كان لقاؤهما معًا سببًا في تقليل مشاعر الرهبة والخوف من فكرة كتابة عرض مسرحي موسيقي، نظرًا لأن نعمان لبناني الأصل وهي قطرية الأصل، بدأوا بالتفكير معًا في كيفية بناء عرض مسرحي شرق أوسطي من حيث الأسلوب والنكهة والموضوع، ليقع اختيارهما الأول على رواية "الأجنحة المتكسرة" لجبران. وبعد سنوات من النجاح الذي لا يصدق لعرضهما الأول اجتمع نعمان والفردان في العرض الجديد المنتظر حول جلال الدين الرومي، ليبدو أن مشروعهما سيحاول البحث فعلًا في التراث الشرق أوسطي والإسلامي وتقديمه بطريقة معاصرة.

دانة الفردان

عرفت الفردان بأنها ملحنة وكاتبة أغان وفنانة سيمفونية قطرية، تمزج أعمالها بين اللغة العربية الكلاسيكية وبين الفنون العالمية المعاصرة. قالت الفردان إن مسرحية "الرومي" تكشف عن مكنونات النفس البشرية، كما تكشف عن العلاقة العميقة والتحولات التي حدثت في صداقة الرومي وشمس التبريزي، وكيف أثرت على الرومي.

سيقوم رامين كاريملو بدور شمس التبريزي، ويقوم نديم نعمان بدور الرومي، وسيكون إلى جانبهما ممثلان آخران. أما المسرحية فهي من تأليف إيفرين شارما، وسيضم طاقم العمل أوركسترا بقيادة الموسيقار جو دافيسون.


رابط النص الأصلي:

 

https://www.theguardian.com/stage/2021/nov/09/rumi-the-musical-london-coliseum-persian-poet-middle-east-islam?fbclid=IwAR0yfVpCtV3IDsoUMVKb1rZj28Yyju9E28JxVKlEvREfx3bCvuAIfPYXiLY