Print
بوعلام رمضاني

فرنسا.. حملة صيفية للقراءة رغم أنف كورونا

6 يوليه 2020
هنا/الآن

سبق أن طالع قراء "ضفة ثالثة" في الشهور الأخيرة سلسلة من المقالات التي عكست قيمة القراءة في حياة الفرنسيين الذين رفضوا أن يحول فيروس كورونا دون حصولهم على حقهم في غذاء روحي ضروري لضمان حياة متوازنة. ولأن الصيف هو الفصل الذي يقرأ فيه 68 في المائة من النساء و61 في المائة من الرجال، حسب آخر سبر للآراء قامت به مؤسسة "يوبوكس" للقراءة الإلكترونية، فإنه لم يكن من الغريب، أن تتجند وتتكاتف كل السلطات الثقافية على مستويات مختلفة تحت شعار "الشمس، البحر، ومكتبتي" لكي يقضي الفرنسيون على ضفاف الشواطئ عطلة صيف يكون فيها الكتاب من بين الحاجات التي تحتل مساحة في حقائبهم شأنه شأن مستحضرات حمام الشمس ومستلزمات الاستجمام والراحة.
لم تنتظر نقابة المكتبة الفرنسية والنقابة الوطنية للنشر رفع الحجر الصحي الذي فرضته الدولة، لتنطلق في حملة توعية وتحفيز لدفع الفرنسيين إلى القراءة التي تراجعت بسبب غلق المكتبات كما مر معنا، وحددت تاريخ السادس من مايو/ أيار الماضي للانطلاق في تحضير الإجراءات اللازمة بتوجيه وإشراف أنطوان غاليمار، المدير العام لدار غاليمار، أكبر وأشهر دور النشر، وفانسان مونتاني، رئيس النقابة الوطنية للنشر. وكان الإشهار لحملة من أجل القراءة خلال الصيف على رأس الأساليب التي انتهجتها الهيئتان للتعريف بالحملة على أوسع نطاق إعلامي واجتماعي عبر الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإلكترونية الثقافية وغير الثقافية والنقل العمومي من خلال ملصقات تعلق على جدران محطات الميترو والقطار. وحتى يتحقق الهدف من الحملة بشكل منهجي وشامل حسب مجلة "الكتب" الأسبوعية المعروفة،  فإن كل الجهات المعنية التي عملت بالتنسيق مع فرانك ريستر، وزير الثقافة، لم تستهدف الفرنسيين القادرين على الذهاب إلى الشواطئ خلال عطلة الصيف فحسب، بل أيضا الذين يقتصرون على خرجات قصيرة غير بعيد عن أماكن مساكنهم بسبب محدودية إمكاناتهم المالية، ولهذا أطلقت حملة  أولى تمهيدية تحت شعار "كلنا في المكتبات" لحث كل الفرنسيين على شراء الكتب بقوة من المكتبات المستقلة التي تضررت ماليا كثيرا من الحجر الصحي إلى الحد الذي فرض على بعضها الإفلاس. وجاء في بيان الحملة الأولى السابقة لتاريخ حلول الصيف "كلنا في المكتبات: حتى يبقى الكتاب في فرنسا الحاجة الثقافية الأولى وحامل قيم المعرفة والتقاسم والتسلية، يجب علينا نحن مهنيي الكتاب والنشر بذل كل ما في وسعنا من أجل إعادة الكتاب إلى مقدمة المشهد الثقافي لنحقق عودة قوية إلى المكتبات الأمر الذي ينعكس إيجابا على كل فروع مهنتنا، ووحدها المكتبات تسمح بضمان رابط قوي بين الكتاب والقراء وبالتالي بالثقافة". ولأن الرواية تتصدر عادة في فصل الصيف صدارة الكتب التي يقرأها المصطافون تحت المظلات الواقية للحرارة اللافحة أو على متن القوارب أو تحت أشجار الغابات والبحيرات، لم يتردد عدد من الروائيين المعروفين وغير المعروفين من تسجيل فيديوهات دعوا فيها الفرنسيين إلى القراءة، ومن هؤلاء نينا بوراوي الجزائرية الأصل، ومارك ليفي، وليلى سليماني المغربية الأصل، ومايليس دو كارينغال، وفكتوريا ماس، ونيكولا ماتيو، وميشال بوسي، وأوريليه فالوني.

 نينا بوراوي 


















عرس رقمي للكتاب
جائحة كورونا التي حرمت الفرنسيين من التردد على المكتبات لحوالي ثلاثة أشهر، هي نفسها كورونا التي يتحداها الفرنسيون في مطلع الصيف بمحاولتهم العودة إلى المكتبات في أقرب الأجال منظمين عرس الكتاب من الثامن حتى التاسع عشر من الشهر الجاري في الفضاء الرقمي الذي أنقذ التظاهرة من الموت. العرس الذي يواكب هذه السنة تداعيات الوباء اللعين، سيحافظ على كافة فقراته باستثناء تلك التي تتطلب حضورا جسمانيا للجمهور تفاديا لاحتكاك من شأنه أن يحد من وتيرة تراجع الإصابات، ويعزز ارتفاع المعنويات في صفوف محبي عرس الكتاب الذي ينظم هذه المرة تحت شعار "الذهاب بالكتاب" في العطلة الصيفية. رغم كل الخسائر التي مني بها قطاع الكتاب والنشر بوجه عام جراء الحجر الصحي، حافظت وزارة الثقافة على الدعم المالي الأولي لكل التظاهرات الأدبية، وقرر المركز الوطني للكتاب تفعيل الخطة الاستعجالية لحماية الكتاب من الانهيار ومكافأة المبدعين المشاركين في التظاهرات المختلفة ومن بينها عرس الكتاب. بفضل التواصل الرقمي، سيتمكن المشاركون في التظاهرة من التواصل يوميا عبر موعد منتظم تحت إشراف كل المتعاملين المعنيين، وسينصب الاهتمام على شريحة الأطفال والشبان بوجه خاص. ولتشجيع هذه الفئة على حمل الكتاب في عز الصيف بشكله التقليدي ولمس وقلب أوراقه بالطريقة التي كبرت عليها، سطر المركز الوطني للكتاب فقرة "شيك من أجل القراءة"، وهي الفقرة التي كلفت أكثر من مائة ألف يورو.







الكتاب يصارع
كما مر معنا من قبل، لم ينهض الكتاب بعد من كبوته رغم كل الإجراءات الحكومية التي اتخذت لإنقاذه من المصير المحتوم الذي فرضته جائحة كورونا تماما كما تم مع القطاعات الاقتصادية والتجارية الأخرى التي منيت بخسائر تراجيدية. بكاء السيدة بولين، صاحبة إحدى المكتبات، بحرقة لافتة ومؤثرة في شهر مارس/ آذار، قد تصبح من الماضي لكن ليس قبل أعوام تسمح بإعادة بناء بيت الكتاب والنشر الذي أضحى خرابا في كثير من الحالات. هذه الحقيقة التي أكدتها  إحصاءات جديدة نشرت عشية عرس الكتاب، تمثلت في تراجع مبيعات الكتب بـ33 في المائة بشهر مارس/ آذار ، وبـ56 في المائة بشهر أبريل/ نيسان، ورغم تراجع النسبة الثانية قليلا في الشهرين الأخيرين منذ رفع الحجر الصحي ما زالت النتائج بعيدة عن مثيلاتها في شهر مايو/ أيار السنة الماضية .المفارقة في واقع الكتاب بفرنسا، تكمن في عناد معظم الفرنسيين حكاما ومحكومين على مقارعة تداعيات كورونا ثقافيا بكل ما أوتوا من سبل، وفي الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام عن خطر تنظيم تظاهرات فنية وثقافية يصعب فيها تطبيق التباعد الاجتماعي المطلوب، نجد فرنسيين آخرين يبادرون لفتح مكتبات جديدة بموازاة غلق أخرى. دار نشر "زولما" الواقعة في إقليم سين ماريتيم شمال وسط شمال فرنسا، فتحت مكتبة صيفية مؤقتة وستغلق أبوابها يوم عشرين آب/ أغسطس القادم. من جهته سيعود صالون الكتاب النادر والقطع الفنية إلى باليه رويال لينظم بين الثامن عشر والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول، كما سيكون الشهر نفسه على موعد مع صدور 511 رواية، ورغم أن هذا العدد يعد الأضعف منذ عام 1999 (524 العام الماضي) بسبب كورونا إلا أن الجائحة نفسها تدفع بالفرنسيين الى تحديها على طريقة "سيزيف" حديث.