عروض

نشيد البراءة: أسلاف في جسد شاعر

زاهر السالمي

18 أغسطس 2018
صدر عن سلسلة كتاب مجلة نزوى -العدد التاسع والثلاثون- المجموعة الشعرية الأولى للشاعر العماني محمد السناني. من مواليد مدينة صور الساحلية -1978- الواقعة في الجانب الشمالي للساحل الشرقي من عُمان، وتوصف بدُرّة الساحل الشرقي. وقد لعبت المدينة البحرية دوراً مركزياً في الرؤية الشعرية للمجموعة التي تتكون من ثلاثين قصيدة نثرية. تتضح عبرها تجربة إنسانية أصيلة، تتخطّفك كمن يجاور الشاعر في رحلته.

نجد شعراً يعلي الجمال الوحشي، حيث الطبيعة بتناقضاتها تكوّن مشهداً خلفياً للقصائد. لغة سهلة منسابة دون تكلف، مكثفة بالرموز والصور التي تستدعي تاريخ المكان بزمهريره المأساوي، ليستريح الأسلاف أخيراً في جسد الشاعر وتنتهي إليه رحلتهم الطويلة في عالم الأموات. نجد ست قصائد معنونة بالموت ومرادفاته. والمجموعة ككل تتأرجح بين الماضي والحاضر والمستقبل، بسوداوية مراوغة، وفلسفة حوارية ذات بعد نقدي. في قصيدة "نصيحة لمسافر جوال" يتمظهر جيداً هذا الانتقال بين الأزمنة الثلاثة، لتنتهي القصيدة بهذه النصيحة: "فاهرب اهرب من هنا/ففي الليل تنزل الضباع/ حاملة سحرتها للوديان/فيما الثعابين والعقارب ترتب لنا أسرتنا". مجموعة شعرية تسائل الحاضر مُجلية أقنعة الزيف المدنية، بخرساناتها وأسلحتها وحروبها. حيث الحاضر سؤال مفتوح على المجازر والتيه البشري، بينما المستقبل عَدَم.

القصيدة الأخيرة والتي تحمل عنوان المجموعة "نشيد البراءة"؛ بيان شعري لكل ما هو مناقض للبراءة، ومطلع القصيدة الذي يقول: "الطفل الذي رأى سيارة الاسعاف/وظنها سيارة بيع الآيسكريم..." يظهر لنا بجلاء ارتدادات الحياة اليومية في قصيدة محمد السناني: أن تكون "رجل اسعاف"، متنقلاً بين حوادث السيارات والأزمات القلبية، منقذاً من تصل إليه قبل أن يصل عزرائيل، أو أن تحمل جثة تحاورها عبر الطريق الطويل إلى ثلاجة المستشفى...!   

قصيدة "يوماً ما" من المجموعة الشعرية "نشيد البراءة" لمحمد السناني:

" يوماً ما سأجلس على درج حجري

في بيتي ذي النوافير

وأصص الزهور

والكتب المصفوفة بعناية

امرأة أربعينية هي زوجتي

بيتي الذي في دمشق أو أثينا أو صور

حيث الشمس تغسل الروح

بمياهها الذهبية كما في الأيام الخوالي

حين كان الشعراء يغمسون أقلامهم

في مداد البحر الذي لا ينفد

ولا تنفد كلمات الرب الطيب

أمّا الآن في هذا الليل القاني

أجرجر قدمي المتعبتين

في شوارع القتلى والأشباح

والقتلة المتسلسلين المتشابهين

هكذا وحيداً دون امرأة أو بيت

أو شمس أو قصيدة.