"في غرفة العنكبوت".. واقع المثلية الجنسية عند الرجال
هيفاء بيطار
15 نوفمبر 2019"في غرفة العنكبوت".. واقع المثلية الجنسية عند الرجال
هيفاء بيطار
15 نوفمبر 2019
تعاسة من نوع فظيع
آلام الرفض والنبذ والتحقير التي يتعرض لها المثلي تجعله يتزوج كي يُلغي، أو يُبعد، الشبهة عن نفسه، وتبدأ تعاسة من نوع فظيع، وهو مضطر لمعاشرة أنثى لا يطيق تقريبها، ولا يجد هاني بطل الرواية سوى اللجوء للكحول والمخدرات كي يُخدر وعيه واشمئزازه ويقوم بواجبه الزوجي، إنه في قمة التعاسة فقط ليرضي المجتمع، ومن أبسط حقوق الإنسان تجاه نفسه أن يكون سعيداً. وهكذا يجد نفسه مضطراً لمعاشرة زوجة، وهو لا يطيق جنس النساء، ولا يميل إليهن.
أبدع محمد عبد النبي في وصف حالة الحب بين المثليين، فالعلاقة ليست مجرد نزوة جنسية بين رجل ورجل، رغم أن هذه الأشكال موجودة بكثرة، لكن ثمة حب، قلق من صد الحبيب، خوف من فقدانه، لمعان العيون، نشوة أثناء اللقاء، وتبادل القبل، السعادة التي لا يمكن وصفها حين يتحقق التواصل الجسدي، كل ذلك الوصف الآسر البديع يقدمه لنا الكاتب بموضوعية بحث علمي، من دون أن يُطلق أي حكم أخلاقي على سلوك هؤلاء، أو من دون أن يدينهم لأنهم ببساطة موجودون، وبكثرة أيضاً، ويعانون من آلام نفسية مبرحة بسبب رفض المجتمع لهم،
وبسبب العقوبات التي يتعرضون لها، وهي غالباً السجن لسنوات.
وتنتهي الرواية من دون موعظة أخلاقية، ولا دينية، ولا قانونية، إنها تسليط ضوء على فئة من المجتمع يجب أن يُعترف بها، سواء لعنها البعض أم تقبلها. وكما قال الكاتب: للجسد حساباته الخاصة. وطالما أن هؤلاء المثليين لا يؤذون أحداً، بل يعيشون ما تتوق إليهم أرواحهم وأجسادهم، فمن حقهم أن نحترمهم، وألا نحقرهم، وألا يغتصبهم حماة الوطن والشرف، كالشرطة، وأجهزة الأمن.
بالمناسبة، فإن نسبة كبيرة من القرود والطيور لديها شذوذ جنسي، وهؤلاء لا يمكن تطبيق أحكام أخلاقية عليهم. العالم واسع، وحتى مفهوم الأخلاق نسبي.
وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن رواية "في غرفة العنكبوت" هي أول رواية عربية رائدة في طرح موضوع المثلية الجنسية باحترام وبتحليل نفسي عميق، وبأدب جم، إذ لا نجد في كل صفحات الرواية أي وصف لعمل جنسي مثلي (كما كان يفعل جان جينيه، الذي قزز القارئ حين وصف في صفحات الشهوة التي تثيرها رائحة الخراء!!!) وأظنها الرواية العربية الوحيدة الموضوعية بامتياز في تحليل تلك الظاهرة، وربما تشبهها رواية "شارع العطايف" للكاتب والناقد السعودي عبدالله بن بخيت، تلك الرواية الرائعة التي عالجت أشكال الشذوذ الجنسي، لكن في مجتمع السعودية. أما محمد عبدالنبي فروايته رواية إنسانية تصلح لكل المجتمعات، ولكل زمان ومكان. وأزعم أن هذه الرواية سوف تثير لدى قرائها الكثير من الأسئلة الوجودية ومفهوم الحلال والحرام ومفهوم الفضيحة والإثم، فالذي يعاشر زوجته بشكل شاذ هو آثم أكثر من المثلي الذي لا يؤذي امرأة تضطر أن تتحمل الذل والقهر لاعتبارات اجتماعية وذكورية ودينية عديدة. إنها رواية تستحق الجائزة بامتياز، لروائي مبدع راقي الأسلوب رغم بساطته (السهل الممتنع)، ورواية نجح الراوي في التواري من وراء أحداثها تاركاً صوت الواقع الأليم يعبر عن نفسه. رواية ليست فيها أي تعابير جنسية مقززة، أو غير مقززة، لأن إبداعه العالي يطمئنه أنه ليس بحاجة لغواية الجنس كي تصبح الرواية أكثر تشويقاً. شكراً للمبدع محمد عبدالغني. ومن يدري قد تستخدم روايتك في بحث علمي عالي المستوى حول ظاهرة المثلية.