"سينما على قارعة الرصيف".. نقد الصورة
عماد الدين موسى
14 يوليه 2020"سينما على قارعة الرصيف".. نقد الصورة
عماد الدين موسى
14 يوليه 2020
سينما بلا أفق
المؤلف في كتابته يذهب إلى الجوهر، إلى التمثيل الفلسفي للفيلم، فيقدم وجهة نظر فكرية، قد لا تكون مماثلة، ولكنها تذهب نحو المختلف الذي يجذب إليه الرؤية، فيعتبر أن أميركا أنتجت عشرات الأفلام التي تناولت الحرب على العراق، أو أفغانستان، ولكن عددًا قليلًا منها يحمل رؤية نقدية فكرية عميقة لقضية التدخل العسكري في شؤون الأمم الأخرى، وربط هذا الأمر
بصورة العالم الذي تحاول السياسة الأميركية، وغيرها، أن يعيد رسم تفاصيله. والأمر ذاته ينطبق على الأفلام التي تنتج في مطابخ سينمائية أخرى، وحده القسم في ضرورة إظهار الروح الوطنية والقومية تبدو أقل في تلك المطابخ. هنا يبرز الناقد سفر مدى ضعف وسذاجة الصورة (التجييش) الأميركية، كحروبها (العادلة) في العالم. سفر هو حقيقة يسخر منها، لأنها صورة استفزازية، صورة تتعامل مع السطح، صورة الانتصار المزيف، وبالتالي المؤقت. ثم يستعرض المؤلف أفلامًا أميركية وأوروبية تعبر عن وجهات نظر رسمية على صعيد الخطاب الأيديولوجي، وأخرى تم إنتاجها من زوايا مختلفة، مثل فيلم "الطريق الإيرلندي" للمخرج البريطاني كين لوتش، وهو فيلم عن غزو أميركا للعراق، حاول فيه المخرج، كما يقول، إدانة المجرمين الذين قاموا بالحرب على العراق، وما زالوا طلقاء. أيضًا، هنالك فيلم "شركة الحرب"، من إخراج جوشوا سفيتل. في الباب نفسه، يستعرض المؤلف ذاك الصراع الفيلمي، أو الحرب السينمائية بين الروس والجورجيين، بعد حرب الأيام الخمسة في آب/ أغسطس 2008.
ففي فيلمين؛ الأول وثائقي "حرب 8/ 8/ 2008"، والثاني روائي "جحيم أو ليمبوس"، وهما فيلمان روسيان للمخرج إيغور فولوشين، عن مأساة سكان أوسيتيا الجنوبية، يفضحان الأدوار الخفية لأميركا وإسرائيل في تسليح الجيش الجورجي الذي اجتاح المناطق الآمنة في أوسيتيا. ليأتي الرد الجورجي في فيلم هوليوودي "خمسة أيام من الحرب"، من إخراج تاتيا إيمانويل، وهو فيلم جاء في سياق حرب الوثيقة والوثيقة المضادة، وكما يرد المؤلف علي سفر أن مشكلة هذه النوعية من الأفلام لا تتوقف عند كونها سينما بلا أفق وبلا خطاب، سوى الأجندة السياسية والعسكرية، بل إنها تمتد، لتصبح "مسيئة" إلى التاريخ الثقافي للبلد الذي ينتجها.
أفلام تخصّ الحرب
علي سفر في قراءاته هذه، التي يتحدث فيها عن عسكرة السينما، يورد مثالًا الفيلم الفرنسي "مهمات خاصة"، من إخراج ستيفان ريبوجاد، وعن أفلام أخرى تخصّ الحرب أيضًا، مثل فيلم "خمس منارات في نيويورك" للمخرج محزون قرمزي غُل، وعن أفلام تقوم بتحديد صورة
العدو/ الآخر، فيقف عند فيلم "ميونيخ" للمخرج ستيفن سبيلبرغ، الذي أخرجه عام 2005، والذي وجّه فيه رسالة إلى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، تقول لهما: لا مناص من الاتجاه – فعليًّا - نحو السلام. وهو فيلم بنى عوالمه على حوادث بدت شبه مبهمة، وعصيّة على كثيرين ممن حاولوا معرفة ما حدث في أثناء اختطاف طائرة الرياضيين الإسرائيليين في ميونخ عام 1972، وبعدها. والفيلم كما أراده المخرج بدا مُحرِّضًا، وليس ممتعًا، ورسالة شك في الوقائع الرسمية الي يرويها الإسرائيليون، ولكنه لم يرد أن يكون شهادة ضدهم. غير أن فيلم "سريانا"، أو البلد المتنازع عليه، للمخرج ستيفن غاغان 2005، وهو فيلم متفرد في لونه، لا يجعل من مسألة الإرهاب فعلًا وراثيًا اختصت به شعوب المنطقة. أما فيلم مثل "الدين"، للمخرج جون مادن، الذي عُرض في الصالات الفردية منتصف عام 2011، فيُثيرُ أسئلة كثيرة تتصل في جوانبها ببعض تفاصيل إسرائيل، الذي كتبه طوال النصف الثاني من القرن العشرين، وكذلك بظاهرة المؤرخين الإسرائيليين الجُدد الذين خرجت علينا كتاباتهم منذ نهاية القرن الماضي بقراءات جديدة تفضح الرواية الرسمية لهذا التاريخ. الفيلم يروي تجربة ثلاثة عملاء من الموساد: رجلان وامرأة حاولوا في برلين عام 1966 اختطاف الطبيب الألماني النازي ديتر فوجل، الذي اشترك في المذابح ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، لكنهم فشلوا وهرب الطبيب منهم. فيدّعون أمام جهاز استخباراتهم أنّهم قتلوه، ليتحولوا إلى أبطال قوميين. لكن الطبيب ذاك يظهر وبالصدفة عام 1997، وهو ما يدفع بأحد العملاء الثلاثة إلى الانتحار، بينما تذهب المرأة وتتبع الطبيب حتى تلتقيه، وليدخلا في صراع جسدي ينتهي بمقتل الطبيب النازي.
علي سفر لا يني في كتابه "سينما على قارعة الرصيف" ينقد ويحلل الأفلام، منها لألمودوفار، وأندي ولانا، برغمان، ميشيما، واشكوفسكي، فرانسوا تروفو، والتر سالسي، جوان لشين، غاسبار نوي، ألكسندر سوكوروف، كريس فيشر، وآخرين. ولكن بعينٍ تترك مسافة بعد عنها. فالسينما ليست كلامًا- ملافظ، ملفوظات، السينما نسقٌ من الصور والعلامات العقلانية التقنية حسب نسب متفاوتة ومتوازنة بعيدًا عن الخطاب اللغوي المباشر.