علاء الديب كاتبًا متفرّدًا في عشرينية "بانيبال"

هشام أصلان 8 فبراير 2018
هنا/الآن
علاء الديب

"غدًا نجلس ونشرب كأسًا، وأحدثك عن علاء الديب"، يقول الروائي العراقي ومؤسس مجلة "بانيبال" صموئيل شمعون لزوجته وشريكته في المجلة الناشرة مارجريت أوبانك. كان يفكر أن يحتفي العدد الجديد من المجلة بذكرى ميلاد الكاتب الكبير. حدّثها عن وضعه بين أقرانه من أدباء جيل الستينيات، ودوره في تقديم كثير منهم إلى القارئ، ذلك الدور الذي استمر في ممارسته مع أبناء الأجيال الأحدث واحدًا تلو الآخر حتى رحيله. حدّثها أيضًا كيف تابع هو أثناء إقامته في أوروبا أعمال الديب الأدبية من روايات وقصص ونصوص المفتوحة: "حاولت تنظيم لقاء معه كثيرًا، إلا أن الأصدقاء المشتركين دائمًا كانوا يقولون إن حالته الصحية لا تسمح له باللقاءات".

قبل جلسة شمعون ومارجريت هذه بنحو 15 عامًا، كانت خمس سنوات قد مرت على صدور العدد الأول. وسألها في جلسة مماثلة لو أنها تتوقع مجيء يوم يصدر فيه العدد رقم 60 من "بانيبال"، خصوصًا في ظل صعوبة تمويلها ماديًا. كان أسسها في 1998 كمعنية بتقديم الأدب العربي إلى القارئ الغربي عبر ترجمته إلى الإنجليزية بواقع ثلاثة أعداد سنويًا.

وقبل أيام كانت قد مرت 20 سنة، نشرت المجلة خلالها نصوص ولقاءات لعشرات الأدباء العرب من أغلب الأجيال. وصدر العدد الـ60 بالفعل، محتفيًا في ملفه الرئيسي بصاحب "زهر الليمون"، معنونًا بـ"علاء الديب.. كاتب متفرد". تضمن ترجمة مقاطع مترجمة للإنجليزية من أعماله: "زهر الليمون"، "القاهرة"، "وقفة قبل المنحدر"، "أطفال بلا دموع"، "قمر فوق المستنقع"، و"عيون البنفسج"، فضلًا عن شهادات لمحمود الورداني وياسر عبد اللطيف ومنصورة عز الدين وعلاء خالد ويوسف رخا وإبراهيم فرغلي. وترجمها جوناثان رايت وسالي جمعة ورافائيل كوهين وعادل بابكر وناريمان يوسف وبن كوربر وسونيلا موبائي وپول ستاركي.

الأحد الماضي (4 فبراير) مرت ذكرى ميلاد علاء الديب (1939- 2016)، واحتفلت "بانيبال" ومعها "بيت السناري" التابع لمكتبة الإسكندرية بصدور عددها عنه متوازيًا مع هذه المناسبة بمشاركة كٌتّاب الشهادات وأسرته وأصدقائه.

وفضلًا عن أعماله الأدبية التي ترجمت منها "بانيبال"، يعني علاء الديب، أيضًا، عددًا من الترجمات لصموئيل بيكيت وهنري ميللر وإنجمار برجمان، ومشاركة في سيناريو فيلم "المومياء" الشهير والمهم لشادي عبد السلام. وكل ذلك عدا مشروعه الكبير والرئيسي الممتد لأكثر من 40 عامًا "عصير الكتب"، الذي بدأ بابًا أسبوعيًا في مجلة "صباح الخير" وقت كانت متألقة، عندما راح يتناول، أسبوعًا وراء الآخر وبلا انقطاع، مراجعات نقدية للكتب على تنويعاتها. غير أن تلك المراجعات ميّزها أسلوب بسيط ولغة سهلة تحبّب القارئ ولا تنفره من ناحية، ومن ناحية أخرى سمعة كاتبها المعروف بالضمير المستيقظ والنزاهة والابتعاد عن انتهاز منبره للمجاملات الفارغة الهادفة لأي شيء سوى الإشارة إلى كتاب أحبه: "أسأل نفسي، ما معنى هذا الباب الذي أحاول أن أكتبه كل أسبوع؟ تلك النكتة القديمة المكررة. هو ليس نقدًا بالتأكيد، وليس إعلانًا عن الكتاب، ولكن طموحه الأساسي أن يكون مشاركة في التفكير العام".

بعد سنوات، في العام 2010، ستجمع دار "الشروق" المصرية أبرز تلك المراجعات في كتاب يحمل نفس عنوان بابه الأسبوعي في صباح الخير: "عصير الكتب"، ويصير كتابًا ممتعًا ورائجًا ينافس العناوين التى يتحدث عنها بين غلافيه، ذلك بعد ما قضى كل هذه السنوات يؤصّل كتابات الكبار، وينقب عن المواهب الجديدة:

"تعلمت من الموسيقى الكلاسيك وخاصة من باخ، أن أروع ما في العمل الموسيقي هي الثواني التي تنتهي فيها الجملة الموسيقية أو اللحن، وتبدأ فيها جملة جديدة أو لحن جديد، في هذه الثواني يتركز كل تركيب العمل، يضع فيها المؤلف أسرار الكمال الفني القائم في ذهنه دون إفصاح أو مباشرة".

يقول البعض إنه لا يوجد كاتب كبير لا يوجد بداخله إنسان كبير. بالطبع تتفاوت هذه الصفة في ظهورها بين كاتب وآخر. وفي حالة علاء الديب كانت الإنسانية تتجلى في أوضح صورها. هذا رجل له عند أغلبنا شيء لم تصنعه سوى تلك الطيبة والإخلاص في تشجيع الموهبة أينما وُجدت ولو كان لا يعرف صاحبها معرفة شخصية. أنت، أيضًا، أمام كاتب لم يعرف أحدنا له خطأً. وتوليفة نادرة من القيمة الأدبية والكبرياء والكرامة والاستغناء. هو ذلك النموذج النادر للكاتب المحبوب من الجميع، محبة خالصة لوجه الفن والإنسانية، واحتفاء غير مسنود بإلحاح "شلّة" أصدقاء أو إمكانيات أجهزة.

يرحل علاء الديب في السابعة والسبعين فيرثيه شباب لم يكملوا الثلاثين من العمر. إجماع نوعي، ومحبة متفق عليها حتى من المختلفين في ما بينهم. لم نر الانقسامات المعتادة على صفحات الأصدقاء، ولا مقاومة للمشاعر من باب الاستهزاء ببلاهة الكتابات العاطفية.

*****

إضافة إلى الملف الرئيسي عن علاء الديب، ضم العدد 60 من "بانيبال" قصائد لوداد نبي، وفصلًا من رواية "طيور النبع" لعبد الله ولد محمدي، وقصائد للمياء المقدم، وقصة لعبد العزيز بركة، ومقطعًا من رواية "الذئاب لا تنسى" للينا هويان الحسن، وفصلًا من رواية "الكيتش 2011" للصافي سعيد، فضلًا عن مقالات لكل من: بول ستاركي عن رواية حسن داوود "لا طريق إلى الجنة"، ولاورا فيريري عن رواية جبور الدويهي "حي الأميركان"، وسوزانا طربوش عن مجموعة رندا جرار القصصية "هو، أنا ومحمد علي"، ومارجريت أوبانك عن رواية غادة السمان "يا دمشق، وداعًا"، وبول بليزار عن رواية ياسر عبد الحافظ "كتاب الأمان"، وحسونة المصباحي عن رواية عبد الله ولد محمدي "طيور النبع"، وبيكي مادوك عن رواية علوية صبح "مريم الحكايا"، وكلير روبرتس عن رواية سنان أنطون "يا مريم".

كلمات مفتاحية

رواية الأدب الروائي الرواية المصرية