طاهر البكري: الرواية العربية لا تتطوّر على حساب الشعر

بوعلام رمضاني 10 مارس 2019
ليس من الغريب أن نستحضر ونحن نقرأ شعر طاهر البكري، التونسي المولد والبشرة والإنساني والكوني النزعة والباريسي الإقامة، روح وبصمات بابلو نيرودا وناظم حكمت وبول إيلوار ومالك حداد وفيكتور هيجو ومالارميه وشعراء آخرين خلدوا أوجاع الإنسان بمختلف ضروبها، ومجدوا قيم الحب والحرية والانعتاق والمعاناة والفراق والمعاناة مفجرين قريحة الإبداع الشعري الذي يقال إنه لم يعد ديوان العرب.
طاهر البكري، الذي هرب من بطش الرئيس الراحل بورقيبة (ملهم الكثير من المثقفين والمثقفات من منظور تحرير المرأة على حساب الكثير من الرجال ومنهم البكري)، حالة إبداعية خاصة في المشهد الشعري الفرنسي والمغاربي والعربي بوجه عام. هويته الأدبية والفكرية والشخصية واللغوية ليست من النوع الطاغي والمهيمن من منطلق إيديولوجي في فرنسا التي تحتضن عددا كبيرا من المبدعين العرب الذين يبدعون باللغة الفرنسية فقط ويحتقر بعضهم اللغة العربية التي ما زال يبدع بها البكري في باريس إلى جانب اللغة العربية كما أثبتت ذلك الدورة الأخيرة لـ"صالون كتب مغرب مشرق"، الذي يعد ضيفه المنتظم والوفي منذ تأسيسه.
في هذا الحوار يكتشف القارئ الذي لم يسعفه الحظ للاطلاع بالقدر الكافي على شعر طاهر البكري عن شخصية هادئة ورزينة ومتوازنة في توجهها وآرائها، وبعيدة عن التعابير والمواقف والكتابات التي تصدر عن رفقاء درب يكتبون في كثير من الأحيان بافتعال محسوب على الصعيد الإيديولوجي في زمن فرنسي متميز يدفع إلى المتاجرة إبداعيا بظلم وتطرف الإسلاميين فقط حتى إذا تعلق الأمر بغزة التي أفرد لها البكري ديوانا كاملا.

الشعر لم يتقلّص
(*) تقولون "الشعراء كانوا دائما ينددون بالطغاة، يدافعون عن الحرية، يغنون للحب، يسعون للقضاء على الحدود، يحمون الطبيعة، ويكشفون عن الحقائق الإنسانية".. ألا ترون أن حبكم الذاتي والمفرط للشعر ترككم تقفزون على حقيقة تراجع الشعر بل وحتى غيابه برغم تزايد الطغيان وانتشار الحقد والخراب المادي والمعنوي؟
لا أعتقد أنّ الشعر تقلّص أو غاب ويكفي زيارة المواقع العديدة على الإنترنت، وآلاف المجلات الشعرية والمنشورات والتظاهرات والفيديوهات والمهرجانات والاحتفالات عبر العالم. في مدلين، في كولومبيا، مثلا، يساهم أكثر من ثلاثة آلاف شاعر في تظاهرة ضدّ الحدود والحيطان والحواجز، وفي "ربيع الشعراء" في فرنسا تقام في كل سنة أكثر من خمسة آلاف تظاهرة

شعرية، ويكفي زيارة "سوق الشعر" في باريس في شهر حزيران/ يونيو للتأكد من وجود مئات الناشرين وآلاف الزائرين. الشعر لم يغب بل أصبح يستعمل كذلك إلى جانب الكتاب الورقي وسائل جديدة رقمية وسمعية وبصريّة، وهو لم يغب كذلك عن التنديد بالواقع المرير والتاريخ المأساوي، وهل يجب التذكير بأنّ هناك من الشعراء من يقبع في السجون العربية منذ سنوات. ربّما قصّرت وسائل الإعلام في إعطاء الشعر المكانة الكافية والواضحة عن حقيقته وواقعه لكنّي أتفق معك أيضا على أنّ كلّ ما يكتب من الشعر حاليا ليس بالضرورة شعرا بل هو خطاب مبتذل متسرّع ومنعدم الكتابة، وليس كلّ الشعر ملتزما بالقضايا الحارقة ملتصقا بهمومها وهواجسها، وهو بذلك يمثل صورة عن الإبداع عموما والذي لا يخلو من هبوط في الذّوق وإخلال بالمسائل الجادّة، وكما كان الشعر قديما مدحا وإطراء وتكسّبا عند البعض فإننا نجد نفس هذه الوجوه حاليا. في كلامي عن الشعر، غالبا ما أعني الشعر الذي يحمل صوت الحرية وينادى برفعة الإنسان وكرامته كتابة وبعدا فنيا وجمالية.

(*) الرواية التي ترون أنها تنزع إلى الشرح وتقضي على سحر أو لغز اللغة وتعطي معنى لكل شيء هي الجنس الأدبي الذي تحول إلى ديوان الغرب والشرق الأمر الذي يعطي صدقية لقول عباس بيضون: قديما كان العربي يولد شاعرا واليوم يولد روائيا. بغض النظر عن الألم الذي يمكن أن تولده فيكم هذه الحقيقة الأدبية الطاغية كما أتصور، كيف تفسرها في تقديركم كظاهرة متشابكة الأسباب والأبعاد؟
ثق أني لا أتألم لهذه الظاهرة بل على العكس، ولسنا في حاجة إلى حرب أخرى بين الرواية والشعر، ما قلته كان في باب النثر عامّة ولكل مبدع يحترم فنّ الكتابة وخصائصه ما يقرّبه من التعبير عن شعوره ورؤيته وفكره بأحسن تعبير. المهمّ أن نجيد العمل الأدبي قيمة وقامة. لا يخلو الأدب العربي المعاصر من أصوات شعرية بارزة ومهمّة وكذلك من أصوات روائية كبيرة وهذا يسعدني حقّا. ليست المسألة مسألة سباق وتنافس أدبي بين الأجناس واحتدام أمام الجوائز الأدبية بل تكامل وتنوع ومساهمة في تعددّ الأجناس وممارستها وإثرائها. ولا أعتقد أن الرواية العربية تتطوّر على حساب الشعر وإلا فنحن نتجاهل الشعر العربي الحديث وأهميته بل من الإيجابي أن تساهم الرواية العربية في الحضور الأدبي العالمي رغم قصر عمرها، وهناك

شعر سميك يتطلب جهدا في القراءة والفهم وفرز المعاني وفك سرّ الاستعارة والإشارة والرمز واللغز وربما أبعدت كتابته المستعصية المتسرّع والباحث عن "لذّة المطالعة" والسير دون توقف أو التأمل البطيء. زد على ذلك الربح التجاري في رواج الرواية دعما ودعاية، ويبقى الشعر منيعا في سوقه بعيدا عن السلعة والاستهلاك والأكلة الخفيفة، هناك أبيات وأقوال لشعراء ثابتة من قديم الزمان في تاريخ الشعوب والحضارات لأنها مثلت روحها وقلبها وشعورها وخيالها، ويكفي هذا لتقدير هذا الجنس الأدبي.

فلسطين في القلب
(*) الكاتبة أحلام مستغانمي قالت "نكتب قصيدة حينما نفقد حبيبا ونكتب رواية حينما نفقد وطنا"، ولأنني أتصور أن حبيبتكم الأولى التي فقدتموها هي تونس كما فقد كاتب ياسين نجمة الحبيبة المرأة والوطن، أسألكم لماذا اقتصر حسكم الأدبي المستفيض على الشعر علما أنكم لم تفقدوا تونس فحسب بل فقدتم أمة عربية ضيعت صوابها وغربا خان وضيّع قيمه في كثير من الحالات وفلسطين العروسة التي اغتصبت سياسيا على طريقة مظفر النواب البديعة؟
بداية، زرت فلسطين المحتلة سنة 2009 ونشرت كتابا عن رحلتي: "سلام غزة"، وهو مجموعة دفاتر، وكذلك نشرت أنتولوجيا بالفرنسية "شعراء من فلسطين" لجيل ما بعد محمود درويش. فلسطين في القلب والقلب يدمع، ولم يقتصر حسّي الأدبي على الشعر بل سجّلت تعبيري فيما أمكن من إثارة للاهتمام نثرا وبحثا وسردا. لم أكتب رواية عن الوطن بل دواوين شعرية ومن بينها "أسميك تونس" و"شجرة توت حزينة في الربيع العربي". فأنا لا أفرّق بين الحبّ والوطن تعبيرا وجنسا أدبيا. كلّ المواضيع تتشابك داخل النّص الأدبي ذاتا ومجموعة. وتتداخل الكتابة الشعرية في العلاقة مع الزمن والفضاء بداية من الطفولة وفقدان الأمّ إلى

عذابات السجن والمنفى ومأساة الإنسان العربي ولكن يبقى فضاء الإنسانية الرحب من تساؤلاتي الأولى واهتماماتي، تلاقيا والتقاء، تلاقحا وتوليدا، لا تنازل عن القيم والأخلاقية غربا وشرقا ويبقى حسّ الشاعر ضميره الإنساني.

(*) هل الصحراء التي خلدتموها في ديوان "صحراء في المغيب" الذي نشرتموه مؤخرا هي التي صنعت منكم شاعرا قبل أيّ عامل آخر، وهي الصحراء الشاعرية بطبيعتها والأقوى أثرا وجدانيا رغم أنف مدن الرواية الحديثة وعلى رأسها باريس التي لجأتم إليها هروبا من حكم بورقيبة الذي يعتبره البعض حداثيا كما يعتبر اليوم البعض الآخر محمد بن سلمان حداثيا.
ديوان "صحراء في المغيب" كتب على لسان المعلقات وهو كتابة التراث لمحاسبة الواقع العربي الإسلامي وما آل إليه من خراب وحروب، الصحراء الشاعرية هي ذاكرتي الحميمة وأنا من واحة قابس في جنوب تونس. لكن الصحراء ليست بالضرورة جمال الطبيعة بل ضراوة الواقع، مجازا وحقيقة تاريخية. مخاطبة الصحراء ومناجاتها عند الغروب هي مخاطبة تاريخنا العنيف الذي لا يتقدم بل تكسوه الرمال والقوى المتغطرسة دينا ودنيا وأصبح ميدان حروب لا نرى لها نهاية. وجودي في باريس لا يمنع مشاعري العربية التي لا تقبل الإساءة إلى الإنسان وهي تستعبده وتتاجر به، تهجّره وتقتله. أكتب حتى لا تكون الصحراء قفرا جدبا عقيما رغم ثرواتها الغزيرة. رغم إيقافي سنة 1972 وسجني سنة 1975 أيام البورقيبية فالحداثة التونسية فعلية وأسّست المجتمع المدني وركّزت دعائم الدولة المدنية وكانت تونس في طليعة الربيع العربي، لكن هذه الحداثة كانت متفردة الحكم وسلطوية وناقصة الحرية والديمقراطية، وجودي في باريس منذ عقود لم يمنعني من الإلتصاق بالذاكرة والواقع العربيين بل علمني المنفى المقارنة بين تاريخ الشعوب والحضارات، فكان الشعر تعبيرا عن كل هذا الوجدان إلى ما يتعدى المكان.

من حسن حظي أني مزدوج اللغة
(*) يتميّز حضوركم الإبداعي بازدواجية تعبيرية قائمة على لغتي فولتير وفارلين ولامارتين من جهة والمتنبي والمعري والشابي من ناحية أخرى. ما الفرق من منظور الوطأة الوجدانية بين كتابتكم الشعر باللغة الفرنسية وباللغة العربية، أم أنّ الوجدانية قائمة في الحالتين لأنّ الشاعر الحقيقي شاعر بكل اللغات؟
هناك حالات تملي عليّ ضرورة الكتابة بالعربية وأخرى بالفرنسية، ومن حسن حظي أني مزدوج اللغة منذ تعليمي الإبتدائي، ولكني مقتنع أنّ لغة الكتابة الشعرية لا تكون جاهزة على طبق بل هي تعامل إبداعي يتطلب جهدا وممارسة. صحيح أن الوجدان مبعث الكتابة لكنه في حاجة إلى معاناة ومصارعة وبحث وابتكار. ما أحسّ به ليس لغة على حساب الأخرى، بل أعتبره إثراء وتغذية وأخذا وعطاء ولا أجد دائما تفسيرا لشعوري وأنا أكتب بالفرنسية بأن روح النص تبقى عربية في هواجسها وعالمها.

(*) هل تساوي الوجدانية في حالتكم (ما دام صلب الشاعر وجدانيا بكل اللغات) يفسّر عدم تخليكم عن اللغة العربية، وإلى أي حد يمكن أنّ تكون مقولة الشاعر الكبير مالك حداد: "لغتي منفاي" قد خففت من منفاكم بحكم حفاظكم على اللغة العربية التي عجز حداد عن الكتابة بها واعتبر عجزه بترا جسديا وروحيا؟
كما تعلم درّست اللغة العربية في الجامعة الفرنسية وأكاديميا، وكتبت أطروحة عن مالك حدّاد لشعوري بقسوة المسألة اللغوية وحدتها في الشقيقة الجزائر وما أشرت إليه من بتر في الذات

راجع إلى التاريخ الاستعماري. وتعاطفا مع مالك حداد، ترجم المرحوم صالح القرمادي في تونس روايته "سأهبك غزالة" التي اطلعت عليها وأنا تلميذ في الثانوية ووعيت منذ ذاك الحين بمسألة المنفى اللغوي الذي عانى منه مالك حداد وربّما كذلك كتّاب آخرون مغاربيون. فيما يخصّني، كنت أسعد حظا كما ذكرت سابقا لازدواجيتي اللغوية مع العلم أنّ بداية تعليمي كانت بعد استقلال تونس وهذه خاصّية في التعليم التونسي الذي بقي مزدوجا حتى في الفترة الاستعمارية، إلى جانب التعليم الديني الزيتوني. ولذلك لم أشعر أبدا بالمنفى اللغوي وكانت لغة الكتابة لديّ اختيارية لا اعتباطية. منفاي طال ثلاث عشرة سنة لم أزر فيها تونس من 1976 إلى 1989. لكنّ موضوع المنفى يكاد يتخلل غالب كتبي.

(*) اللغة هي عنوان الوجود في نظر محمود درويش صاحب مقولة "اللغة أنا وأنا اللغة" وتعتبر وطنا نسكنه في نظر هيدغر. كيف هي عنوان وجودكم في حالة الكتابة باللغة الفرنسية والعربية، وهل العربية هي عنوان المولد والحنين الأول والفرنسية عنوان المولد الثاني في أرض إنسانية بامتياز في نظركم؟
لم أخف يوما على ذاتي التونسية والعربية ولا على زادي من اللغة العربية، أحملها وتحملني، أسكنها وتسكنني ولها مستويان: فصحى وعامية، أكتبها وأسمعها واقرأها وأدرّسها، ويبقى في النهاية مراد كل كاتب هو الوصول إلى لغة خاصة به، تصوّر وتعبّر عن عالمه على أحسن وجه، وبالطبع فمقولة محمود درويش تحمل عبئا ثقيلا وهي تتصدى لمشروع الإحتلال الإسرائيلي إذ تصبح اللغة سدّا منيعا أمام طمس الهوية ومسح الذات وكم من شعب أو أقلية جعلت من اللغة سلاحا للدفاع عن هويتها وقضيتها المشروعة. الكتابة بالفرنسية كانت سندا لي وعاملا ثانويا لم يمسّ من هويتي أو أدّى بي إلى الذوبان أو التعصّب. كلّ ما أنادي به هو أن نكون سلميين أمام قضية اللغة ونحترم اللغة التي يكتب بها الكاتب، متفهمين لوضعها فاحصين أسبابها وأبعادها.

(*) أدونيس قال: "صلاح ستيتية كتب اللغة العربية بالفرنسية معبرا على طريقته عن انصهار اللغة في القيم العقلانية والوجدانية في الوقت ذاته". ما هو تعليقكم؟
أتّفق تماما مع هذا الرأي، ولا غرابة في ذلك فصلاح ستيتيه متجذّر في الثقافة العربية وجاءت لغته الفرنسية متشبعة بالفكر والذات العربيين وهذا طبيعي لأنّ مؤلفاته حوار مستمرّ بين الشرق والغرب عقلا ووجدانا. وكذلك هي لغة أدونيس العربية تحمل إشارات غربية وكل هذا يصبّ في صلب العمل الإبداعي مهما كانت اللغة التي بها نكتب. المسألة تبقى عندما يجهل المبدع ثقافة الأصل ويحاكي لغة الغير فتأتي أعماله دون عمق وتثير السّجال المفتعل. هناك اليوم كتاب عرب يكتبون بلغات العالم المختلفة وحان الوقت لاحتضانهم داخل الساحة العربية.

الأدب المغاربي فرض موقعه في العالم
(*) كما ذكرتم تعدون بحثا في الأدب المغاربي بوجه عام والتونسي بوجه خاص وكانت أطروحتكم عن مالك حداد كحالة مغاربية بوجه خاص. ما هي خصائص البلدان المغاربية ومن هم الذين انفردوا عن آخرين في المجالين الروائي والشعري ولماذا؟
أريد أن أذكّر أننا في السبعينات كنّا نقوم باضرابات في الجامعة التونسية وكان من بين المطالب دراسة الأدب المغاربي لكونه ملتصقا بواقعنا وهمومنا، وتغيّر الحال اليوم من حسن الحظ حتى أصبح هذا الأدب محل اهتمام في عديد من الجامعات عالميا، وأصبح من العسير على الباحث أن تكون معلوماته شاملة لكثرة المنشورات والندوات والمؤتمرات والملتقيات. فرض هذا الأدب موقعه في الأدب العالمي كمّا وكيفا وتعاقبت أجيال الكتّاب. ويمكن اعتبار هذا الأدب صورة بليغة عن واقع المجتمعات المغاربية وما تعانيه من تناقضات وما تنادي به من تحوّلات في مواضيع اجتماعية وسياسية ودينية وثقافية، ولا يخلو هذا من احتدام وسجال وصراخ وصراع ونزاع ونحن بحاجة إلى تعقل وتبصّر وتسامح وخروج عن التهجمات المسيئة حتى نبلغ القراءة المسؤولة وحتى نتقدم بشعوبنا. برزت أسماء عديدة في الرواية والشعر في سماء الأدب المغاربي، ولا يسمح الحديث هنا بذكر البعض وتناسي الآخرين دون أن نكون مقصّرين أو

جارحين للمشاعر وهذا ليس من طبعي. وقد نشرت في هذا كتبا وأبحاثا ومقالات عديدة طيلة السنوات الأخيرة. لم يعد الأدب المغاربي مختلفا عن الأدب العربي عامة فالهموم واحدة والتاريخ واحد وحوار المشرق والمغرب قربته الفضائيات والآلات الرقمية. وربما كانت الخصوصية تعني بعض الكتاب من الجيل الثاني في أوروبا الذين هم من أصول مغاربية.

(*) أندري ميكيل الخرافة الفكرية والأدبية الحيّة أو مجنون ليلى قال لي إنّ عظمة اللغة العربية تكمن في شعر أصحابها وليس فقط في القرآن الكريم الذي يعتبر معجزة لغوية في نظر رشيد بوجدرة. هل من مثل عليا في مساركم على المستوى الشعري عربيا وفرنسيا وعالميا؟
نثر ابن المقفع والجاحظ لا يقل عظمة عن لغة الشعر العربي. من ناحية أخرى ليست لي مثل عليا وكنت دائما أكره المبالغة وقولة "أشعر الشعراء". هناك شعراء قريبون من نفسي وخاصة بعض القصائد أو الأبيات من السويد إلى الجزيرة العربية ومن اليابان إلى أميركا اللاتينية. قرأت الكثير ونسيت الكثير ولو أردت ذكر الشعراء لكانت معلقة لا تنتهي من الأعشى إلى بوشكين، ومن ابن حمديس إلى سفريس، ومن شكسبير إلى السياب، ومن باشو إلى جبران والشابي، ومن المعري إلى دانتي، ومن أبي تمام إلى رامبو... عظمة لغة المتنبي لا تنسيني أنه كان عنصريّا ومادحا متكسبا ولذلك فقراءاتي تحاول أن تكون يقظة مهما كانت أهمية اللغة.

كتاباتي عن فلسطين تسببت بقطيعة مع كُتّاب
(*) كرستم حيزا معتبرا للمأساة الفلسطينية في شعركم وتفاعلتم مع نكبة غزة في شتاء 2009، فهل لكم تنوير قراء "ضفة ثالثة" بما جادت قريحتكم عنها وكيف وأي مقطع تهدونه لهم؟

سلام غزّة

في أحضان الضّوء
وجمال العلم
رغم الرصاص الصّلب
ورغم السفاحين
هذه ندائف الثلج
لتهدئة الأرض
من النّار التي تلهب شفتيها
لماذا تحبّون رفات الّرّماد
في حين يغذي الجمر قلبي
اللين في سير السواقي
لماذا هدّمتم طلّي
وأرديتموه غبارا
هل تخيفكم الشمس
من رؤية ظلّكم

(*) هل حدث وأن سبّب لكم هذا التعاطف الأدبي والفكري مشكلة مع الجهة التي تتهم كل من يدافع عن الشعب الفلسطيني بمعاداة السامية؟
لم يقع التهجّم عليّ لأنّ كتاب "سلام غزة" بعيد عن الخطاب المتشدد والسّجال العنيف. هو ورقات من رحلة عشت وعاينت كلّ لحظاتها، مترا مترا، شجرة شجرة وحجرا حجرا. لكن هناك أقسى من التهجّم وهو الصمت. طلبتْ بعض وسائل الإعلام الكتاب عند صدوره ثم تجاهلته وكنت متعوّدا على دعواتها. كما سبّبت لي كتبي ومواقفي من القضية الفلسطينية قطيعة مع بعض الكتاب وهم يروّجون نشرا وانتشارا لإسرائيل على حساب فلسطين.

كلمات مفتاحية

شعر عربي حديث رواية أحلام مستغانمي أدب عربي. رواية عربية أدونيس الإبداع الأدبي الأدب الروائي