هل تتذكرون "بينوكيو"

أمجد ريان 10 أكتوبر 2017
شعر
لوحة للفنان السوري عمار البيك

 

 

هل تذكرون "بينوكيو"

 

 

 

كم تتداخل أقواس السلالم

..
في كل مرة
لا آخذ بالي من الدرجة المكسورة في السلم
فتنزلق قدمي بعيداً فوق أسطح البيوت
وفوق الحكايات الدفينة في البيوت
وفوق فضائح البيوت
والمرأة التي لم تلحق تغطي جسدها بعد العملة السوداء
تنزلق قدمي في قوس بعيد: فوق الأمنيات الجريحة
والوحدة التي يعيشها الإنسان، رغم كونه داخل الزحام
في الزحام الهيكلي الخاوي: كلنا خاضعون،
وكلنا نئن تحت طبقة الأتموسفير
وعندما تمر سنوات، دون أن نحقق شيئاً:
تتعطل فجأة مروحة السقف
وقبل أن نأخذ الشهيق العميق
تكون عربة الإسعاف قد وصلت
لتأخذ الرجل الباكي العينين إلى مقره الأخير.
.
مقص المطبخ مفتوح
والمرأة أحضرت اللحم والسبانخ
ولكن الحياة عنيدة، لا تسير على ما يرام
وبينما تغني المطربة قائلة: بحبك يا مصر
يكون الرجل قد أحس بالثلج الحارق
ما بين العمود الفقري والقفص الصدري
ثم تضربه فجأة جلطة المخ.
ويكون المسافرون بحقائبهم على رصيف المحطة
مهمومين، ينظرون لليمين ولليسار
والقطار لا يريد أن يأتي: فتنسحب المرأة
بحقيبتها الضخمة وبردفيها الضخمتين
فتجلس على الكوفي شوب، وتطلب مشروب الخروب
وتسأل نفسها لماذا لا يصلحون درجة السلم المكسورة
لن تكلفهم شيئاً
أما أنا فقد كنت أقفز على السلالم
ثلاث درجات، ثلاث درجات
ولا أعرف لماذا أقفز هكذا
ولماذا أجري في الشارع هكذا
أنا لا أعرف في الأصل إلى أين أنا ذاهب:
كل ما أعرفه هو أن المصير هو الافتراق
وأن الفتاة ذات الشعر "السايح"
الفتاة التي تهرب من خطوط عيني الحادة
سوف تختلط بالزحام العنيف
وسوف تختفي فلا أراها ثانية
وأنا كنت أريدها ، كنت أريد أن أصاحبها
وأحكي لها حكاية واحدة من حكايات طفولتي
وكنت متأكداً من أنها لو سمعتها ، ستترك الدنيا وما فيها
لكي تضمني إلى قلبها قائلة :
كيف تمكنت أيها المسكين أن تستمر في الدنيا حتى الآن
ثم تشتري لي كوباً من الآيس كريم،
وتضربه في أنفي بعنف
كما فعلت الفتاة الحمقاء
في فيلم "آيس كريم في جليم".

 

 

لدي أجندة فخمة ملونة الصفحات

..
شقتي سوداء في العيد، مظلمة
وأنا أتساءل لماذا جئت أيها العيد؟ وأنا بهذه الحال؟
لا أملك أي شيء سوى عينين
تدوران مثل عيون لعب الأطفال
بين الجدران والسقف
وكلنا نظل نقفز مثل البلياتشو بين الحلقات
الحلقات الوهمية التي تحيط بالفراغ :
بالأمس سجلت في الأجندة رقم محمول
ولكنني نسيت اسم صاحبه
وهكذا ينتهي كل شيء
تظل كل حكاية تجدد ما فيها من رموز، لكي تتجاوز نفسها
ولكن مآلها هو الانتهاء.
لن أنسى الأيام التي انتعشت فيها طبقتي المتوسطة الصغيرة
كنت أحترم ذاتي، وأحترم الآخرين
وفي هذه المرحلة تعلمت أنه
ينبغي أن يكون الشاعر فاقداً ، وحاداً
ينبغي أن يكون الشاعر انفعالياً لحد الاشتعال
وبارداً لحد الخمود:
هل أنا الذي يجلس على منضدة المطبخ ، أنتظر النسكافيه
هل أنا الذي توصلت إلى قضية:
أن أية فكرة لا تستطيع أن تستمر طويلاً،
ظللت سنين طويلة على منضدة المطبخ ، أنتظر النسكافيه
حتى اكتشفت أن الحياة محض احتمالات.
ألبس الشبشب المطاطي، وأتمشى في الشقة مهموماً
وكلنا غارقون في الكوميديا السوداء
نرسم هياكل خاوية: ونقول إن العيد جاء
تقول المرأة للبائعة: كل سنة وأنت طيبة، ثم تسألها
عن كحل يظل باقياً فوق الجفون لفترة طويلة
وهي قد تستخدم هذا الكحل لمرة واحدة
أو قد لا تستخدمه على الإطلاق
لأنها قد تنام على السرير،
وتحلم برجل كانت تحبه فيما مضى
ثم تأخذ شهيقاً عميقاً ، ولكن الزفير لن يخرج مرة أخرى
وهنا تتحول المرأة إلى جسد ممدد، وحسب
جسد مفلس
حسد ملأ الدنيا بالضجيج، ثم صمت
جسد مملح كالسردين
جسد لا يستطيع أن يركب المترو، ولا أن يقطع تذكرة.
.
بمناسبة العيد ظللت ألاعب نفسي
على لوحة الكونكت فور
بيأس شديد، وشفتاي ممطوطتان بسبب الحزن الداخلي
بينما أنقر بأصبعى على سطح المكتب
لأعبر عن عصبيتى، ونفاد صبري
أغلقت باب الشقة بقوة،
والسلالم ساكنة شاردة الذهن
السلالم ميتة بجدارة
وفي الدور الأرضي:
كان الناس يتزاحمون أمام باب الأسانسير، ويثرثرون
وكلما دخلت مجموعة ، ينغلق الباب ليبتلعهم
وبعد لحظة صمت تتزاحم مجموعة أخرى وتثرثر.
.
عيد بأية حال عدت يا عيد؟

 

 

هل تذكرون "بينوكيو"

..
ما فائدة المراثي التي كتبها الشعراء
تعبوا في كتابتها وضبطوا معانيها، بحنكة واقتدار
لكي تبزغ الدموع في عيوننا
ولكن كل إلى زوال
والمراثي ذاتها أيضاً إلى زوال
الحجر والماء والضوء
كل إلى زوال
خطوتي التي وضعتها على الأرض تواً
إلى زوال
الانتظار إلى زوال، والضحكة، والجدار
الزوال قضية أبدية
قضية مذهلة
والبنت صرخت قائلة: "واو"
للتعبير عن الدهشة والإعجاب
بأي شيء هي معجبة؟
وما الذي يمكن أن يستحق الإعجاب؟
هل التاريخ يستحق الإعجاب
أم يستحق أن يلقى به في مقلب الزبالة.
آلاف الأسر والعائلات تكونت
وذابت
والإنسان محض حكايات وحواديت
بعضها يزول قبل أن يولد
وأنا أدخل القاعة التي أضيئت بالفوسفور الملون:
قاعة الفرح الهائجة
وكما اعتدنا: العروس في هذه الأيام
هي التي تحْيي العرس، رقصاً وتهليلاً
العروس بأنف خشبية طويلة
مثل أنف "بينوكيو"
والعريس بأنف كروية حمراء هي أنف "البلياتشو"
كم ليلة أمامك أيها العريس الفحل
حتي تتوقف قدراتك الجسدية تماماً
وتنام في السرير كالخرقة
ويبدأ جسدك في الزوال
من خلال العد التنازلي : 3 ـــ 2 ـــ 1 ـــــ صفر .
.
كانت المرأة في الشرفة تعمل لطفلها في الشارع باي باي
وأنا أفتح كانز المياه الغازية
وأقرأ قصيدة الحب، وأقارن ما فيها من عواطف
بما كنت أعيشه بالفعل.
كان الشارع كله يعوي
والشرفات كلها آيلة للسقوط
واللحظات مليئة بالتحولات المفاجئة
وبالتحولات البطيئة
وأنا في قمة الحيرة :
باحثاً عن اللحظات التي أستطيع أن أقرر فيها أي شيء
الموت واقف خلف الأفق بأنف بلياتشو
والمرأة لازالت واقفة في الشرفة
وما زالت كفها البيضاء البضة ترتعش يميناً وبساراً
وتقول بصوت غير مسموع : باي باي.

 

 *شاعر من مصر