مغانمُ الرياضيين والتعاليمُ كما التزموها

سليم بركات 5 أكتوبر 2019

صدر حديثاً للشاعر والروائي سليم بركات كتاب شعري جديد بعنوان "مغانمُ الرياضيين والتعاليمُ كما التزموها"، عن "دار المدى"، في 181 صفحة.
هذا الكتاب عبارة عن موضوع واحد يشمل أنواعاً عدَّة من الرياضة موزعة على أحد عشر باباً، بدءاً بالملاكمة والمصارعة الرومانية وانتهاءً بكرة القدم، وذلك على النحو التالي: الباب الأول (الحَلَبات). الباب الثاني (العصِيُّ والمَقَارع). الباب الثالث (ملمس الحديد). الباب الرابع (فنُّ القفز بلا ضوابط، والتزلُّج على المعاني). الباب الخامس (ترجمةُ الماء). الباب السادس (تنقيبٌ في الفكرةِ العضليَّة). الباب السابع (موسيقا ومِطرقة). الباب الثامن (الهواءُ كحِرْفةٍ). الباب التاسع (قواعدُ اللهاث). الباب العاشر (الدَّرَّاجاتُ كَمَا صُنِعت). الباب الحادي عشر (عَقْدُ المرتزقة).

 

هنا بعض المختارات من الكتاب:
الملاكمة
حِبالٌ تتمغَّطُ في استناد المتراجعيْنَ عن اللَّكماتِ بالظهورِ إليها.
لم يكنِ الملاكمون موعوديْنَ بحبالٍ من حول الحلبات تسندُ الأجسادَ في تعثُّرِها بأقدام الحظوظِ الشديدةِ الرَّكْلِ إنْ ركلتْهمُ الحظوظ.
كانوا بلا وقاءٍ،
مكشوفيْنَ للقبضاتِ عاريةً بقوانين القتلِ عارياً، بلا اعتبارٍ للأوزان. وها صاغها المتعهِّدون أوزاناً من رفاهةِ التسالي في القتلِ بتأجيلِ القتلِ، فأوْجَبُوا قفَّازاتٍ هانئةَ البطانات بحشوٍ من الهواءِ رحيمٍ.
أوْجَبوا الضرباتِ نظيفةً فوق الخصور، لا تحتها.
أوجبوا نقاطاً في نزفِ الخسارةِ خسارتَها.
أوجبوا الضرباتِ القاضيةَ رفْعاً للحياةِ بكُلَّابٍ إلى مَجدها العنيف.
أوجبوا الخسارةَ على المجروحيْنَ جراحاً داميةً،والمرضوضيْنَ رضوضاً تستنفد الأجسادَ، باحتسابِ الخسارةِ أنها ـ تقنياً ـ ابنةُ الضربةِ القاضية.

 

رياضةُ الملوك لَكْماً بالقَبضاتِ
ذاك تقديرُ المنازلةِ اللامفهومُ تصنيفاً للتسالي: أَملوكٌ نازلوا الملوكَ لَكْماً، أمْ تمايلوا استثارةً على الأرائكِ شهوداً على عراكِ العبيدِ، والسفَّاحيْنَ، أُحضِروا إلى الحلباتِ بلا تشريعٍ؟ تكفي القاعدةَ أن يمسكَ الهواءُ بأحشائه،
وتُرغي
السماءُ
هياجاً
كالجَمَلِ الفحْل.
"ضرباتٌ نظيفةٌ" من تشريعِ الألقِ اللَّاحقِ في اختصاصِ الإنسان بالوجعِ نظيفاً،
وباللحم نقشاً على العظمِ نظيفاً،
وباللَّمس المُلتهِم نقشاً نظيفاً على الفرْجِ المُلتهِم.
تَسَالٍ كالأصباغِ العريقةِ من قَطرانِ الفحم، مُعَجَّلَةَ الفوزِ بالحقد فيها احتساباً للنقاطِ الضرباتِ، أو القاضيةِ الضربات من هؤلاء المُنْتَخَبيْنَ أوزاناً من أوزان الذبابِ،
وأوزانِ الدِّيَكةِ،
وأوزانِ الريشِ،
والأوزانِ الثِّقالِ وما فوق الثِّقالِ،
والأوزانِ الخِفافِ الثِّقالِ،
والأوزانِ الخِفافِ الأواسطِ ثِقلاً.
تصانيفُ من عَدْلِ النزوح بالأجسادِ إلى احتمالها شَجْوَ الدمِ وتغريدَه.
أرضٌ لِبْدٌ أرضُ الحَلْبةِ.
أربعةُ حِبالٍ للجهاتِ الأربع.
سومريُّون انتشلوا من الصخر نحْتاً نِزالَ الأنداد بقبضات الأيدي. فراعنةٌ أيضاً. ألفا عامٍ بَعْدَ أقرانهم في العمران الأول على ضفاف الأنهار انتشلوا من الصخر إيمانَه الدفينَ باللَّكماتِ. ألفا عامٍ ـ قبل الإيمانِ بقياس الزمنيِّ إلى نبيٍّ، أو عاصفةٍ في مولدها تشبه نبياًّ، أو إعصارٍ شتَّت الخلائقَ أصنافاً يستعبدُها موْلِدُ الإعصار ـ هُنَّ جمْعُ الفراعنة بعد السومريِّ نبضَ الضربة الأولى بيد الإنسان التمثال من جوفِ الصخر.
مناقبُ النزف بعد الضربات، وقبل الضربات، وفي أثنائها: هي المناقبُ الأماثلُ تقديراً للمخلوقات السَّيفيَّة الأذيالِ كمجسَّماتِ الفكرِ، والآلهةِ السيفية.
ملائكةٌ
تعلو
رغوةً
على
فمِ الغيم.


كونغ فو (
Kung Fo)
إنها الأدراجُ الذهبيةُ نزولاً إلى منجمِ الفحمِ الذهبيِّ،
والمدارجُ المكتظَّةُ،
والمناظيرُ الليليةُ في أيدي الرهبان.
وما يتراءى على سفحِ المجدِ شرورٌ نوافذُ في القَصْرِ الرابع ـ قصر الرئيسِ الحَكَم في مباريات السَّلبِ خِفَّةً، والنهبِ خفَّةً، والقهر خفةً بالحركاتِ مقلِّدةً مدافعةَ الحيوانِ النمر، وهجومَ النسرِ والجراد.
حركاتٌ محاكاةٌ للورقةِ الإبَريَّةِ على غصون الصنوبر؛
محاكاةٌ للتمويه المُتْقَن من طائر القَبَج في الثلوج بياضاً مخفوقاً ببياض؛
محاكاةٌ للأُسْروْعِ؛ للجِلْدِ مرتجاًّ في الطبلِ إنْ قُرِعَ؛ للحيتانِ مؤجِّلةً قفزاتها فوق حواجز الأعماق؛
محاكاةٌ للفكرةِ بعد أنْ تأخذ الفكرةُ ما تشاء من غنائمِ الخَبَل.
رياضةٌ في النِّزالِ محاكاةً للغيومِ،
محاكاةً للظلِّ؛
محاكاةً للهمسةِ من لسانِ الأفعى؛
محاكاةً للحلازينِ البحريةِ متسلِّقةً أعمدةَ المعابد على صخر البحر؛
محاكاةً للفراغِ فوق الحلبات اللواتي استنفدهنَّ شهيقُ المتعاركيْنَ، وزفيرُ الجماهير؛
محاكاةً للطرائدِ متصنِّعةً روائحَ الصياديْنَ؛
محاكاةً للإشكالِ في المجابهاتِ؛
محاكاةً للقوارضِ،
والمَقَارضِ،
والأسيجةِ الوقاءِ من رياح الأَحاجي النورانية.
هُنَّ هكذا،
حركاتٌ من محاكاةِ الرذائلِ الأنيقة،
والمصافحاتِ ساخنةً تذوب منها الأيدي،
والكلماتِ اللواتي يُرتَدَيْنَ،
والخِراطةِ في مشاغلِ الحدَّادين،
وعِجَالِ الطواحين الهوائية.
كونغ فو:
"الوقتُ والجهد".
حُجُراتٌ لتبديل اللاعبيْنَ ثيابَ الأقدارِ،
وثيابَ الأرواح عَوْداً بها إلى اتِّزانٍ في وعي الكون.
لاعبونَ بأسلحةٍ صُلبةِ الحديد سيوفاً؛ صلبةً زاناتٍ.
لاعبونَ بأسلحةٍ لدائنَ، رخوةٍ كالحبالِ طيِّعةً، وكالسلاسلِ طيِّعةً. لَكْمٌ. ركْلٌ. إنضاجٌ للأجسادِ جمالاً بما تتَّخذه من هيئاتٍ قبل انقضاضها، أو في انقضاضها وثْباً انسياباً، مَرِناً، متلبِّسةً شكلَ الأفعى، وبَسْطَ النسر جناحيه، ووثْبَ التَّيسِ للقِراعِ نطْحاً.
فَرْضُ إرادةٍ تحت السلالمِ وفوقها. الْلَّاعبونَ متكافئون في تقديرهم ما تعرفُهُ الأنثى الغابةُ، والذَّكرُ المقلِّدُ خَطَرَ الغابة.
حذرونَ من تحريفِ المعاني الرملية في التَّسالي الرياضاتِ،
ومن تحريفِ الأقدارِ الرملية.
حذرونَ أن يختزلوا السَّقسقاتِ العذبةِ للحرائقِ في الغاباتِ كلِّها.
هُمُو اللاعبونَ،
صانعو عَدْلِ الأوزانِ صَهْراً للهولِ،
وصَهْراً للمعدنِ في البوتقةِ الحديدِ،
مُذْ أقسموا بشرفِ الزَّانةِ،
وبشرفِ الحبالِ،
وبشرفِ السلاسلِ،
وبشرفِ السيوفِ،
وبشرفِ القفزة العاليةِ لقلبِ المنتصر.
إنهم رياضيُّو الثمارِ البريَّةِ،
على شجر الأجسادِ البرِّية.

 

رَفْعُ الأثقال
خَطْفٌ.
نَتْرٌ.
ثلاثُ محاولاتٍ خطْفاً، نتْراً.
علاماتٌ هنَّ الجمْعُ التوكيلُ بالفوزِ عائماً على سأمِ المرآةِ، وحسرتِها الرائعة.
خصورٌ تُحْزَمُ كي لا تنفجرَ الخصورُ ضغطاً من رفعِ المُتباريْنَ مُدناً بلا سطوحٍ في منازلها، كأُخَرَ بمنازلَ عالياتِ السقوفِ بلا جدران.
كواكبُ تُرفعُ مُلصقَةً بالأسطواناتِ الحديدِ الثقال.
مذابحُ تُرْفعُ بأغشيةٍ بين أصابعِ أقدامها كأغشيةِ أقدامِ البطِّ. أعاصيرُ تُرفعُ كالأثقالِ الحديدِ بأذرعِ المتباريْنَ متملِّصةً من قبضةِ الرغبةِ.
أعاصيرُ
متأنِّيةٌ
في اجتنابها المَسَّ بالكلمات.

أثقالٌ حديدٌ تُرفع بأذرعِ الإنسانِ،
خطْفاً،
نَتْراً،
على شهيقٍ كشهيقِ دِيَكةِ الرياحِ على المباني الجليد.
لا شيءَ يؤسَفُ عليه إن أخفقَ الرَّفْعُ في ترويضِ الأثقالِ وحشيةً بأوزانها.
لا يؤسِفُ الروعةَ أن يتخلَّى البياضُ عن جنونهِ بلا رفعٍ خطْفاً، أو نتْراً،
وأن يتخلى الرمادُ عن حِلَى الجمرِ،
أو تتخلَّى الفضةُ عن تأييدِ الذهبِ. الكنوزُ العناكبُ في الأرحامِ العناكبِ. المذاقُ العنكبوتيُّ للأطعمةِ في مآدبِ الفوزِ بالخلودِ.  أثقالٌ حديدٌ تُرفعُ. يا للعاصفةِ. يا لِنجاتها من كمائنِ البحرِ. أثقالٌ تُرفعُ. احْذَروا غضبَ الإثمِ الخالقِ. الْسفنُ تَبْلى كما تَبلى المرافئُ.
الحديدُ
يَبْلى
كالهتافِ خيبةً من إخفاقِ المُتباريْنَ رفعاً للأثقال، أو إجلالاً للفوزِ. التفسيرُ الأوحدُ هو التفسير السيدُ تتجمَّع خلفه المياهُ متباهيةً بإخمادِها شغبَ الأُممِ الغريقةِ لا تهتدي إلى مدخلِ القيامة.
رفْعٌ
للأثقال
خطْفاً؛
نتْراً.
إيقافُ الأرضِ ثابتةً على أقدامِ المُتباريْنَ.
إيقافُ الحدائقِ على أكتافهم.
إيقافُ لصوصِ المياه، بُناةِ الأكواخِ فوق سَبخاتِ العقلِ، قربَ أسطواناتِ الحديد.
صراخٌ يجري في الأقبية إلى مسارحِ العُروضِ التسالي رفْعاً للأثقالِ،
وخفْضاً للأثقالِ،
وتنكيلاً بالأثقالِ،
والتهاماً للأثقالِ كشطائرِ الخبزِ محشوَّةً جبناً،
وخسَّاً،
وشرائحَ
منَ
الرياحِ
القديد.
أنفاسٌ تُحْتَبَسُ من مرأى رافعي الأثقالِ مُنحنيْنَ على الأسطوانات الحديدِ مقرونةً بقضبانها.
هُمْ على أُهبةٍ من خطْفِ الرياحِ ربما،
أو من نتْرِ الهولِ الأكثرِ عُمقاً في محنةِ الجرجير.
فُرَصٌ من عضلٍ،
ومن دمٍ في العروقِ دُفِّئ طويلاً بدثارِ الفِطرةِ. خطفٌ. نتْرٌ. أجسادٌ يليقُ بها سِلْمٌ ينمو سِقايةً بالماء، وسِلْمٌ برِّيٌّ، بَعْلٌ، مِثْلُهما كالحروبِ تنمو في أُصصِ المجهوليْن.
لا أشعارَ في رفعِ الأثقالِ.
لا نثْرَ في خفضِ الحديدِ فَشلاً،
أو في رفعِ الحديدِ فوزاً:
رياضةٌ،
كعكة
مائيةٌ،
تتساقطُ فُتاتُها على المقاعد.

كلمات مفتاحية

شعر عربي حديث سليم بركات