هل سيفقد العالم ماضيه؟

صلاح حسن 12 أبريل 2020
يوميات
أثبتت النظريات أن العالم أكثر هشاشة مما كنا نعتقد(AFP)
عطّل فيروس كورونا الحاضر والمستقبل إلى حين، لا يعرف أي مجتهد متى ستكون نهايته. لكن المخيف في هذا الأمر أن الفيروس يمكن أن يمحو ماضي العالم التاريخي والشخصي في آن معا لأنه يمكن أن يوقف أو يمحو تقاليد الشعوب التي اعتادت أن تحتفل في هذه المناسبات بوصفها تاريخا مجيدا يذكر الأجيال القادمة بعظمة مأساته هذه. يمنع الآن كورونا الناس من الاجتماع، بل ويضع مسافة ما بين كل الأفراد مهما كانت روابطهم الاجتماعية والعائلية. العزلة ليست المثال الأفضل هنا ولا الحجر الصحي المراد منه حفظ الحياة قسريا، لأن ما يتحطم من روابط نفسية بين الناس لا يمكن إعادته بقانون حكومي.
من خلال تجاربنا في الأشهر الأخيرة نعرف أن الحاضر معطل أو أنه في حالة شلل كامل، ونعرف أيضا أن المستقبل أصبح بعيدا وغامضا وغير قابل للإدراك. ما لا نعرفه هو أن الجائحة يمكن أن تمحو ماضينا الشخصي والجمعي، التاريخي والفردي، وأن تعطل الذاكرة من خلال محو تقاليد وعادات الشعوب التي عاشت على الأرض منذ آلاف السنوات. منذ أشهر ألغيت في جميع أنحاء العالم الكثير من الاحتفالات والمهرجانات والأعياد الشعبية والدينية والكثير من الطقوس الجماهيرية، وقد يستمر هذا الإلغاء في المستقبل، ما يعني إلغاء ذاكرة الشعوب وحضاراتها وبالتالي ماضيها الذي بني على أعقابه مستقبل هذه الشعوب.

نحن مضطرون الآن للتخلي عن الكثير من عاداتنا وسلوكياتنا تماشيا مع ما يحدث في الحاضر الموبوء وقد نضطر ونرضخ في المستقبل إلى تبني نمط ثقافي جديد لا نعرف عنه أي شيء سوى أنه لا يعرض حياتنا للخطر. لكن الكثير منا يتساءل اليوم ما هو شكل الخطر الذي سنتعرض له في المستقبل الغامض أكثر مما نحن فيه الآن؟ لن نتحدث عن انهيار الاقتصاد العالمي ولا عن أسعار النفط ولا عن اختفاء الدول الضعيفة ولا عن الحروب القادمة ولا عن غلق الحدود بين الدول، ولكننا نريد أن نتحدث عن الفرد بوصفه كيانا اجتماعيا ضعيفا في هذه القرية الكونية الصغيرة المريضة.
ما هو المطلوب منا كبشر لكي نحافظ على إنسانيتنا على أقل تقدير في ظل ظروف تجبرنا على التخلي عن الكثير من مشاعرنا الإنسانية؟ وهل سيكون هناك مكان للأخلاق والقيم الثقافية في حياتنا الاجتماعية المقبلة؟ أسئلة كثيرة لا نستطيع الرد عنها في الوقت الحاضر لكننا نعرف على الأقل نتائجها المدمرة في القادم من الأيام. الجميع يعرف أن العالم سيكون مختلفا بعد كورونا، لكن ما هي التدابير التي سيوفرها العلم والتكنولوجيا والحكومات لأجل وقف هذه الانهيارات، خصوصا النفسية والاجتماعية منها. هل سنعيش في جزر منفصلة ونتبادل المشاعر والسلع عبر الإنترنت؟
نستعيد في هذه اللحظات السوداء نظريات نيتشه عن موت الاله ونظريات فوكو عن موت الإنسان ونقارنها بما يحدث اليوم في العالم ونجدها طازجة وحيوية وقابلة للنقاش من جديد وتجسد الكثير من الأفكار التي كنا نعتقد بصعوبة تحققها، خصوصا إذا كنا نعتقد أن بلدا عظيما مثل إيطاليا يمكن أن يختفي من الوجود. لقد أثبتت هذه النظريات أن العالم أكثر هشاشة مما كنا نعتقد وأن أميركا نفسها معرضة للانهيار بكل ما تملكه من تقنيات وقوات وأموال وطاقات.
هذه هي حال البلدان المتقدمة في كل شيء، تنهار أمام أنظارنا دون أدنى مقاومة، فما هي حال بلداننا العربية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة؟ كيف ستواجه الجائحة وكيف ستستقبل العالم الجديد وما هي خططها لعالم جديد يولد بلا ماض ولا ذاكرة؟

كلمات مفتاحية

أميركا التحولات الاجتماعية أوروبا الحاضر العربي