عن تلك المدينة التي تسكُنها الأشجار

محمود خيرالله 1 فبراير 2021
شعر
(لؤي كيالي)

يأتي العشاقُ عادةً
إلى هذهِ المدينة،
في أزياء الزفاف،
يأتون لكي يلتقطوا الصورَ،
لابتساماتِهم
بين الأشجار،
ولكي تبقى وجوههم
ـ هناك ـ
مُعلقةً على جدرانِ الذاكرة،
في تلك المدينة التي تسكُنها الأشجار.

 

إذا سَطعت شَمسُ هذه المدينة،
انطفأتْ السماءُ
ـ فجأةً ــ
كإشارةٍ إلهيَّةٍ،
إلى أن الغيومَ
ـ أعظم الغيومِ ـ
تمُرّ من هنا.

 

النوافذ،
والزهور،
ـ حتى الأُصص بألوانها المُشرقة ـ
كانت مُتطابقة،
نسخٌ مكررة
من الأبواب والأُكَر،
مُتناسخات من البالكونات العريضة،
حتى الشوارع تتوالد من تَلقاء نفسِها
وحين تميلُ قليلًا،

تكون في طريقك إلى
صفوفٍ جديدة من تلك الأشجار.

 

العابرون ـ هنا ـ قليلون،
يا لحَسرة الشوارع التي ينقُصُها الناس،
يا لبؤس نداءات الباعة
حين تأتيكَ
ـ شاحبةً ـ
من أعماقِ الذاكرة.

 

يكفي أن تعبرها مرة بمفردِك
لتعرفَ شيئًا عن مرارةِ المُهاجرين.

 

في المغيبِ
تظهرُ عورةُ الشمسِ
وهي تنسحبُ في خَجل،
من قِممِ الأشجار.

لا شك أن الشمسَ مثلنا،
تخجلُ ـ أحيانًا ـ من نفسِها،
وهي تتركُ الصقيعَ ينهشُ الجذور.

 

القمرُ هنا أيضًا
ليس كما نظُن
رغم أنه يكبُرُ في السماءِ
يومًا بعد يوم
كأنه يطلع
ـ فقط ـ
من أجل تدريب العُشَّاق.

 

بعضُ السحب كانت تغفو
في السماء،
على شكلِ سرير،
أو تتكوَّر على نفسِها
في وضعِ جنين،
هذه الغيمات الكسولات،
لم تكُن في الحقيقةِ
تنوي مُغادرة المدينة.

 

الأمطارُ وحدها،
هي التي لم تكُن تأتي كثيرًا،
كانت نادرةَ الزيارة،
لكنّها ـ في كل مرة ـ
كانت عاصفةً لا تُنسى،
تقصفُ كراتِ الثلج الصغيرة،
إلى غُرفِ النوم،
وتقذفها مباشرةً
تحتَ الأسرَّة،
كمن يحاول يائسًا
أن يدفِنَ الصقيع.