الثقافة بفرنسا بين مطرقة تداعيات كورونا وسندان تأزم اقتصادي

بوعلام رمضاني 23 يوليه 2020
تغطيات
وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو (liberation)
انطلقت أخيرًا روزلين باشلو في مهمة وزيرة الثقافة الفرنسية خلفًا لفرانك ريستر في إطار التغيير الحكومي الأخير، بثقة كاملة في نفسها عشية احتفاء 55 بالمائة من الفرنسيين بتعيينها على رأس القطاع الذي كانت تحلم بتسييره، وحسب الإعلام الفرنسي الذي تعود على صراحة وخفة دم هذه المرأة المشاكسة، فإن الرئيس ماكرون قد وفق في اختيار المرأة المناسبة للقطاع المناسب في الوقت المناسب. وخلافا للوزراء الآخرين الذين أحدثوا انقساما حادا في الأسرة السياسية يمينا ويسارا، بسبب تعيين جيرار دمارنا وزيرا للداخلية وإريك دوبو موريتي المحامي الشهير وزيرا للعدل بسبب تهم التحرش الجنسية المنسوبة للأول وشتم نساء حركة "مي تو" النسوية المنسوبة للثاني، فإن باشلو وحدها حققت الإجماع، رغم أنها ليست يسارية مثل معظم المنتسبين إلى قطاع محسوب على الاشتراكيين الذين تركوا أكثر من بصمة في تاريخ وزارة الثقافة من خلال الرئيس الراحل فرنسوا ميتران.

قبل أن يعلق الإعلام الفرنسي على تعيين روزلين باشلو على رأس وزارة الثقافة، تناقلت الصحف حديث جاك لانغ - أشهر وزراء الثقافة بعد أندريه مالرو، وزير الثقافة في عهد الجنرال ديغول - لإذاعة "فرانس انفو" قبل ساعات من إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة. وتوقفت الصحف عند قول لانغ ضاحكا: "إنني أعرف الاسم الذي عين على رأس وزارة الثقافة، ولكن كما تدركون لا أستطيع الكشف عنه". وأضاف مدافعا عن جدارة الاسم الذي رفع عنه اللثام بعد ساعات  في جو من "الهتشكوكية" الفرنسية: "هذا الاسم من زوار معهد العالم العربي وصاحب تجربة سياسية كبيرة ومحب للثقافة والفنون والموسيقى بوجه خاص، وأنا شخصيا أضع فيه الثقة لرفع تحديات ثقافية كثيرة". ويجدر ذكر أن لانغ اليساري لم يخلط بين السياسة والكفاءة عند تزكيته باشلو اليمينية قبل الجميع، معمقا تجاوزه الأيديولوجي الذي لا يمل من تكراره عند الحديث عن الثقافة، كما فعل عند تكريم المفكر الراحل مارك فوماريلي والذي كان يختلف معه على طول الخط من منظور مقاربة الثقافة أيديولوجيا. لانغ الذي قال عن وزير الثقافة السابق ريستر إنه كان وزيرا جيدا، هو نفسه أيضًا الذي أكد للإذاعة الفرنسية أن "فترة الترقيع قد ولت ويجب ثورة حقيقية لإعادة الاعتبار للقطاع بوجه عام وللفنون بوجه خاص وعليه يجب على الوزيرة المحنكة سياسيا والقديرة والعارفة بالوضع تسطير عهد ثقافي جديد".



تحديات
في وجه الوزيرة
الصحف نفسها التي علقت على تصريح لانغ الذي علم بتعيين باشلو على رأس وزارة الثقافة، هي نفسها التي أكدت صحة كلامه ومن بينها لوفيغارو اليمينية التي رأت في باشلو الوزيرة القادرة على  إحداث الفارق والنقلة النوعية المنتظرة بعد مرور باهت ومتعثر للوزير السابق فرانك ريستر حسب كل المراقبين للمشهد الثقافي. ونشرت الصحيفة نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية، تصريح مارك دومونتيه، المنتج المؤثر ومالك ستة مسارح في باريس وفي عدة مدن فرنسية، مباركا تعيين باشلو على رأس وزارة الثقافة: "تعيين باشلو يعد تعيينا واعدا، لأنها صاحبة تجربة سياسية ووزن قوي للحصول على الثقة والتزكية المطلوبتين من الحكومة". ومن الورشات التي تنتظر الوزيرة الجديدة في تقديره المسارح التي تعاني من تداعيات كورونا سيما وأنها من محبات الأوبرا والمسرح بوجه عام، وإلا كيف نفسر تمثيلها على خشبة مسرح بوبنيه قبل عامين في مسرحية إلى جانب الوزيرتين السابقتين مارلين شيابا ومريم الخمري المغربية الأصل.
وتوالت تصريحات التنويه بالوزيرة غير الغريبة على الثقافة برغم تسييرها وزارة الصحة والرياضات من عام 2007 حتى عام 2012 خلال عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي كانت من أبرز مؤيديه، وجاءت هذه التصريحات في سياق تحديات كثيرة ومتنوعة ليس من السهل تجاوزها وتذليلها، حسب الطريقة التي تحدث بها بيار بتيو، المدير العام لرابطة صحافة الإعلام العام، الذي يشرف على هيئة تجمع أكثر من  300صحيفة سياسية وعامة، والذي قال: "على الوزيرة أن تتحلى بقوة سياسية وبتأثير عملي في سياق اقتصادي متأزم على أكثر من صعيد". والإشارة الى التحدي العام الذي طبع معظم تصريحات المعنيين بقطاع الثقافة، هي الحقيقة التي تجلت من خلال بيان رابطة المؤلفين الموسيقيين والمسرحيين التي رأت في خسارة القطاع التابع لها 22 مليار يورو بسبب كورونا أحد أبرز تحديات الوزيرة.

 






الكتاب
ثم الكتاب
الوزيرة التي رفضت عرض رئيس الحكومة جان كاستكس عبر رسالة قصيرة في بداية الأمر قبل أن تقول: "نعم... أسقطتني باقتراح حقيبة الثقافة"، على حد تعبيرها، ستجد في إعادة الاعتبار لقطاع الكتاب والنشر بوجه عام أحد أكبر التحديات إن لم يكن الأكبر على الإطلاق، بعد أن تحول إلى خراب كامل تحت وطأة تداعيات كورونا التي دفعت بأكثر من مكتبة مستقلة إلى الإفلاس، كما مر معنا في سياق تغطياتنا السابقة لأزمة الثقافة في ظل الوباء المستمر. فإلى جانب القطاعات المذكورة التي تعد ورشات قائمة بحد ذاتها، يعد قطاع الكتاب أحد التحديات التي ستواجه وزيرة ثقافة تعرف أنه ليس من السهل وربما من المستحيل تقويم القطاع الذي لا يمكن أن توليه الدولة الأولوية في ظل أزمة اقتصادية خانقة، ولعل تجربة الوزير السابق ريستر قد أثبتت أن قطاع الثقافة لم يكن في عهده من أولويات الدولة رغم الأهمية القصوى التي حظيت بها الثقافة قبل تفاقم الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق. الوزيرة باشلو واعية تمام الوعي للظروف الصعبة، ولا أدل على ذلك من قولها في حفل نقل المهام: "أعرف أن الوقت ليس في صالحي وسأعطي الأولوية في هذا الصيف للمهرجانات الفنية والسينما والمعالم الأثرية".
يبدو أن الوزيرة لم تخطئ منهجيا وعمليا لأن القطاعات المذكورة يمكن أن تسمح لها بمساعدة ماكرون اقتصاديا، خاصة بعد العودة المحتشمة لزوار متحف اللوفر الذي أصيب بنكبة مالية غير مسبوقة بعد خسارته 40 مليون يورو طيلة فترة الحجر الصحي الذي منع الأجانب من دخوله وهم الذين يشكلون 75 بالمائة من زواره.

كلمات مفتاحية

فرنسا الثقافة الفرنسية أدوات المعرفة