"بدر زمانه"... الأصول الأسطورية للسرد
محمود عبد الغني
19 أكتوبر 2019"بدر زمانه"... الأصول الأسطورية للسرد
محمود عبد الغني
19 أكتوبر 2019
أصوات أسطورية
إن سلاح القارئ من أجل فهم "بدر زمانه" هو فهمه للأساطير وثقافته التي ينبغي أن تؤطّرها قصص الملوك في الحضارات القديمة. فقوة حضور قصّة الملك شهراموش، عظيم مملكة كاغاشي، وما جرى له ولابنه بدر الزمان، والمروية بالمنهجية والشكل اللذين يروي بهما الراوي الشعبي حكاياته وأساطيره، تعيد أصداء سيرة عنترة بن شدّاد أو الزير والمهلهل، وألف ليلة وليلة، كما استخلص ذلك طرابيشي. إضافة إلى حضور كل أطياف الميثولوجيات، وألوان من الأدب الحكائي المجهول المؤلّف الذي أنتجته الذاكرة الجماعية. لكن "بدر زمانه" رواية معلومة المؤلّف، هو مبارك ربيع صائغ هذا العالم المتعدّد، وهذا ما يساعد على تأويلها وفق حقائق أسلوبية وتعبيرية. ويمكن الإشارة هنا إلى عدد لا بأس من الروايات العربية في تلك المرحلة صاغت عالمها ورؤيتها وطاقتها الأسلوبية وفق هذا المعمار، وأقربها إلى "بدر زمانه" رواية "زينب والعرش" للروائي المصري فتحي غانم.
كائنات مائية
عن فكرة لجون شتاينبك صدّر مبارك ربيع "بدر زمانه" بتعبير تراجيدي: ثم كائنات مائية دقيقة، ما تكاد تلمسها حتى تتفتّت بين أصابعك، فما عليك إلا أن تترك لها حدّ السكين ترقاه، ثم
ترفعها إليك في أناةٍ وهدوء. إن سرد الرواية يقدّم كائنات شبيهة بما ذكره شتاينبك. إنها رواية الشخصيات الأسطورية القوية لكن التي تصبح ضعيفة في أي لحظة. يساورها الشكّ وتبدو ضعيفة ومرتابة أمام من كانت أمامهم بالأمس قوية وواثقة. يجلس شهراموش، عظيم مملكة كاغاشي، على سريره المعتاد، في مشهد لا يليق بعظمته، أمام أصحاب المناصب وكبار الأعيان ويحدّثهم عن أزمة في إنتاج الملح، حسب ما صارحه به "شيهوك" صاحب الملح. ويوضح أمامهم خوفه من الطمع في الاستيلاء على مناجم ملحهم، ولذلك أضرارٌ خطيرة ليس أقلّها عدم الوفاء بالتزاماته مع عظماء المعمور. إن فكرة الملح مشتركة مع الروائي عبد الرحمن منيف، الذي كان هو الآخر متحمّساً لرواية "بدر زمانه" وهي مخطوطة، بل هو من سعى لنشرها لدى المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
يعود شهراموش، العظيم الحائر، للاجتماع مع وفود من العلماء ورجال المناصب والمستشارين لامتحان الأميرة "بيروز". لكن الأسئلة المطروحة عليها تفوق علم عصرهم في شتى الموضوعات من علوم الفلك والبحار والزراعة والطب والدين والأدب والفن والتربية والسياسة. غير أن الأميرة تفوّقت على العلماء، ووجدوا فيها ما لم يجدوه في متعلّم أو عالم. لكن العلماء تردّدوا في الإشادة بها لأنهم بكل بساطة لا يعلمون ما يدور في ذهن عظيمهم شهراموش. وهذه إشارة سياسية واضحة إلى نمط الحكم القديم، وأحادية السلطة.