عروض

"ما رآه سامي يعقوب".. انكسار الحب والثورة

إيهاب محمود

4 سبتمبر 2019
كأن الثمانية عشر يوماً التي قضاها ملايين المصريين في ميدان التحرير كانت ملهمة وحماسية وفاصلة للدرجة التي تجعلها حاضرة على الدوام، ومحركة لمشاعر وعواطف المصريين رغم مرور ثماني سنوات على الحدث الذي كان استثنائياً في انتصاراته وإحباطاته أيضاً.
وفي روايته الأحدث "ما رآه سامي يعقوب" يحاول الروائي المصري عزت القمحاوي التأكيد على أن أصحاب الثورة غالباً ما يُداسون تحت أقدام تلك الثورات التي تصيبهم بإحباطات لا نهائية، وقاصمة أيضاً، إذ يسرد حكاية سامي يعقوب، الذي ولد لأب مصري عاش حياته يرفع الدعاوى القضائية المطالبة بالتعويض المعنوي لأبيه (جد سامي) الذي كان وطنياً مخلصاً في العهد الملكي، ثم اتهمه الضباط الأحرار بتهم لا حق لهم فيها ("الضّباط الذين أرادوا أن يجلّلوا كلّ من كان قبلهم بالعار")، وأم ألمانية، أليس، كان أكثر ما أعجبها فيه هو إخلاصه لقضية والده لدرجة أن يكرس لها حياته، غير أن السبب نفسه كان هو الدافع الذي أدى لانفصالهما، إذ ضاقت السلطات الأمنية بممارسات والد سامي الذي لم يكف عن المطالبة بحق أبيه والاحتفال بيوم ميلاده في كل عام رفقة أصدقائه القدامى: "تسارعت وتيرة الزيارات الليليّة، لأن الأجيال الجديدة من الضبّاط لا تصدّق أن إقامة احتفالٍ بذكرى ميلاد رجلٍ ميتٍ عملٌ يستحقّ أن يكرّس له رجلٌ حيّ حياته، حتى لو كان ذلك الميت أباه. اعتبروا أن ما يرمي إليه هو تحقيق حشدٍ في ميدان التحرير، لن يكون بوسعهم السيطرة عليه، وليس الاحتفال بذكرى أبيه سوى غطاء لخطة الفوضى التي يسعى إلى تحقيقها (...) تعبت أليس من حياتها غير المستقرّة، فطلبت الرحيل بولديها" غير أن سامي آثر البقاء رفقة أبيه، وسافرت هي بابنها الآخر يوسف.
تمر الأيام، ويتوفى والد سامي، ويبقى هو وحيداً إلى أن تتغير حياته عندما يتعرف على حبيبته فريدة التي يخلع معها خجله وحزنه ووحدته، وتتطور العلاقة بينهما ليمارسا الجنس في شقتها، وتتعدد اللقاءات، ثم يأتي أخوه يوسف ليزوره في القاهرة ويطمئن على أحواله، وهنا تنشب ثورة يناير ويقرر الأخوان المشاركة في التظاهرات، غير أن سامي يفقد أخاه خلال مظاهرات موقعة الجمل، حيث يموت في ذلك اليوم.
ويعتمد القمحاوي في سرد الحكاية على مشهد لقط وقطة، يحاولان ممارسة الجنس في الشارع، ويحاول سامي تصويرهما بكاميرا موبايله، رغبة منه في إغواء فريدة: "أخذ يلاحق حركة القِطِّين مستثاراً ضاحكاً، لكن القِطَّ لم يتمكّن من تسديد سهمه، فقفز نافد الصبر، واستلقى تحت عمود الإنارة. أوقف التصوير، ووقف ينتظر الخطوة التالية. تحرّكت القطَّة باتجاه القطِّ، تسترضيه بعضعضة بطنه. "كأنهما يحاكياننا" فكّر مندهشاً، فهكذا يتظاهر بالاستغناء أحياناً، لكي تداعبه فريدة التي لم يشعر بالضيق معها مطلقاً، لكنه ينصرف عنها لكي تُقْبِل عليه وتلمّه، فيتلذّذ بالتأكّد من رغبتها".
وبينما كان في الطريق لشقتها، منتظراً منها مكالمة تخبره فيها أن كل شيء على ما يرام، والأمور مستقرة كي يدلف إلى شقتها في أمان دون أن يراه أحد من الجيران، يشتبه أحدهم في سامي وهو يلتقط الصور للقطين في أوضاعهما الجنسية، ويجد سامي نفسه تحت وخز أسئلة ضباط المباحث، ليواجه تجربة مريرة للغاية، يخرج منها وبداخله حالة من اللامبالاة تجاه كل شيء في الحياة: الثورة، والعالم، وفريدة نفسها.


مرثية لثنائية الحب والثورة
تعتبر الرواية مرثية لثنائية الحب والثورة، حيث ارتبطت لحظة انكسار الحب التي يرتقبها سامي وهو في طريقه إلى فريدة، بلحظة انكسار الثورة عندما تم اقتياده بواسطة ضباط المباحث الذي أعادوه لما قبل الثورة محبطين آماله في كل شيء في الحياة.
وعلى الرغم من خروج سامي من احتجازه، فإنه لم يخرج من أسر الخوف والشعور بالقهر الذي سيطر عليه ولا يزال، إذ ظل منزعجاً من احتمالية أن تتصل به فريدة، لا يريد أن يسمع صوتها ولا يتواصل معها، وعاد إلى ما كان عليه من الوقوع أسيراً لمشاعر الوحدة والخوف، ومرت حياته أمام عينيه كلحظة عابرة ربما بدت له وقتها أنها لا تسترعي الانتباه أصلاً، تماماً كما كانت في السابق، وربما استوقفته قصته التي ربما كانت إعادة لقصة جده، حيث ظل مخلصاً وشريفاً ومؤمناً بمبادئ الوطنية والثورة إلى أن جاء الضباط الأحرار ليتهموه بكل ما فيه وليس فيه، فيموت مقهوراً بعد أن عاش الباقي من حياته أسيراً لمشاعر سلبية متضاربة، تماماً كما حدث لسامي، الحفيد الذي انبهر بالثورة وخرج ليشارك في تظاهراتها وينادي بما نادى به أبناء جيله، وربما كانت استجابة لمشاعر داخلية برفض القهر والخوف والوحدة التي سيطرت عليه لسنوات، ليجد نفسه في النهاية عائداً إلى نقطة الصفر، أسيراً للمشاعر ذاتها، ووحيداً تماماً كما كان، خائفاً من كل شيء حتى حبيبته، رافضاً لكل ما في الحياة حتى الثورة التي آمن بها، تلك الثورة التي قست عليه وأحبطته وخيبت آماله وتصوراته وتطلعاته لغد أفضل، ربما كان يرجو منه أن يربت على كتفه كي لا يخاف مجدداً، وكي لا يعاوده الشعور بالوحدة والقهر، والخوف الذي لا ينام.

كلمات مفتاحية

رواية أدب عربي. رواية عربية الثورات العربية الثورة المصرية ثورة 25 يناير