في دِمَشْقَ

ميرنا الرشيد 7 نوفمبر 2020
شعر
سكان مخيم اليرموك بطابور تلقي الإمدادات الغذائية بدمشق (AFP)

رجلٌ في الأربعينِ أو الخمسينِ،

لا فَرق،

يُولي ظهرَهُ إلى العالمْ

ناظِرًا عبرَ مُكبراتِ الصوتِ في المآذنِ إلى الرَّبْ،

تمُرُّ أمامَهُ،

امرأةٌ،

شابةٌ،

أو بِنتْ،

يتذكّرُ أن ساعتَهُ قدْ حانَتْ،

وانتَهَتْ ساعةُ الرَّبْ،

يُبحلِقُ في الساقينِ

والنهدَينِ

والعُنق،

يتمتمُ ليسَ صلواتِ خُشوعٍ

وتعاويذَ من الشرْ،

بل (يا ليتَكِ في فِراشي،

أقضي مِنكِ الوَطرْ)،

يعودُ إلى الرب

نادمًا،

أن ليسَ لهُ ذنب،

وأنَّ النَفسَ تَشُذُ، أحيانًا،

عن استقامةِ الدرب.

-------

في دِمَشْقَ،

أشيبٌ يقفُ ببابِ الكنيسةِ،

يَرْسُمُ الصليبَ على الصَدرْ،

ينتَظِرُ نِعَمَ التسابيحِ والترانيمِ

أن تَهْطِلَ مَنَ الرَّب.

الطريقُ طويلةٌ،

والانتظارُ يبيحُ الشَكّ،

يُفَكِرُ حينها، أن لا ضيرَ إذًا،

أن يزبُدَ اللُعابُ،

وتَرِفُّ العينُ،

وتشتَغِلُ الخيالاتُ،

بما يتوارى تحت تنورةٍ حمراءَ،

أو قميصٍ أبيضَ،

أو جِلبابٍ يُكمّلُه حجابُ.

-------

في دِمَشْقَ،

شاعِرٌ،

رِوائيٌ،

أديبٌ،

كاتِبٌ،

أو ربما جامِعٌ لكُلِّ توصيفاتِ البلاغةِ والثقافة،

يدعو امرأةً أن تتخلى عَنِ الخَجَلِ،

والعُبوديّةِ،

وانحباسِ الجَسَدِ،

يكتُبُ بيَدٍ،

يُمرّرُ الأخرى، بِغَيرِ حَقٍ، فوق القَدّ،

يُوهِمُ القُرّاءَ أن القصيدةَ هي القضية،

يُلهِبُ عقولَهُم بخطاباتِ التحريرِ،

وأهميةِ عَلمَنَةِ الفِكرِ والشِعر،

وأنَّ القيودَ على النساءِ أشَدُّ من قيودِ المُحتَلِّ للأرض.

-------

في دِمَشْقَ،

كُلُّ هَؤلاءِ، ومَعَهُم أيضًا،

ضابِطٌ في الأمنِ، وعسكريٌ في الجيشْ،

ووزيرٌ يقولُ:

(إنّهُ مِنَ الشَعبِ ومعَ الشَعبْ)،

وطبيبٌ يَزعُمُ أنّهُ مِثلَ أبُقراطٍ في الأخلاقِ والطِبْ،

يُدِينُونَ اغتِصابَ النِساءِ،

والاعتداءَ على النِساءِ،

والاستهزاءَ بالنساءِ.

تَجيشُ مشاعِرُهُم غَضبًا واستِنكارًا وتَحقيرًا،

لِكُلِّ مُغتَصِبٍ من الشامِ إلى ما وراءَ البحارِ،

 يُطالِبونَ بالقِصاصِ وعدالةِ القوانينْ،

يأسَفونَ، بعد أن يَمسَحوا آثارَ الانتِهاكاتِ،

ويرتدوا البَدْلاتِ،

أنَّ المرأةَ في البلادِ مُغتَصَبة،

وأنّها، مُنذُ الأزلِ، تُداسُ من الرَقَبَة.

*كاتبة وصحافية سوريّة.

كلمات مفتاحية

دمشق شعر عربي حديث قصيدة النثر