}

في رحيل مجدي نجيب: الدنيا كلها "شبابيك"

إيهاب محمود 10 فبراير 2024
في أوائل عام 2018، كانت الإشاعات تكثر حول وفاة الشاعر والفنان التشكيلي المصري مجدي نجيب. كان الرجل في كامل صحته، في الوقت الذي تنشر فيه صحيفة مصرية كبيرة بحجم "المصري اليوم" شائعة وفاته. لم تكن المرة الأولى، بل سبقتها إشاعات منبعها رفض نجيب الظهور لأكثر من عشر سنوات، سواء في الفضائيات، أو على صفحات الجرائد. الآن، توفي الرجل حقيقة، وبشكل أكيد عن عمر يبلغ الثامنة والثمانين بعد أقل من مرور عام على وفاة ابنه، وتأثر حالته الصحية على نحو لافت.
كانت هذه الظروف في بدايات 2018 سبب تعرفي على مجدي نجيب الإنسان قبل كل شيء. كنت وقتذاك ضمن فريق إعداد برنامج "وصفوا لي الصبر" وتمنينا حينها كفريق، وأولنا الكاتب عمر طاهر، مقدم البرنامج، لو يوافق نجيب على الظهور كضيف لإحدى الحلقات. توليت وقتها هذه المهمة الانتحارية، وبفضل مساعدة زوجته وصديق مقرب له، وبعد رفض صارم من جانبه، كان الشاعر مجدي نجيب يطل على الجمهور المصري والعربي في آذار/مارس عام 2018، في مشهد حمل كثيرًا من النوستالجيا لمن كتب "كامل الأوصاف" لعبد الحليم حافظ، و"قولوا لعين الشمس" لشادية، وللشاعر الذي كان من أسباب شهرة وذيوع صيت محمد منير، الذي غنى لنجيب عشرات الأغاني التي خلدت اسمه.
كانت بدايات مجدي نجيب كشاعر غنائي قوية للغاية. ويروي مجدي نجيب، في كتابه "صندوق الموسيقى... زمن الغناء الجميل" الصادر عن دار المسار عام 2012، كيف دخل مجال تأليف الأغاني. يحكي أنه وافق، في غير حماس، مكتفيًا بهز رأسه دليلًا على موافقة جاءت بسبب إصرار بليغ حمدي من جهة، وخجل مجدي منه من جهة أخرى. بعد أسابيع، تقابل الاثنان، وطلب بليغ كلمات الأغنية، وتحت إلحاحه سلمها له مجدي نجيب بعد أيام، ولكن بليغ بدأ يدندن لحنًا خاصًا به، لا يشبه كلمات الأغنية، أو لا يليق بها. اندهش مجدي، الذي طلب منه بليغ أن يكتب وفقًا للحن الذي سمعه منه. لم يرحب مجدي، لأنه شعر أن الأمور ستكون أكثر تقييدًا لحريته في الكتابة، كان على وشك الرفض، إلا أن بليغ استفزه، تحداه، ابتسم له ابتسامة لئيمة وأمطره بنظرات مستفهمة عما إذا كان يتحجج لعدم قدرته على الكتابة: "ألم تفكر أن تدخل في تحدٍ مع نفسك؟ حاول أن تجرب فقط، فلن تخسر شيئًا".




وافق مجدي نجيب وصمم على الكتابة وفق اللحن الذي صنعه بليغ: "كتبت أي كلمات لنفسي على إيقاع الموسيقى اللحني لكي أتذكر ما سأكتب عليه، ثم وعدته أن تكون الأغنية جاهزة خلال أيام".
لم تكن التجربة سهلة على الإطلاق، وبحسب كلام مجدي نجيب في كتابه، فإنه تعب أثناء كتابة هذه الأغنية، لأنه يكتب تحت قيد اللحن من جهة، ولأنها المرة الأولى التي يجرب فيها الكتابة الغنائية من جهة ثانية. في النهاية، سلم الأغنية لبليغ خلال أيام كما اتفقا، وفى عام 1966 حصل مجدي نجيب على خمسة جنيهات من الإذاعة المصرية التي أنتجت أغنية "قولوا لعين الشمس"، ليدخل بعدها مجدي نجيب عالم كتابة الأغاني من الباب الكبير، بعد أن غنت له شادية، ولحن له بليغ حمدي، وحققت الأغنية نجاحًا ضخمًا.
كان مجدي نجيب ناقمًا على أوضاع البلاد خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، للدرجة التي جعلته يقضي ثلاث سنوات كاملة مسجونًا في المعتقل السياسي. كان ناقمًا على أوضاع البلاد، وليس على عبد الناصر نفسه. قدم مجدي نجيب أغنية "شبابيك"، إحدى أشهر أغاني محمد منير، كنوع من العتاب واللوم على ما قام به عبد الناصر تجاهه بعد دخوله السجن، ورغم ذلك كان يحبه!
مجدي نجيب متعدد المواهب، لم يكن شاعرًا غنائيًا فقط، عمل في بدايته كمحرر صحافي في مجلة "صباح الخير"، وكتب في باب بريد القراء في عهد أحمد بهاء الدين، الذي كان يتولى رئاسة التحرير. وبعدها عمل في مجلة الكواكب، فضلًا عن كتابته لشعر العامية، وتقديمه لعدد من معارض الفن التشكيلي.
ولد مجدي نجيب في 29 مايو/ أيار 1936، واشتهر بأغانيه في جيل الستينيات من القرن الماضي، ومن أشهر دواوينه "صهد الشتا" (1964)، "ليالي الزمن المنسي" (1974)، "ممكن" (1996)، "الوصايا" (1997). ومن أغانيه "كامل الأوصاف" لعبد الحليم حافظ، و"العيون الكواحل" لفايزة أحمد، و"قولوا لعين الشمس" لشادية، و"الحب ليه صاحب" لأحمد منيب، و"سيبوني أحب" لهاني شاكر، و"جاني وطلب السماح" لصباح، و"شبابيك" لمحمد منير.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.