في أروقة المركز الثقافي كوندي دوكي، تنبض الحياة بـ 200 صورة تروي حكاية مدريد كما رآها ألمودوفار عبر عدسته السحرية. كل صورة هي نافذة على عالم المخرج الخاص، حيث تتحول شوارع المدينة وأزقتها إلى مسرح لقصص إنسانية عميقة ومؤثرة.
يأخذنا المعرض في رحلة عبر الزمن، بدءًا من عام 1974 حين خطا ألمودوفار خطواته الأولى في عالم السينما. نرى كيف تحوّلت مدريد من مجرد خلفية إلى بطلة رئيسية في أفلامه، تتنفس وتنبض بالحياة في كل مشهد. من أحياء فاييكاس الشعبية إلى المستشفيات والمقاهي والمقابر، كل زاوية في المدينة تحمل بصمة ألمودوفار الفريدة.
لم يكتفِ المعرض بعرض الصور فحسب، بل يقدم للزوار فرصة نادرة للغوص في عالم ألمودوفار الإبداعي. دفاتر ملاحظاته، وأدوات من مواقع التصوير، وحتى كاميرته الأولى "سوبرــ 8" المحمولة، وكلها تشهد على رحلة فنان استثنائي.
يقول بيدرو سانشيز، مفوض المعرض: "قصة ألمودوفار ومدريد هي قصة حب متبادل. لولا مدريد، لما كان ألمودوفار كما نعرفه اليوم". وبالفعل، فإن المعرض يكشف كيف أن المدينة لم تكن مجرد ملهمة للمخرج، بل كانت شريكة في صناعة أفلامه، تمنحه ألوانها الزاهية وشخصياتها الفريدة.
في إحدى زوايا المعرض، نجد خريطة ضخمة لمدريد مرصعة بـ 272 موقعًا ظهرت في أفلام ألمودوفار. كل نقطة على الخريطة تحكي قصة، وكل شارع يحمل ذكرى. هنا، نفهم كيف استطاع المخرج أن يحوّل المدينة بأكملها إلى ستوديو سينمائي مفتوح.
ومع اقتراب الزوار من نهاية المعرض، يواجهون لحظة مؤثرة: مقطع فيديو لألمودوفار وهو يلقي خطابًا عند تكريمه كـ "ابن بالتبني" لمدريد عام 2018. كلماته تلخص جوهر علاقته بالمدينة: "جئت هاربًا من قريتي، أبحث عن التمدن، وكنت أنوي الانتقال إلى باريس أو لندن، لكنني بقيت من دون أن أدرك. والآن، أستطيع القول إنني وشخصياتي سنواصل العيش هنا إلى الأبد".
هذا المعرض ليس مجرد احتفاء بمسيرة مخرج عظيم، بل هو أيضًا تكريم لروح مدينة استطاعت أن تحتضن الإبداع وتغذيه. إنه دعوة للجمهور لاكتشاف مدريد من جديد، هذه المرة من خلال عيني فنان عاشق رسم ملامحها بالضوء والظل، باللون والحركة، وبقصص إنسانية خالدة.