يتوسع الكتاب في تناول عدد من الأمثلة الدالة والمعبرة حول أثر التقاليد وتخلقها في صوغ الهويات والرموز والسلوك الجمعي، وهنا نتناول شرح الكاتب لحالة إسكتلندا وتقاليدها الموروثة، حيث يفسر أن أهم ما يفعله سكان إسكتلندا في احتفالاتهم بهويتهم الوطنية هو لباسهم لـ "الكيلت" Kilt، أي تلك التنانير الرجالية التي تميزهم عن الإنجليز والإيرلنديين، وهو بالفعل رمز القبائل التي استوطنت ذلك الإقليم من المملكة المتحدة، بالإضافة إلى أداة موسيقى القرب "bagpipe". ويناقش الكاتب أن سكان هذه المنطقة هم مجرد مهاجرين من إيرلندا، حيث تعكس الكثير من أعرافهم وتقاليدهم وأدبهم سكان إيرلندا، ولكن ما قاموا به هو خلق هوية جديدة لهم ميّزتهم عن شعوب تلك المنطقة، إلا أنها مرت بثلاث مراحل:
أولاً، التمرد الثقافي ضد إيرلندا، وذلك بإعادة كتابة التاريخ الإسكتلندي وجعل قبيلة السيلتك الإسكتلندية جزءاً أساسيا من تشكل إسكتلندا الحديثة واعتبارها الوطن الأم. ثانياً، صناعة تقاليد مختلفة بجعلها ثقافة تأسست منذ قرون مثل لباس الكيلت وموسيقى القرب. وثالثاً، عملية تبني إسكتلندا لهذه التقاليد وترقيتها إلى مرتبة عنصر من عناصر التكوين الهوياتي والتاريخ لهذا الإقليم. في قلب هذه العملية التخليقية لهوية إسكتلندية متميزة عن الإنجليز والإيرلنديين، بالاعتماد على رموز حديثة مثل الكيلت وموسيقى القرب من ناحية زمنية وتاريخية، يتم إغفال روايات متعددة حول نشوء "الكيلت"، منها أن هذا اللباس هو اختراع إنجليزي أصلا! فبعضهم يقول إن بعض اللوردات الإنجليز في القرن السابع عشر فرضوه على عمال إسكتلنديين يعملون لديهم لأنه أكثر عملية من الثوب الطويل، وبعضهم يقول إن الذي جاء بالفكرة هو تاجر قماش إنجليزي سكن مدينة يورك حيث "خلق" تنورة خاصة بكل قبيلة إسكتلندية حتى تتميز عن القبيلة الأخرى ليزيد من مبيعاته، ونجحت فكرته بشكل مدهش. ثم تطورت تلك الفكرة من المستوى "القبلي" إلى المستوى "الوطني" وأصبحت الكيلت رمزا للقومية الإسكتلندية تتمايز بها عن القومية الإنجليزية، وكأن هذا اللباس متجذر في التاريخ الإسكتلندي وليس حديثا من صناعة تاجر إنجليزي.
(أكاديمي عربي)