}
عروض

صادق مجبل "يعبر الشارع مطمئنًا" فينتهي العالم فجأةً!

صدام الزيدي

9 أبريل 2019
عن دار الرافدين للنشر في بيروت صدرت حديثًا للشاعر العراقي صادق مجبل مجموعة شعرية أولى بعنوان "أريدك بخير كي أعبر الشارع مطمئنًا" في 64 صفحة من القطع الوسط.
احتوت المجموعة 28 نصًا توزعت على خمسة مدالف هي: (وقوفٌ طويل في حافلة، النهرُ الماثلُ في الأيام، دربُ الفراشة، ندمُ الأيام القادمة، عالمٌ لم يبدأ بعد).
افتتح مجبل مجموعته بما يشبه الإهداء: "كل هذا....../ حتى يُكتب للعالم عمر جديد/ وتتأخرُ النيازك/ التي تتوعد بالقضاء علينا". وفي توزيعه لنصوص المجموعة، يفتتح الشاعر المدلف الأول بنص عنوانه: "ينتهي العالم فجأةً" يقول فيه: "من دون أي تخطيطٍ/ كما أعيش تمامًا/ ستحصل أهم الأشياء لهذا الكوكب/ نهايتهُ مثلًا/ النهاية الخوف الذي يهدِّئهُ يقين الغياب/ وتقدسه الانتظارات/ بصرخةٍ سيتوقف كل شيء/ أو بعاصفةٍ/ تشبه فوضى أيامي/ أو ينتهي بنيزكٍ/ مُنفلِتٍ/ يدور في رأسي/ كفكرةٍ عنك/ ....... ينتهي العالم فجأةً/ تتلعثمُ الأنهار وترتبك الأبواب/ ولن ينفع الشجرة ندمها/ ستتحركُ باتجاه هاوية/ نتّكئ على الريحِ فنضِلّ الوصول/ بينما نركُضُ/ ننظر إلى هذا الكوكب/ نهرٌ كبير يمتلئ بالعطشِ./ والغريب الذي يجلس في هامش التفسير؛ أنا/ لا تقنعه نبوءةٌ/ ولا ينصتُ لندمِ الشجرةِ/ مدركًا أن العالم لم يبدأ بعد".
يعبر صادق مجبل الشارع مطمئنًا إذا كانت حبيبته بخير وهي التي أهدى إليها باكورته الشعرية منذ عتبة العنوان وهو عنوان لم يفقده طوله قيمته الجمالية. يذهب الشاعر إلى ابتكار عنوان رئيس (في سياق العنوان الواحد) لينجز تلويحة جميلة تضيف لمسة أجمل بنَفَس أطول، فهو لا يريد منها سوى أن تكون بخير، وقد أعلن بدءًا: "أريدك بخير"، كأنما هو عنوان مكتمل هنا، ليتبعه تفرع (هو امتداد لأمنية الشاعر): "كي أعبر الشارع مطمئنًا". غير أن الذي "يعبر الشارع مطمئنًا" إنما يعبره شعرًا، فهو (كما تشي نصوص المجموعة) يقف على حافة هذا العالم، العالم الذي "ينتهي فجأةً.... كنهرٍ كبير يمتلئ بالعطش"، العالم أيضًا الذي "لم يبدأ بعد" ذلك أن الأمر أشبه بـ"وقوف طويل على حافلة". إنها ارتباكة الشاعر الذي ينتهي العالم فجأةً أمام عينيه، فما يلبث أن يؤثث عالمًا آخر في دهشة أنامله ورؤى قريحته، مُدركًا (بوعي أو بانتظار) أن "العالم لم يبدأ بعد".

ارتكاب المرور
"ماذا يودّ الوحيدون/ مثلي ومثلكَ/ غير ارتكاب المرور/ نطير قريبًا إلى آخر العمر/ ولا تذكرنا اللافتات/ كما الريح نطبعُ في العابرين/ انتشاء الحقول/ وننسى العبث".
بهذا المقطع يفتتح الشاعر صادق مجبل نصًا بعنوان "لنا كل هذا الوقوف في الحافلة" يهديه إلى مؤيد الخفاجي: "تذكُرُ حين كنا نسير في لوحةٍ عابرة/ لقد كنت أبلغَ مما أنا فيه/ وأقصر من حيرةِ الحافلة/ نسينا وقتها رحلتنا فوق الزجاج/ لم يكن عُمُرنا غير ذاك التأمل/ في ندمِ الطريق./ تلُمُّ الجريدة كلما همّ أحدهم بالنزول/ لِيُكْسَرَ حديثُنا الجانبيّ/ والآن يا مؤيد/ لنا خسارة الحكمة التي/ في وهمنا/ وضجرُ الدنيا/ من كثرة الوحيدين/ ولنا كل هذا الوقوف/ في الحافلة".
كما أن الشاعر مجبل في سياق قصيدته يتشارك الألم مع صديقه: "في ردهات المشافي/ أرى روحك تفكر بالهاربين إلى الألمِ/ الألم؛ الدليل الوحيد على اختراق حظر التجول./ عُمرُنا سردٌ تجوّل في حياة المُتعبين/ في فندقٍ/ كلما أرهقته طائرةٌ ينام". ثم يختم بهذه التنهيدة التي لا مناص منها: "أعمى هو العمر/ من دون أيامك/ كأنّ المسافات البعيدة/ عينٌ واسعة لا تنام".
وبين مشاعر الحب واشتعالات الروح بسبب من ذلك، وبين الشعور بعدمية الحياة التي يمكنها أن تتوقف فجأةً في ما يجترحه الشاعر، في حال لم تكن الحبيبة بخير، ينجز صادق مجبل قصيدة حميمة بلغة دافئة تؤثث في الشتات أملًا خافتًا في فراشات ضحكة فاتنة: "مأسورٌ بما يحلِّق من فراشات ضحكتكِ/ بما يتقطر من حزنكِ/ في طفلٍ ترميه كرة/ فيعود إلى شاطئ ذاكرتكِ". ثم، في نهاية القصيدة "اللمسة التي أجّلتِ المطر"، يعلن: "رميتُ ضجيج المدن المتكررة/ وتشابه الوجوه/ وعدت إليكِ/ ناجيًا من الحياة".
بخلاف العناوين الفرعية للمجموعة الشعرية، أو ما يمكن تسميتها "الأجزاء الخمسة" التي عبَر بها الشاعر صادق مجبل شارع القصيدة الأحدث مطمئنًا، فقد اكتفى في الجزء الخامس والأخير "العالم لم يبدأ بعد"، بنص قصير واحد، وبجملة أولى فقط من رسالة غير معلوم مداها، على أن بقية الرسالة هي إحالة على نصوص المجموعة لا بد. تحت عنوان: "الجملة الأولى من الرسالة" يبلغ الشاعر المحطة الأخيرة من محطات مجموعته الشعرية الأولى: "ونحنُ لم نبدأ بعد/ أيتها الوحيدة مثلي/ في تفاصيلِ الوحشة/ لم نبدأ بكتابة الجملة الأولى/ تنقصنا حكمةٌ في أعالي الحكاية/ ومسافة أطول من التي بيننا/ ينقصنا صمت أعمق/ نُريدُ من البصرة ما يُبقي هذا الليل متقدًا بالاسم الصوفيّ في رسائل العشاق/ ندخلُ في جُبّةِ الوقت/ قبل أن ينتهي العالم مصلوبًا/ على أضلاعنا/ ونمحو سجل الضحايا/ باسمي عاشقين./ كلما رأيتهما أهمّ باحتضان العالم/ كل العالم/ ذلك الذي قلت إنه لم يبدأ بعد".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.