}
صدر حديثا

"حكايات المطر".. رواية التمسّك بالحق

21 مايو 2020
تتخذ رواية "حكايات المطر" للروائية الفلسطينية آسيا عبد الهادي شكل حكاية ترويها الجدة كي تسلّي حفيدها وتنعشه بها. لكن هذه التسلية لم تكن هدفًا نهائيًا للحكاية؛ إذ بدت بالإضافة إلى ذلك متنًا لمجموعة من القيم الأخلاقية التي أرادت لها الجدة أن تكون سندًا لحفيدها في مستقبل حياته.
والرواية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" جاءت في مئتين وأربعين صفحة من القطع المتوسط، واتخذت تقنية سردية تراثية مستمَدّة من الطريقة التي كانت الأمهات والجدات يبدأن حكاياتهن بها للأطفال المتحلّقين حولهن في ليالي الشتاء، فيستمعون باهتمام وسعادة للقصص والحكايات الجميلة التي تروي أمجاد وأخلاق الأبطال والقادة الكبار في الزمن الماضي.
تقول عبد الهادي على لسان الجدة: "كانَ يا ما كان.. في قديم الزمان.. يا سعد الأكرام ما يطيبُ الحديث إلا بذكر النبيّ سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم.. كان بيتُنا قريبْ.. وأجيبْ لكم صحنَ زبيبْ.. تأكلوا وتشربوا وتصلّوا على النبي الحبيبْ.."
ثم تسترسل الجدة في حكايتها التي تنتهي باستفاقة الحفيد من سِنَة النوم التي أخذته خلال الحكاية، فيطرح على جدته مجموعة من الأسئلة التي تتعلق بالبطل "حسن" ومصيره.
وما بين هذه البداية والنهاية جاءت الحكاية التي تفرعت في مسارات عدة، وقدمت شخصيات متنوعة تحمل كلٌّ منها حكاية وحدها. وجعلت الكاتبة الزمن طليقًا، فلم تحدده بسياق تاريخي معين لتكون القيم داخل الحكاية صالحة لكل زمان ومكان.
واتخذ المكان كذلك صيغة حرة، لكنه ارتبط بمملكة الوفاء والأمل، فأخذ صفته من صفات أهلها، ولم يُختزَل بمكان مادي محدد. أما الشخصيات فحملت كلٌّ منها مضمونًا حكائيًا مستقلًا، لكنه يتكامل مع المضامين التي تحملها الشخصيات الأخرى؛ فالملك رمز للعدل، وزوجته الملكة رمز للغيرة القاتلة والغضب الجامح، أما الابن فكان رمزًا للطيبة والنقاء وسمو المشاعر والحب والوفاء، بينما كانت زوجته رمزًا للحب والوفاء والصمود وللمرأة العربية التي تجيد تربية ابنها خير تربية.. وهكذا الأمر في ما يخص باقي شخصيات الرواية.
وبُنيت الرواية على عنصري المفاجأة والتشويق، وهذه سمة من سمات الحكي التراثي، وهو أمر يساعد على جذب انتباه المتلقي لمتابعة القصة بشغف وإنصات وتركيز، بل وبمشاركة وجدانية فى معايشة المواقف المأساوية فى القص. وقد اتضحت هذه النزعة منذ أول فقرة فيها؛ إذ حملت حميمية وتشويقًا وأحداثًا غريبة ومدهشة.
ويحتل عنصر المفاجأة في الرواية حيزًا كبيرًا يتناقض مع مبدأ السببية فى بناء الأحداث؛ لذا لم يكن بالإمكان توقع سير الأحداث؛ الأمر الذي أعطى النص مزيدًا من النضج والتشويق، وألزم القارئ بالترقب وعدم توقع النتائج قبل أوانها.
وتتسم الرواية بتنوع أسلوب الحكي، ما بين لغة السرد العادية واللغة الشعرية. وقد تجسدت اللغة الشعرية تحديدًا في وصف المواقف الإنسانية المؤلمة، ومن ذلك: "بين الركام والخراب امرأة لا يفصلها عن الموت سوى خيط رفيع، ملقاة فى مكان معزول، وسط ظلام دامس، ولكنّ خيطًا رفيعًا من الحياة ما زال يتسلل إلى روحها، فيحرك بعض أعضائها. أفاقت قليلًا، تململت، لكن لا قدرة لها على الحركة. أغُمي عليها، ثم أفاقت، ثم أغُمي عليها، وأفاقت من جديد. تحسست جسدها فوجدته رطبًا يغرق في شيء ما، غمست يدها به واشتمّته، إنه الدم، تئن، كل شيء يؤلمها، تشعر بصداع يكاد يفجر رأسها فقد نزفت كثيرًا، ربما لم يتبقّ في جسدها نقطة دم واحدة".
وتحظى نهاية الرواية بالكثير من الأمل والعزم والتصميم التي تتجسد في الحفاظ على التراث، والتمسك بالحق مهما انقضت الأيام والسنين. وربما كانت هذه القيمة واحدةً من القيم الكبرى التي أرادت الكاتبة بثها في روايتها.
يذكر أن آسيا عبد الهادي وُلدت في سلمه/ يافا، تنوعت دراستها بين علم الاجتماع واللغة العربية والحقوق وعلم الإدارة. أصدرت سابقًا ثماني روايات، هي: "الحب والخبز" (2006)، و"سنوات الموت" (2008)، و"الشتاء المرير" (2010)، و"غرب المحيط" (2012)، و"بكاء المشانق" (2014)، و"سعدية" (2015)، و"ذكريات وأوهام" (2016)، و"دولة الكلاب العظمى" (2018).

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.