}
عروض

كيف يتجلّى "خطاب الوعي المؤسلب في الرواية العربية"؟

ضفة ثالثة ـ خاص

1 فبراير 2021
صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت كتاب جديد للناقد الدكتور رامي أبو شهاب بعنوان "خطاب الوعي المؤسلب في الرواية العربية"، وفيه يسعى المؤلف إلى تطبيق أربع مقاربات نقدية ضمن مشروع الناقد المختص بخطاب ما بعد الاستعمار والنظرية النقدية، تشمل الخطاب ما بعد الكولونيالي، والنقد الثقافي، والنقد النسوي، والتاريخانية الجديدة.
يتكوّن الكتاب من ستة فصول، حيث يتقدم الكتاب فصل مهم بعنوان "الجرد الجذري للسرد"، والعنوان مقتبس من كتاب الروائي ميلان كونديرا بعنوان "فن الرواية". ولعل هذا العنوان يشي بمحاولة الباحث قراءة مشهدية الرواية العربية، لا في سياق تاريخي، إنما في سياق موقعها من التصور الكلي الذي ينهض على مفهوم الوعي المتصل برؤية العالم، والتي تحيل إلى تصور فلسفي يتعمق الكاتب في تحديد مفهومه وإجراءاته في مجال الرواية العربية، فيسعى إلى تمثل موقع الرواية، وقدرتها على اجتراح تصور يعبر عن أزمة الإنسان العربي، وقضاياه الجمعية، ولهذا تبدو مصطلحات النسق، والرواية العظيمة، والبنى المجردة، والتقويض، وأزمة الكتابة، ومفهوم التاريخانية الجديدة، والرواية النسوية، جزءًا من هذا التصور، ومن ثم يشرع الكتاب في اختبار الرواية العربية، وأزمة الوعي في انزياحه، عبر أسلبة الواقع والتاريخ والأنا والآخر، في جملة من الروايات التي تشمل عديد الكتاب، ولا سيما من منتصف القرن العشرين إلى يومنا هذا، فتحضر أعمال كل من توفيق الحكيم، والطيب صالح، وغسان كنفاني، والطاهر بن جلون، وإبراهيم نصرالله، وجمال ناجي، وطالب الرفاعي، وسعود السنعوسي، وآسيا جبار، وحزامة حبايب، وإنعام كجه جي، وعبدالوهاب عيساوي، وأحمد زين، وعبدالعزيز آل محمود، ضمن اختبار نقدي شديد التنوع، بغية التدليل على أن ثمة وعيًا مؤسلبًا في تكوين الرواية العربية وتقاطعها مع الحدث والبنية الثقافية والتاريخ وأزمة الذات، وغير ذلك من تمثل مركزه الواقع والتاريخ.
يذكر الكاتب في تمثله لمفهوم الوعي الإحالة إلى الفيلسوف فيلهام دلتاي، حيث جاء في الكتاب: "إن مبدأ هذا التوجه للاقتراب من رؤية العالم لا ينهض على تأملات مستمرة لبعض الوقائع الفلسفية وجدليّتها بين العلم والميتافيزيقا، فنحن نستعير هذا المفهوم كي نؤكّد على دور الأدب في تفسير العالم، وتقديم خلاصات، أو استنتاجات، يمكن أن تجعل من الأدب فعلًا للإدراك
والوعي بالكينونة".
تنهض مقاربة الكتاب على قراءة بعض الوحدات بغية الوصول إلى الرؤية الكلية، ومن هنا فإن الأدب يعكس تصورات الوعي عن العالم، وعن ذواتنا، وهي غالبًا ما تقع في المجال المعرفي ضمن مفهومين: الأول يتحدد بالإدراك القائم على المعرفة الواقعية العلمية، في حين أن الثاني ينهض على تصورات فوق طبيعية، أو (ميتافزيقية). وبناء عليه، فإن بعض الأفكار والمفاهيم ما هي إلا نمط من أنماط رؤية ما نحن عليه، بما في ذلك (الآخر)، فضلًا عن الوجود بكافة تعقيداته، كما تتجلى وقائعه في الأدب، أو الرواية، أو غير ذلك من الفنون والآداب، كما يبرز في الكتاب.
ويوضح الكاتب مقولة رؤية العالم قائلًا: "يمكن القول بأن رؤية العالم هي الإمكانات الرّمزية التي تنشط ضمن وضع متعاضد لتكوين صورة الأنا – الأنوات ووعيها في مجال تاريخي، أو إنها تلك الرّوح التي تسكن الأشياء والعالم، والتي تبدو أقرب إلى نموذج يتحدد بالروح الكلية لمجموعة ما، أو شعب. كما يمكن القول بأنها عملية البحث في ذلك الوعي الكامن للروح التاريخية التي تكمن في الثقافة، بما في ذلك الثّقافة العربية على اختلاف تمظهرها في الزمن والمكان، وبهذا، فإننا نكاد نقترب من بنية خفية، أو نسق مضمر، يكمن في التّمثلات السردية، فلا جرم أن نقع على مجال نسقي عابر للثقافات، بغية تحقيق فهم عميق لوعينا المتجلي في الأدب الذي حاول أن يجترح تصورًا كليًا يحجب خلفه نسقًا للوعي العربي، الذي بدا شديد القلق والارتباك".
وقال مؤلف الكتاب لـ"ضفة ثالثة": هذا الجهد عبارة عن قراءات وأبحاث استمرت لسنوات، ويهدف إلى  تقديم توجهين نقديين:
الأول تقديم قراءة نقدية تتمثل بعض المناهج التي تعاني من قصور على مستوى التطبيق، والثاني أن يرصد تخلل الرواية العربية في الجسد الثقافي بوصفها إحالة إلى تمثل العالم، ومخاض الوعي العربي الذي يعاني من اضطراب عميق على مستوى تلقي الحدث، والتعاطي معه وعكسه في بنية المتخيل. وبناء عليه، فإن الكتاب ينظر إلى الرواية لا بوصفها فعلًا مترفًا، أو بنى استهلكها النقد الأداتي المعني بالنسقية المجردة، أو الإغراق في الهياكل الخارجية التي دفعت النقد إلى تناسي المكون الثقافي للنص الأدبي، وقيم المتخيل في الاشتباك مع العالم، فمعظم الروايات عينة هذا الكتاب عكست في جوانبها أزمات فهم العالم، وموقفها منه انطلاقًا من صدمة الآخر، مرورًا بالإرث الاستعماري ومواجهته، وليس انتهاء بأزمة الذات الأنثوية في تحديد موقعها من العالم في عالم يمور بمتتاليات من مظاهر السلطة التي لا تنتهي، بما في ذلك في المتعالية الذكورية، وهي تمتد لتشكل تكوين الوعي بالكلية، فالمرأة تعاني من قمع مجتمعي سلطوي يمارس على الأنا الجمعية والفردية، بغض النظر عن اختلافها النوعي، أو مرجعيتها.
وأضاف: يتوسل هذا الكتاب رسم مفاصل الرواية العربية في مساحات محددة، بما في ذلك تصورات النص لجدلية التاريخ وقدرته على تثبيت الوقائع، أو إزاحتها.
يشار إلى أن الكتاب استند إلى مرجعيات ومصادر شديدة الاختصاص بالظاهرة الثقافية، وكافة مستويات المقاربة، مع الإشارة إلى أن مؤلف الكتاب يذكر في مقدمته بأنه قد حيّد مقاربة الرواية العربية وموقفها من ظاهرة الربيع العربي، لكون هذه الظاهرة تحتاج إلى مزيد من التأمل، ولكونها ما زالت في طور المخاض.



ختامًا، فإن مفهوم الوعي يعدّ جزءًا حيويًا في بنية الكتاب الذي يسعى لأن ينهض بتصوره المتغاير لواقع الرواية العربية انطلاقًا من مفهوم فلسفي، حيث جاء في الكتاب: "لقد قدم الفيلسوف هيدغر نسخة متقدمة من تذليل الفهم الفينومنولوجي حيث شدد على قيمة المعنى، من منطلق أن الظواهر لست معطاة، أو منجزة. وبناء عليه، فإن قصدية الوعي تتجلى في المعنى، كما يوضح مارك لوني في معرض مساءلته لمقاربة هيدغر. وبناء عليه، يمكن النظر إلى الرواية على أنها مرجل تتفاعل فيه خبرات الذات المبدعة، والتي تنشأ عن محاولة بناء تجربتها في تكوين صورة العالم، ومنظورها له. إننا نرى هذا على سبيل المثال في شخصية "إلياس

نخلة" في رواية عبدالرحمن منيف "الأشجار واغتيال مرزوق"، التي تقرأ العالم، أو ظاهرة هذا الوجود، عبر تجربتها وخبرتها، وما تخلعه عليه من معانٍ تتضامن مع تلك الإضافات التي تأتي من لدن الشخصية الثانية في النص، ونعني "منصور عبد السلام"، حيث يُنسج العالم بما يتضمنه من خبرات تتصل بالحب، والوطن، والمرأة، والحياة، مع محاولة الإقامة في تكوين سردي يحتفي بإطلاق نسخة من التأويل لهذا العالم الذي يتمركز على الوعي الذاتي، وبمعنى آخر (الإنسان) الذي يعدّ مصدر التّمثيلات التي تختزل الوجود استجابة لتنظير ميشيل فوكو الذي يرى بأن الإنسان - الكائن التجريبي، والمحدود تاريخيًا - ربما يعدّ مصدر التّمثيلات التي نعرف بها العالم، بما في ذلك أنفسنا، وبوصفنا أيضًا كائنات تجريبية".
يذكر أن الباحث رامي أبو شهاب أصدر عدة كتاب، أهمها: "الرّسيس والمخاتلة، خطاب ما بعد الكولونيالية في النقد العربي المعاصر"، الحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2014، كما أصدر كتاب "في الممر الأخير، سردية الشتات الفلسطيني من منظور ما بعد كولونيالي" 2017، بالإضافة إلى كتاب "الأنوات المشوّهة: مقاربات في التنوير والمعرفة واللغة" 2019. وله مجموعتان شعريتان: "عدت يا سادتي بعد موت قصير" 2007، و"أما أنا فلست من طين" 2019.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.