}
عروض

"ثمار الشجرة المُسكرة".. رواية تُعرّي شجرة العنف

عماد الدين موسى

11 أبريل 2021
 
إنغريد روخاس كونتريراس وروايتها "ثمار الشجرة المُسكرة"


بكثير من الاتّزان والأناقة، تكتب الروائية الكولومبية، إنغريد روخاس كونتريراس، روايتها "ثمار الشجرة المُسكرة"، الصادرة مؤخرًا عن دار فواصل السوريّة (اللاذقيّة 2021). وهي تُعرّي فيها شجرة العنف والقسوة التي تهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كولومبيا زمن الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حين كان زعيم المافيا الكولومبية (بابلو إسكوبار) يحكم هذا البلد؛ يفجر سوقًا، أو مبنى، أو شارعًا، أو حديقة؛ غير آبهٍ بأرواح مواطنيه، في تحدٍّ للدولة التي كانت تخشاه لكثرة جرائمه، ولتغلغله في شرايين موظفيها.


 

لا يمكن الوثوق بأحد
عائلة "أنطونيو سانتياغو" هي العائلة المركزية التي تدور أحداث الرواية حولها، و"بترونا" البنت الخادمة التي قدمت من مدينة "بوجاكا" مدينة الصفيح والمزابل، بعد أن دفعتها أمها حين نزفت ولطخت فراشها بدماء الحيض، وتحوّلت بذلك من بنت إلى امرأة صغيرة، فإمّا أن تتزوج، أو تعمل. اختارت العمل، وعند عائلة سانتياغو الغنية، التي كانت السيدة سانتياغو قد حوّلت المنزل إلى مملكة للنساء برئاستها. تقود بترونا باتجاه الحديقة، حديقة المنزل، وتتوقف أمام الشجرة المسكرة، شجرة طويلة، فروعها ملتوية، أزهارها بيضاء، ثمارها بنية غامقة، وهي شجرة سامة، لكن تفوح منها رائحة عسلية، مثل عطر فتان باهظ الثمن. شجرة تقول كاساندرا إن أمها زرعتها في حديقة منزلهم، لأن عرق اللؤم المتأصّل فيها قد يكون هناك، أو ربما لأنها كانت تردّد على الدوام أنه لا يمكن الوثوق بأحد.

الجيران حاولوا إجبار الأم على إزالة الشجرة، التي تستخدم أزهارها وثمارها في صنع مخدرات "بوروندانغا"، ومخدرات الاغتصاب، لكنهم لم يفلحوا. الأختان شولا، وكاساندرا، وبعد أن دخلت بترونا في العمل خادمة عندهما سمياها قديسة، فيما أمهما اعتبرت أنها ليست أكثر من بعوضة ميتة. وهي التي تتحزَّب سياسيًا لرجل يدعى (لويس كارلوس غالان) المرشّح لرئاسة كولومبيا، بينما كان زوجها سانتياغو موسوعة تمشي على قدمين، وعندما سألتها ابنتها شولا عن بابلو إسكوبار أجابتها بأنه مسؤول عن كل قذارة تحدث في كولومبيا: مجازر في الأرياف، وقبور جماعية في المزارع، مختفين ومختطفين. واغتيالات من أبرزها اغتيال السنيور، لويس كارلوس غالان، المرشح الرئاسي، الذي تعقد عليه كولومبيا الأمل بتخليصها من حكم مافيات المخدرات والسلاح، من بابلو إسكوبار الذي أعلنت الحكومة أنه سلم نفسه، وأصبح في السجن، وصار في إمكان كاساندرا، وشولا، والكولومبيين، الذهاب إلى السينما، وإلى أي مكان من دون الخشية من الموت في انفجار. إسكوبار اسم مرعب للكولومبيين، تقبض عليه الشرطة ولا تقبض، يسلم نفسه ولا أحد يستلمه، وعصاباته المسلحة تخطف أنطونيو سانتياغو، وتريد فدية، وكونه يعمل في شركة نفط أميركية، فإن أميركا ترفض التفاوض مع الإرهابيين، لكنهم سيساعدون في إعادته إلى أسرته، إلى كاساندرا، وشولا، ووالدتهما، هذا البابلو إسكوبار، في وجهٍ آخر له، كان يبني المنازل، ويهديها لأبناء مجتمعه، ويقود سيارته بين أحياء الصفيح وهو يوزع رزمًا من الأموال على الفقراء. وفي الوقت نفسه، كان يجهز السيارات المفخخة لتفجيرها في أماكن عامة في جميع أنحاء البلاد، لأنه أراد من الحكومة أن توقف البحث عنه. وحتى يفرج رجاله عن سانتياغو طلبوا من عائلته كل ما في حوزتهم من مال، مع أن هناك قصصًا لمختطفين دفع أهلوهم المال ولم يعودوا.

 غلاف رواية "ثمار الشجرة المُسكرة" بالإنكليزية



مقتل إسكوبار
يعرض التلفزيون الكولومبي أفلامًا متحركة تظهر صورة رجل وجهه على الأرض، وقد تجمع الدم تحت جسده فوق بلاط السطح، والمذيع يقول: تستعد الشرطة لنقل الجثة إلى المركز الطبي لإجراء تشريح، فيختلط الأمر على شولا: هل المقتول هو والدها سانتياغو؟ لكن عندما تقدم عناصر من الشرطة إلى الجثة، وأداروها لوضعها على النقالة، لم يكن سانتياغو، بل كان بابلو إسكوبار، الرجل الذي كانت تخافه، وقد مات. العائلة بعد أن باعت ممتلكاتها صارت في مخيم اللاجئين، بعد أن تقدمت بطلب اللجوء إلى أميركا، وصارت قضيتها تحمل الرقم 52534، صارت ورقة في ملف في خزانة معدنية في مكتب، في انتظار مقابلات الفرز الآلي، والأهلي، والموافقة الأمنية، لتصل جثة سانتياغو في صندوق، لما كُشف غطاؤه، وبين عدد من الوسائد الهوائية الشفافة، كانت هناك عبوة صغيرة شفافة مليئة بالرماد، فلقد أحرقوه.

وفي أميركا، التي رحلت إليها عائلة سانتياغو، لم تنسَ شولا كيف كان بابلو إسكوبار يقطع ألسنة الناس وهو رئيس عصابة، فكيف لو صار رئيسًا، أو ملكًا منتخبًا، وبنسبة تسعةً وتسعين فاصلة تسعة وتسعين. هل ليتوقفوا عن الكلام؟
رواية "ثمار الشجرة المُسكرة"، التي نقلتها إلى العربيّة مريم عيسى، وجاءت في 382 صفحة من القطع الكبير، تعدّ ملحمةً شِعريّة تسرد حكاية بلادٍ عانتْ من الشرّ، شرّ أبنائها، تكاد أنْ تكون حكاية أي بلد، أينما كانَ، وفي كلّ الأزمان.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.