عن دار "دال" للنشر والفنون في دمشق، صدر حديثًا كتاب "فلسطين في الفضاء الصهيوني"، للمترجم الفلسطيني السوري، محمود الصباغ، محتويًا بين صفحاته على 11 مقالة ودراسة ترجمت عن اللغة الإنكليزية، وبعضها كتب في الأصل باللغة العبرية، ما بين عام 1992 و2014، أي في فترة الانتفاضتين الفلسطينيتين المعاصرتين، وما بعد حقبة "الربيع العربي". ولهذا، وفقًا للناشر، دلالته البالغة، إذ لطالما شكلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى صدمة قوية هزت المجتمع الإسرائيلي عموديًا، وبات سؤال "القلق الوجودي" عن مستقبل الدولة مطروحًا بقوة. وباتت الحاجة ـ إسرائيليًا ـ إلى مراجعة الأدبيات الصهيونية ضرورة ملحة للدخول في حقبة ما بعد الصهيونية، بالإضافة إلى محاولات "تأريخ" النشاط السياسي الصهيوني في فترة ما قبل الدولة، إذ لم تعد الآليات والوسائل التي استخدمتها الحركة الصهيونية للسيطرة على فلسطين، منذ نهاية القرن التاسع عشر، ضمن السياق الاستعماري الأوروبي العام، فضلًا عن الخطوات العملية لبناء "أمّة" يهودية، و"وطن" قومي لهذه الأمة، كافية لتفسير المجتمع الإسرائيلي القائم حاليًا.. بالإضافة إلى أن مشروع التهويد كان السمة الرئيسة للدولة التي قامت في عام 1948. واستخدم، من أجل ذلك، جملة من الحلول العنصرية التي تتشابه مع العديد من التجارب الاستيطانية في مناطق مختلفة من العالم، وإن كان المشروع الصهيوني يحمل صفاته الخاصة المميزة.
وتسلط مقالات الكتاب الضوء على الطرق التي انتهجتها الصهيونية لبناء دولة "قومية يهودية على الطراز الغربي"، عبر طيف واسع ومتنوع من المقاربات النظريات والفرضيات الحديثة في الاجتماع السياسي، ودراسات ما بعد الكولونيالية، لتعريف الطبيعة العنصرية الاستيطانية للحركة الصهيونية، وللدولة "القومية" التي أنشأتها، بما يشمل ذلك مقولات "الإثنية العرقية" المتمركزة قوميًا ودينيًا، وسياسات الهجرة والطرد والتوطن وبنى سياسية ما بعد صهيونية واقتصادية نيوليبرالية حالية تساهم في "تآكل" الفوارق بين "اليمين" و"اليسار" في إسرائيل.
يقول الصبّاغ عن الصعوبات التي واجهته في ترجمة مقالات كتابه هذا: إن أهمها يتمثل في عدم معرفتي باللغة الأصلية التي كتبت بها معظم المقالات، أي العبرية، وهذا أدى بالتالي إلى الصعوبة في الوصول إلى الحالة الذهنية والنفسية الدقيقة لبعض التعابير، بمعنى "ترجمة الأفكار". من ناحية أخرى، بعض المقالات كنت قد اشتغلت عليها قبل مغادرتي سورية في عام 2013، واضطررت إلى إعادة العمل من جديد بعد انتقالي إلى السويد، مما أثر، بلا شك، على طريقة النقل والترجمة انسجامًا مع واقعي الجديد الشخصي، والواقع العام الموضوعي. فقد اقتصر عالمي على كمبيوتر شخصي لا أكثر ولا أقل، بينما في سورية كنت قادرًا على إغناء ما أترجمه، سواء من خلال رفدها ببعض الملاحظات من مكتبتي الشخصية، أو من خلال مناقشة ما أترجمه مع كثير من الأصدقاء، بما يساعد في اختيار الجملة الذهنية المناسبة التي تناسب القارئ العربي من دون الإخلال بمقاصد الكاتب الأصلي للنص.
ويضيف الصباغ أن هذا الكتاب يندرج في إطار عام بات معلمًا واضحًا من ملامح الثقافة الفلسطينية منذ أيام الشهيد غسان كنفاني، وهو تعريف القارئ العربي بما يدور داخل المجتمع الإسرائيلي. ويشير إلى أن المقالات التي ترجمها تتحدث عن المجتمع الإسرائيلي من حيث مشاكله الذاتية، حلولها وطرق علاجها، ومن ثم انعكاسها على الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.