}
عروض

"مقاربات نقدية في الفضاء الافتراضي": ثنائية المكتوب والفضائي

صدام الزيدي

11 ديسمبر 2023


في كتابها النقدي الصادر حديثًا عن منشورات "أبجد" ـ العراق، بعنوان "مقاربات نقدية في الفضاء الافتراضي"، تنوه الناقدة والباحثة العراقية، رائدة مهدي العامري، أن الأهم في الكتاب إجرائيًا هو الانتقال من الواقعي إلى الافتراضي، ومقاربة النص المكتوب عبر قناة من خارج النص، والتعامل مع ثقافات متنوعة، بعضها له تقاليد تلقٍ شفاهية، كما يمكن أيضًا التعرف على وجهات نظر تفاعلية من الآخرين وآرائهم النقدية المختلفة لخلق فاعلية نقدية عبر الفضاء الافتراضي، ما يمنح سياحة خصبة للإبداع وحرية قراءة النص وسبر أغواره. وتأمل الباحثة بأن يكون في مقاربات كتابها بعض ما يرسخ صورة هذا النوع الجديد من التواصل والتلقي.
تتمحور مواضيع الكتاب حول ما يلي: ثنائية المكتوب والفضائي؛ قصيدة النثر: رؤاها الكتابية وآفاق قراءتها؛ النص والواقع في رؤية سوسيولوجية؛ تجليات التأمل السوسيولوجي الرقمي واستلاب الهوية؛ بعض مفاهيم وإجراءات الدكتور صلاح فضل النقدية؛ الرؤية والمنهج من التلازم إلى التشتت؛ تمظهرات الآخر عند الحطيئة؛ قناع الحبيب وإرهاب السلطة؛ فلسفة الحياة.
ويتوقف الكتاب عند مقاربة نصوص شعرية وروائية وقصصية لعدد من الكتاب العرب: متوالية الأشجار لدى الشاعر سعد ياسين ـ رمزية المفارقة والاستبدال؛ الوظيفة النسقية في ديوان "ولادة من خاصرة الغيم"؛ تقنيات الحداثة في نص "قال لها" لعاطف الدرابسة؛ التأويل وتفاعل المتلقي في نصوص مختارة للشاعر أحمد الفلاحي؛ الذاتية في ديوان "رقص على جسد السحاب"؛ تمظهرات النسق... الذات والآخر في المجموعة القصصية "من عبق الماضي"؛ الحضور المركزي والعابر في رواية "قناطر وألوان تعانق السماء".


"نقد" الندوات الافتراضية

في خضم حالة العزل التي شهدها العالم تحت وطأة جائحة الكورونا، ألقت العامري دراسات عدة ضمن مثاقفات وندوات إلكترونية، شكلت محتوى كتابها النقدي.
وتنوه الباحثة، تأسيسًا على حالة النقد الافتراضي، تلك، أن كثيرًا من المهتمين بالتواصل تنبأوا أن يكون وضع الإرسال والتلقي متأثرًا بما فرضته الجائحة منذ عام 2020، وما استجد من أعراف وتقاليد في مناحي الحياة، لعل أبرزها ابتكار طرق جديدة لإدامة التواصل والتفاعل بعد أن انفرط عقد المجتمع من حيث التجمعات المباشرة وآليات البث والتلقي. وكان الفضاء الافتراضي يتقدم كحل بديل شيئًا فشيئًا، انخرطت فيه شرائح كثيرة من المبدعين والنقاد والمتلقين.وبدا أنه ليس ثمة وضع أشد صعوبة على منشئ النص من ذلك الذي يسببه افتقاد نصه لعملية التلقي المباشر. فالجذور التي تركتها الكتابة كفيلة بإبداع نص ذي أبعاد خاصة يحمل أنساقًا مكرسة. وفي هذا الصدد، تشدد العامري على أن النص يحمل جماليات وآليات ذات كيفيات مضامين متعددة، ويحمل سلسلة عمليات منهجية، سواء كانت سياقية، أو نصية، أو تاريخية، أو ثقافية، تتداخل لإنتاج وبناء وتكوين نصٍ تعيد تشكيله من جديد، قراءاته المتنوعة والمتعددة، مدخلة إياه في صياغة الوعي المعرفي والإبداع الثقافي.




كما أنه لا يمكن أن يسمّى أي عمل أدبي بشقيه الشعري والنثري إبداعيًا، ما لم يتضمّن مقومات ذلك الإبداع، والتقنيات التي تحرّك تلك المقومات عبر صهرها في بوتقة المنجز الإبداعي بتحليل وإدراك يسبر أغوار النص العميقة، وبرؤى متعددة تصل إلى المتلقي، تجسد حالة الانتقال الفضائي وتقديم رؤية أخرى تجسد جوهرها الجمالي الفكري، ذلك أن الكتابة هي من أهم الأعمدة التي يرتكز عليها توصيل النص، وما يحمله من الأبعاد الجمالية الخاصة به، فكيف يكون الخطاب خارج حدود الكتابة؟، تتساءل الباحثة، مفيدةً أن دراسة الخطاب هي من متطلبات بنية النص لتحديد المفاهيم حسب الرؤى الفكرية والثقافية تمنح التصور العميق والتلون الفكري للمسارات النقدية بحركة داخلية وخارجية، فالناقد حبيس أفكاره وأيديولوجياته التي يؤمن بها، لذا تأتي النتائج، عادةً، مختلفة متضاربة من ناقد إلى آخر، حسب المنهج والنظرية المتّبعة، وصولًا إلى مستويات الإنتاج والفهم المسبق للنص وبنيته، إذ إن النص يحيا في ذاته، ولا شيء آخر يغنيه أو يرفده في الولوج إليه، أو الوصول إلى أبعاده، وما يترتب عليه عند المتلقي برؤية جديدة في العرض والمعالجة، وكشف النقاب عما انفرد به.
وانطلقت الندوات، التي شاركت فيها الباحثة في الفضاء الافتراضي، بألوان منهجية نقدية مزاوجة التطبيق والتنظير، بمقدمات تحليلية تفاعلية تشرك معها المتلقي المتعدد الهويات. فالفضاء متاح عبر المنصات والروابط المتنوعة، وذلك بعرض الإجراءات والدلالات والتساؤلات التي أثيرت، لتعطي للناقد قدرات جديدة لتوصيل خطابه بما يناسب القناة التوصيلية وما تؤهله لنقد النص. غير أن الباحثة، في هذا السياق، تقول إن ثمة سؤالًا يظل قائمًا: أيُخلق نص ماتع مائز مكتوب بمشاعر تتأثر باختلاف طبيعة الندوات، وباختلاف الأماكن الافتراضية للمنصات؟ أو كيف يمكن أن يتم النظر إلى الآخر، وفق التحوّل الحاسم من النقد الكتابي إلى الافتراضي، فيصبح فيه الخطاب متكيفا لهذه الوظيفة عبر آليات النقد، ليرسم العناصر المكونة لبنية النص وما تحمله من رؤى متعددة، لها مدلولات ودلالات جمالية وفكرية، ارتسمت فيها ملامح الاهتمام بالخطاب من زاوية مغايرة لمسار المعالجة التي كان عليها، وتعني هنا: مغايرة حال البث والتلقي عبر المكتوب والمقروء بحثًا عن الهوية من حيث كونه خطابًا يختلف عن الخطاب الآخر، علمًا أن لكل جنس أدبي خطابًا خاصًا به، وعلى ضوء ذلك تتم عملية البحث عن المكنونات الجمالية بدلالات وصفية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.