}
عروض

"الربيع الآتي": ربيع عُمان الذي لا يُزهر

صقر أبو فخر

2 يونيو 2023

بين يدينا كتاب جديد للدكتور محمد اليحيائي عنوانه "الربيع الآتي: عن الأمل والحرية والتغيير" (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2023، 215 صفحة). يحتوي الكتاب أُضمومة من الآراء والأفكار والمطارحات والمناقشات التي تُفصح كلها عن الدافع الأساسي لإصدار هذه المقالات في كتاب واحد؛ فالغاية هي إنعام النظر في مستقبل سلطنة عُمان، والتفكر في رسم صورة ذلك المستقبل وتبيّن ملامحه وعلاماته. أما الخيط الناظم لهذه المقالات فيتمثل في هاجس التغيير والحرية والديمقراطية، وهو ما يظهر بوضوح في العنوان الفرعي للكتاب، أي ثالوث "الأمل والحرية والتغيير". وقد مُنع الكتاب في عُمان، وفي بعض دول الخليج العربي، لأن الديمقراطية ما برحت تثير مخاوف كثيرين من الحكام والشيوخ والسلاطين، وربما لأن عبارة "الربيع الآتي" تثير رجفة لدى سلطات الرقابة على الفكر، أو لأن العنوان الفرعي يعلن بجلاء أن الكاتب يتطلع إلى الحرية والتغيير في بلاده أولًا، وفي دول الجوار ثانيًا، وفي باقي دول العرب ثالثًا.

بين يدي الكتاب
تدور مناقشات الكتاب على الأحوال الجارية في سلطنة عُمان اليوم، وتتصدى لدراسة مستقبل السلطنة، وما يطرحه بناء ذلك المستقبل من تحديات وتساؤلات دستورية وقانونية وعلمية. وفي هذا السياق، يتناول الكاتب تجربة المشاركة السياسية والشورى، ويتضمن، إلى ذلك، دراسة جيدة عن الدولة والقبيلة في عُمان (ص 49 وما بعد). واللافت أن الكاتب يصف عهد السلطان قابوس بأنه عهد "النهضة الحديثة" (ص 52)، وهو ما يتوافق مع آراء معظم دارسي تلك الحقبة، خلافًا للماركسيين الثوريين الذين انخرطوا في العمل المسلح إبان "ثورة ظفار" (1965 ـ 1975). غير أن عهد السلطان قابوس، مع انهماكه في تحديث المجتمع البدائي الموروث عن حقبة والده السلطان سعيد بن تيمور، شدّد، في الوقت ذاته، على الحفاظ على القبيلة باعتبارها شكلًا من أشكال التنظيم الاجتماعي، وعلى تدعيم موقعها في المجتمع، وعلى منح زعمائها مكانة رفيعة (ص 52). ولاحظ المؤلف أن دولة "النهضة الحديثة" تمكنت من ربط القبيلة بالدولة، وكانت غايتها ترسيخ فكرة الولاء للدولة باعتبارها القبيلة الأم التي تحتوي القبائل كلها. لكن دولة السلطان قابوس الحديثة أُسست على مبدأ الوراثة القبلية والحكم السلطاني. ولا يغيّر في المضمون شيئًا القول إن الدولة في عُمان تعود إلى 300 سنة إلى الوراء؛ فتلك سلطة قبلية قامت على أعراف وتقاليد، أما السلطة الحديثة فلا تقوم إلا على الدساتير والقوانين والهيكليات الدستورية والمؤسسات غير القبلية، والمعروف أن أول نظام أساسي للدولة العُمانية (الدستور) ظهر في 6/11/1996 (أي البارحة) جراء تحولات الواقع السياسي في السلطنة، وربما بتأثير بعض النخب الإصلاحية التي راحت تبرز، بالتدريج، في داخل الأسرة الحاكمة، والتي سعت إلى نوع من الإصلاحات التي لا تمس شرعية تلك الأسرة، ولا أحقيتها في الحكم، وتكفل لها، في الوقت نفسه، ديمومة السلطة مع توسيع مبدأ المشاركة. ومن براهين ذلك أن الخلاف اشتجر بين السلطان قابوس وعمه طارق بن تيمور في شأن إصرار طارق بن تيمور على صوغ دستور للبلاد، وتأسيس ملكية دستورية بدلًا من الملكية المطلقة، الأمر الذي أدى إلى استقالة طارق بن تيمور من مناصبه وخروجه من الحكم.




وقد كان غريبًا أن يمنع السلطان سعيد بن تيمور العِلمَ عن شعبه، وأن يُقصيه عن السياسة، وهو الذي درس في بغداد، وفي المدرسة البريطانية الخاصة بمهراجات الهند في حيدر أباد، وكان يجيد الإنكليزية ومتضلعًا من العربية، وملمًا بالأوردو (ص29). لكن هجرة الظُفاريين إلى دول الخليج العربي للعمل، وإلى بيروت وبغداد ودمشق والقاهرة للدراسة، شكّلت بداية ظهور السياسة في سلطنة عُمان، وبالتحديد السياسة الثورية التي كانت وبالًا على حكم سعيد بن تيمور. وأَنهت سلطانه في نهاية المطاف.

عهد جديد
مهما يكن الأمر، فالكاتب في كتابه هذا يتطلع إلى أن تكون حقبة السلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور فاتحة لعهد من التغيير تؤدي إلى قيام حكم دستوري يُنهي الحكم الأوتوقراطي (ص 207). لكن السلطان الجديد لم يتورع في سنة 2021 عن إصدار دستور لسلطنة عُمان يجعل السلطة فيها وراثية، وهو مخالف للفكر الإباضي الذي يقول إن الإمامة لا تنعقد إلا بالشورى. وهذا الدستور، بالطريقة التي صدر بها، أثار الحذر في مسلك السلطان الجديد ونهجه واتجاهه نحو الديمقراطية، وهو ما يتصدى الكاتب له في هذا الكتاب.
محمد اليحيائي صحافي وشاعر وقاص وروائي وباحث ومنتج تلفزيوني، وله أربع مجموعات قصصية، وروايتان، وغير كتاب في السياسة، أي أنه "مْسبِّع الكارات"، كما يُقال في بلاد الشام، أي أنه يعمل في سبع مهن في الآن نفسه، أو أنه يسير على خطى كشاجم الرملي الذي صاغ حروف اسمه مما يتقن؛ فقد كان كاتبًا وشاعرًا وأديبًا وجدليًا ومحدثًا. ومحمد اليحيائي مولود في سنة 1964، وعاش مرحلتي الطفولة والفتوة بين مزرعة والده الريفية في ولاية البركاء، ومنزل جده لوالدته في أحد الأحياء المدينية في ولاية السويق، فهو مديني وريفي في الوقت نفسه، أو فلاح وتاجر معًا. وكان بدأ العمل في الصحافة في سنة 1985، وتنقل بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، ونال الدكتوراة في التاريخ من جامعة السلطان قابوس. عمل في "قناة الحرة" منذ سنة 2004، وانضم في سنة 2022 إلى تلفزيون "العربي" مقدمًا برنامج "قراءة ثانية". وهذا الكتاب هو كتابه التاسع في سلسلة مؤلفاته.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.