صدر حديثًا عن "محترف أوكسجين للنشر" في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: "العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة" للكاتب المسرحي والروائي والمفكّر الأيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة "أوكلاسيك" (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف. وهو كتابٌ لا متناهٍ، لم يخفِ فيه برنارد شو مخاوفه وأفكاره الساخرة ورؤاه المثيرة للجدل حول الشباب ورهاب الشيخوخة والسياسة وفناء الجنس البشري، مقدمًا لنا خلاصة تجربته في الحياة وقد بلغ من العمر 62 عامًا حينما شرع في كتابته عام 1918 والحرب العالمية الأولى لم تنته بعد، وليُنشر عام 1921 بمسرحياته الخمس، واستهلالٍ حمل عنوان "نصف القرن الخائن".
وجاء في تقديمه:
نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقًا نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دمارًا، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاجه ليصبح أكثر نضجًا وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه لغايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب "العودة إلى متوشالح" كونه كتابًا يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولًا إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصي على التصنيف، له أن يجسد تمامًا ماهية "الخيال العلمي"، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856–1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّمًا هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلًا تسميته بالانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.
يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال، من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجدًا في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار، عدا عن كونه "الكتاب الغربي الوحيد الذي يمكن إقامة علاقة بينه وبين أولاد حارتنا"، كما يقول نجيب محفوظ.
ولعل التقاطع يكمن هنا بين الكتابين في تسليط نجيب محفوظ الضوء على أسئلة الإنسان الوجودية في مكان بمعطى زمني واجتماعي محدد، وتوقه اللامحدود للحرية والعدالة، ولو كان شبه خالدٍ يحوز في جعبته مئات السنين في تصور برنارد شو.
حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: "في البدء"، "مزمور الإخوان بارناباس"، "الأمر يحدث"، "مأساة رجل عجوز"، "أقصى حدود الفكرة"، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مرورًا بالزمن الحاضر، ومضيًا نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفًا العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاجه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه.
جاء كتاب "العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة"، في 352 صفحة.
جورج برنارد شو: كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي أيرلندي، ولد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: "السلاح والإنسان" (1894)، و"الإنسان والسوبرمان" (1903)، و"بجماليون" (1913). حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلًا: "أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكن وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل"، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.
أسامة منزلجي: مترجم من سورية ولد في مدينة اللاذقية عام 1948، ودرس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق. صاحب مشروع في الترجمة من الإنكليزية إلى العربية، بدأه برواية هنري ميللر "ربيع أسود" (1980) ومن ثم توالت ترجماته لميللر مع "مدار السرطان" و"مدار الجدي" وثلاثية "الصلب الوردي"، وصولًا إلى "أهالي دبلن" لجيمس جويس، و"غاتسبي العظيم" و"الليل رقيق" و"هذا الجانب من الجنة" لسكوت فيتزجرالد، وغيرها الكثير من روايات ومؤلفات لـ تينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.