كتاب "سعيدة بكوني امرأة: دليل النساء لحياة ناجحة" للويز هاي هو كتاب عن المرأة وللمرأة... تحريضي وتحفيزي يهدف إلى خلق تلك الحالة الإدراكية اللازمة لكل امرأة وهي تمضي قدمًا مع وتيرة القرن الحادي والعشرين المتلاحقة ضمن هدير ما يشهد من تغيرات لا تلبث أن تتقرر حتى تتغير. الوعي اللازم لإحداث التغيير المطلوب في كيانها كإنسانة أولًا، ثم في دورها الرائد ككائن فاعل في المجتمع الإنساني. هو كتاب جدير بشحذ همة كل امرأة واعدة تمضي نحو طريقها الرئيسي في الحياة، وبتجديد عزيمة كل امرأة قطعت شوطًا نحو ذاتها الحرة، باستقلالية وموضوعية واعتزاز بالنفس أصدق وأعمق وأحكم. وعن هذا التطلع الواعد وما حدّه في السابق من قيود اجتماعية، تقول الكاتبة في مطلع حديثها: "لقد عانت المرأة الكثير والكثير، ولا نريد أن نغفل ذلك. لقد كان الرجل في الماضي هو السيد الوحيد في المنزل، لذا فقد كانت نتيجة أي عصيان يصدر عن الزوجة أو الطفل أو الخادم هي العقاب بالجلد. أما الآن، فقد استطاعت المرأة أن تتقدم بالفعل، ولكن هذا لا يعد سوى بداية مرحلة جديدة من التطور، حيث ما زال لدينا الكثير لنتعلمه، والكثير لنقوم به، فقد أصبحت هناك الآن حدود جديدة لحرية المرأة، لذا نحن في حاجة إلى إيجاد حلول جديدة لكل النساء، وكذلك لمن يعشن بمفردهن".
بين مقدمة الكتاب وخاتمته، تقع تسعة فصول، تلائم مواضيعها كل امرأة من مختلف الثقافات، رغم بعض الاعتبارات بطبيعة الحال.
يبدأ الكتاب بطموح المرأة في استمرارية التعلم كعملية حيوية مستمرة، وبتوضيح الأثر السلبي للإعلانات على مدى ثقتها بنفسها ونظرتها لذاتها، مع التحفيز على تبني أفكار إيجابية، والتأكيد على أهمية الموازنة بين الرضى الذاتي وتربية الأطفال والمحافظة على الصحة. وينتهي الكتاب بالحديث عن أهمية التأمين المادي والاستمتاع بالحياة مع التقدم في العمر، وبذل ما أمكن من سبل العون الكفيلة بتحقيق كل ذلك.
تعتمد هذه المراجعة على الطبعة السادسة من الكتاب الصادرة عام 2017 عن دار الفاروق للاستثمارات الثقافية، وهي تحتوي على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
هنالك من غير أدنى شك صفتان أساسيتان تمنحان المرأة الاحترام والاستقلالية والتمكين، هما: القيمة الذاتية واحترام الذات، فلا ينبغي لـ"المرأة الصالحة" إنكار ذاتها كي تكون كذلك، وإلا أصبح الوضع (لصالح الزوج)، وليس (لصالح الزوجة).
عن هذا، تقتبس الكاتبة من مادة الاقتصاد المنزلي المقرر في خمسينيات القرن الماضي صور من (استعباد) المرأة، والتي أُطلق عليها آنذاك عُرفًا واصطلاحًا (نصائح)، منها: (جهزي العشاء الدافئ، نظفي المنزل من الأتربة، اغسلي وجوه الأطفال وأيديهم، قللي من الضوضاء، وتجنبي تشغيل المكنسة، تزيني وتبرّجي وتلطّفي، اخلعي حذاءه فور وصوله، تحدثي بعذوبة واجعليه يسترخِ، أنصتي باهتمام له ولا تتذمري، ودعيه يستمتع بليله الطويل ولو بعيدًا عنك). تعلّق لويز هاي على تلك الوصايا التي تتجاوز العشر، موجهة النصح بدورها إلى المرأة، لتقول: "لا توجد مشكلة في اتباع أي من الأمور السالف ذكرها إذا ما أردتِ القيام بها. ولكن، يجب أن تدركي أن معظم النساء في ريعان الشباب في هذا العصر قد اعتدن على إنكار أنفسهن بالكامل من أجل إسعاد أزواجهن. فهذا ما يجب أن تكون عليه المرأة الصالحة. وقد كان هذا الأمر بالفعل لصالح الرجل، وليس لصالح المرأة. لذا، علينا نحن نساء الحاضر أن نعيد التفكير في حياتنا. يمكننا أن نجدد من أنفسنا بأن نتعلم أن نسأل عن كل شيء، بما في ذلك الأشياء التي تبدو اعتيادية، مثل: الطهي، والنظافة، والعناية بالأطفال، وقضاء المهام اليومية، وقيادة السيارة وغيرها. علينا أن نتدبر من جديد كل الأشياء التي اعتدنا القيام بها بشكل تلقائي. هل نريد أن نقضي بقية حياتنا ولدينا القليل فقط من الآراء والأفكار التي نفقدها بمرور الوقت؟". لا يفُوتها وهي في هذا النطاق الضيق، من المفاضلة بين المرأة المتزوجة والمرأة غير المتزوجة، إذ أن المرأة غير المتزوجة في وجهة نظرها تنعم بحياة كاملة تملكها بأسرها، فهي تتعلم وتعمل وتكسب وتسافر وتخلق الصداقات وتعزز الكثير من قيم الثقة بالنفس.
وعلى نطاق أوسع من حدود الحياة الزوجية، تؤمن الكاتبة بأن نجاح المرأة هو في حقيقته نجاح وتقدّم وازدهار للمجتمع ككل، إذ تقول: "إن مساندة المرأة هي أفضل شيء نستطيع القيام به. فعندما تُقهر المرأة نخسر جميعًا، وعندما تفوز المرأة نفوز جميعا"، وتؤمن كذلك بأن المستقبل هو نتاج ما نصنعه في الحاضر، فتقول من جديد في تفاؤل وحكمة: "إذا أردنا أن يكون المستقبل إيجابيًا، يجب أن نغير تفكيرنا من اليوم. فأفكار اليوم تشكل خبرات المستقبل". ثم بعيدًا عن هذا النطاق الخارجي العريض، تتجه هاي نحو مكنونات المرأة في داخلها، فتؤكد ما للتوكيدات اللفظية الإيجابية والمعززة للثقة بالنفس من بالغ الأثر في شحذ الطموح وتفعيل الأهداف، فتسرد بالتالي عددًا مطولًا منها تحثّ فيها المرأة على تكرارها وفق مسامعها بشكل يومي، حتى تألفها نفسها بمرور الوقت وتصبح واقعًا تحيا بها. ومنها على سبيل المثال: "أحب كوني امرأة"، و"أنا امرأة قوية"، و"أنا مسؤولة عن حياتي"، و"الحياة مليئة بالسعادة والحب"، و"لدي الحكمة والجمال"، و"لدي كل يوم أفكار جديدة ومختلفة"، و"إن أول ما أحبه في حياتي هو ذاتي"، و"لا يوجد شيء يحدّ من حريتي"، و"لدي الحرية في أن أصبح كيفما أريد"، و"أعمل على أن تزيد قدراتي"، و"أساهم في المجتمع بطريقة إيجابية وبناءة"، و"إنني مسؤولة عن تدبير نفقاتي والعناية بصحتي والتخطيط لمستقبلي"، و"أفكر في السبل التي يمكن إصلاح العالم من خلالها، وأعمل على تطبيقها"، و"أحب صديقاتي وأساندهن، وأشعر بالسعادة لوجودهن في حياتي"، و"أقضي وقتًا للتأمل وممارسة رياضة المشي، وأستمتع بالطبيعة وبقضاء الوقت بمفردي"، و"إن السنوات الأخيرة من حياتي هي بمثابة كنوز"، و"إنني في أمان دائمًا ما دامت العناية الإلهية تحميني". من ناحية أخرى، وبينما تؤكد الكاتبة على أن (الاعتناء بالمظهر، الحرص على التعليم، الاستقلال المادي، التواصل روحيًا مع الحياة) هي أمور تعزز من ثقة المرأة بنفسها، فإن ما تقوم به إعلانات جراحات التجميل ـ لا سيما غير الضرورية ـ لا ترسّخ سوى شعور المرأة بالنقص، ولا تعزز ثقتها بنفسها في شيء طالما أنها تفتقد في الأساس إلى عامل الثقة الذي ينبع عادة من أعماق الذات، لا من أي مؤثر خارجي آخر.
ختامًا، وبما أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، تولي لويز هاي الروح الإنسانية أهمية عظمى من أجل خلق حياة ضمن نطاق لا مادي وحسب، بل قيمي مقرّه القلب... فإن للروح قيمًا وشمائل وأخلاقًا وفضائل تنمو بها، فتوصي قائلة "علينا جميعًا أن نتعلم التسامح، وأن نحب أنفسنا، وأن نعيش الحاضر... وبذلك نستطيع أن نعالج قلوبنا".
إنه بحق كتاب عن المرأة وللمرأة، الإنسانة قبل أي شيء!