}
عروض

كيف يؤثر "الإدمان الإلكتروني" على الأفراد؟

صدام الزيدي

11 سبتمبر 2024

 

في كتاب صدر مؤخرًا، بعنوان "الإدمان الإلكتروني"، يناقش الباحث الكويتي، طلال إبراهيم المسعد، الإدمان الإلكتروني وإدمان الإنترنت وتأثير ذلك على الأفراد لا سيما الشباب والمراهقين.

الكتاب جاء ضمن إصدارات المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية (سلسلة الثقافة الصحية)، وهو منظمة عربية تتبع إلى مجلس وزراء الصحة العرب، ومقرها الدائم في دولة الكويت.

يتوزع الكتاب على أربعة فصول: ماهية الإدمان الإلكتروني؛ أعراض الإدمان الإلكتروني وأشكاله؛ كيف يؤثر الإدمان الإلكتروني وإدمان الإنترنت على الأفراد؟؛ دور الأسرة والمدرسة والمجتمع في الوقاية والعلاج.

يشير الباحث إلى أنه من الواضح أن الأفراد الذين يقضون ساعات طوال على الإنترنت لا يعتبرون الشبكة أداة تواصل فحسب ولا يستخدمونها لمجرد الاستمتاع فقط، بل أيضًا يحسبونها شكلًا من أشكال الهروب الذي يسمح لهم بنسيان همومهم ومشكلاتهم اليومية. مبيّنًا أنه وخلال الاتصال بالإنترنت يشعر الفرد بالسعادة والراحة فهو أشبه بإحساس المدمن الذي يتعاطى الكحول أو المخدّرات، وعندما ينقطع الاتصال يختفي ذلك الشعور ويعود الفرد إلى المشكلات والمسؤوليات الحقيقية لكنه يجد صعوبة في مواجهتها لشعوره بالذنب جرّاء الإهمال والتقصير مما يدفعه إلى عدم التوقف ومواصلة البقاء على الإنترنت لفترة أطول.

ويفيد الباحث أن عدد مستخدمي الهواتف الخليوية في ازدياد مستمر حول العالم، فحاليًا يوجد أكثر من (3.5) بليون مستخدم والرقم في تزايد مخيف، مستدركًا بالقول إن الخبراء لا ينصحون بالتخلص من الهواتف أو الأجهزة الإلكترونية الحديثة بل تقنينها بحيث "لا تقتحم خصوصيتنا وتؤثر على تفكيرنا وعلى سلوكنا": نحن نعتقد أن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية تبقينا على تواصل مع الأخرين ولكن يعتقد (خبراء ومختصون) أنها تحوِّلنا إلى أفراد غير أسوياء وضيِّقي الأفق وتصيبنا بأعراض مثل التشدّد والعدوانية والانعزال. فهذه الأجهزة من غير أن نشعر تحوّلنا إلى كسالى بليدي المشاعر لا نأبه لما يدور من حولنا.

ومتسائلًا: هل الإنترنت نعمة أم نقمة؟، يؤكد الباحث أن هذه الأجهزة (واستخدام الإنترنت) كحال معظم الاختراعات التكنولوجية، تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية بحسب نوع الاستخدام.

ووفقًا للباحث، فقد بات من الشائع وجود الإنترنت في معظم الأماكن التي يرتادها العامة مثل: المطاعم، المقاهي، الأسواق، الأماكن الحكومية والرسمية، المدارس، الجامعات، المطارات، الفنادق، المنازل، وغيرها، وأصبح مستخدمو الإنترنت من فئات عمرية مختلفة من الذكور والإناث. ومع التطور التكنولوجي السريع أصبح الإنترنت في متناول الجميع وبسعر أقل تكلفة. ثم إن بعض الناس ييالغون في استخدام الإنترنت حيث يقضون وقتًا طويلًا مع هذه التكنولوجيا المثيرة والساحرة، مما يؤدي إلى تضرّر حياتهم الاجتماعية والعائلية والمهنية بشكل ملحوظ. ومن هنا انتشرت ما يسمى بظاهرة "إدمان الإنترنت".

وينقل الباحث من إحصائيات هي نتاج عدة دراسات تُبيِّن أن نحو 90% من مستخدمي الإنترنت هم من الأطفال والشباب، وأن ما يقرب من 50% منهم مدمنون على الإنترنت ويعانون اضطرابات نفسية واكتئابًا.

وتظهر المشكلة عندما يتصاعد سلوك الإدمان ويصبح قسريًا إلى درجة المبالغة بحيث يصبح خيار التوقف عن الإنترنت هاجسًا رئيسيًا. وما يجعل المشكلة أصعب هو أن الإنترنت أصبح جزءًا مهمًا من حياتنا اليومية الاعتيادية.

تعريف إدمان الإنترنت

يشير الباحث إلى جهود الباحثة في جامعة بتسبرج في ولاية بنسلفانيا الأميركية، كيمبرلي يونج (Kimberly Young)، والتي عرّفت إدمان الإنترنت عام 1998 بأنه: "الاستعمال المفرط للإنترنت الذي ينتج عنه مشكلات اجتماعية ونفسية إضافة إلى صعوبات في العمل والدراسة".

في حين عرّفه شارلتون في عام 2002، بأنه: "الاستخدام المفرط للإنترنت الذي يولِّد أعراضًا جسمانية ونفسية واجتماعية تعتبر علامات ومؤشرات واضحة على الإضطرابات الإكلينيكية". ويقتبس الباحث تعريفًا آخر يقول إن: "إدمان الإنترنت يشبه إدمان مادة مخدِّرة ما قد يتعاطاها الإنسان، ثم لا يقدر على الاستغناء عنها، وإذا استغنى عنها تسبّب ذلك في حدوث أعراض الانسحاب التي تعرِّضه لمشكلات بالغة". وثمة تعريف آخر، أيضًا، لإدمان الإنترنت، أنه: "حالة من انعدام السيطرة والاستخدام المفرط للمواقع الإلكترونية، ما يؤثر تأثيرًا سلبيًا على ممارسة الفرد الطبيعية لمهامه الحياتية بحيث تعتريه، نتيجة لذلك، اضطرابات نفسية وسلوكية واجتماعية قد تتشابه مع غيرها من الاضطرابات التي تعتري الشخص المدمن للعقاقير والمواد المؤثرة نفسيًا وسلوكيًا".

ويورد الباحث قائمة بعلامات الإدمان، منها أن المدمن يقضي وقتًا طويلًا بمفرده أمام الحاسب الآلي أو الهاتف المحمول بشكل يومي ويكون في موقف المدافع والرافض عندما ينتقد أحد سلوكه مع الأجهزة الإلكترونية، غير مدرك بأن سلوكه سلبي ويرفض الاعتراف بذلك، ويفقد الاهتمام بالأنشطة الأخرى البديلة مثل: الرياضة وقضاء الوقت مع الأصدقاء، ويكون معزولًا اجتماعيًا متقلب المزاج، وتظهر نتائج غير مرضية عن أدائه في المدرسة أو الجامعة أو العمل، وتتضرر مسؤولياته المنزلية والاجتماعية، ويعاني أحيانًا من بعض المشكلات الأخلاقية أو القانونية من خلال مشاهدته أو إرساله بعض الرسائل أو المعلومات أو الصور المنحرفة.

ولأن أكثر مستخدمي الإنترنت هم من شريحة الشباب، ينبّه الباحث من عواقب الإدمان بين أوساط الشباب حيث تتدمر بنية الأسرة والمجتمع، عندما تتسرّب من خلال الإنترنت معلومات وثقافات عديدة قد تساعد في هدم قيم وعادات المجتمع التي تعوّدنا عليها؛ خاصة إذا كان هؤلاء الشباب يفتقرون إلى الوعي الثقافي لترشيح هذه المعلومات واستخدام المفيد منها والابتعاد عن الضار، محذّرًا من أن كثيرًا من المواقع الهدامة تستقطب الشباب من خلال ما يسميها بـ"الأفكار الفاسدة"، التي تصيب المجتمع والفكر في مقتل. ويتابع "لعل المتطرفون يستخدمون الإنترنت لطرح أفكارهم الموجهة للتأثير على الشباب لدفعهم على اقتراف بعض الأعمال الإرهابية ضد المجتمعات والمدنيين". أما أهم أضرار إدمان الإنترنت على الشباب، فيلخصها في "تهديد الأمن المجتمعي؛ التأثير على الهوية الوطنية المستمدة من العادات والتقاليد؛ الاكتئاب: تدهور التحصيل الدراسي؛ ضعف إنتاجية الفرد؛ مشكلات الصحة النفسية والبدنية؛ انتشار كلمات بديلة من غير لغتنا العربية؛ التعرّض لجرائم إلكترونية مثل التحرش الإلكتروني والسبّ والقذف والقرصنة والاختراق والنصب والاحتيال والتهديد والابتزاز وانتحال الشخصية والتحريض على الفسق والفجور وربما التهديد بالقتل".

وفي ضوء تلخيصه لعدة دراسات حول آثار الإدمان الإلكتروني، يجد الباحث أن تأثير الإنترنت وإدمانه له علاقة واضحة على العزلة الاجتماعية والتوافق الاجتماعي والثقة بالنفس والسلوك العدواني والأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق والتحصيل الدراسي لطلبة الجامعات والمدارس، إضافة إلى بعض المشكلات الصحية مثل السمنة. ويفيد الباحث أنه اتضح تفوّق الذكور في الإدمان وفقًا لبعض الدراسات، بينما تشير دراسات أخرى إلى تفوّق الإناث، منوّهًا إلى أن أغلب الدراسات التي تناولت إدمان الإنترنت ركّزت على أطفال المدارس والشباب في الجامعات ولم تشمل البالغين.

ويشير في السياق نفسه، إلى أن الباحثة الأميركية يونج، أوضحت، في عام 2004، أنه توجد أشكال متعددة للإدمان الإلكتروني يلجأ إليها الأشخاص (المدمنون)، تتلخص في: إدمان جمع المعلومات من قواعد جمع البيانات وخاصة لدى الطلبة والباحثين ومتصفحي الصفحات الإلكترونية، وهذا يشكل 84% من مستخدمي الإنترنت؛ الإدمان على الألعاب الإلكترونية والسلوك القهري لمنافسة اللاعبين في المواقع نفسها؛ إدمان العلاقات الاجتماعية وغرف الدردشة، حيث يصبح ذلك الأمر سلوكًا قهريًا يؤدي بصاحبه إلى بناء علاقات اجتماعية جديدة تفضي به أحيانًا إلى خسارة حياته الأسرية وأصدقائه.
أما أغلب الخبراء فيؤكدون أن هناك خمسة أنواع لأشكال الإدمان الإلكتروني، هي: إدمان الألعاب والبرامج الإلكترونية؛ إدمان العلاقات الاجتماعية الإلكترونية؛ إدمان المواقع الإباحية والجنسية؛ إدمان المعلومات؛ إدمان الكمبيوتر.
وفي المجمل، هنالك عدة أشكال للإدمان الإلكتروني، تتمثل في: إدمان الألعاب الإلكترونية؛ إدمان شبكات التواصل الاجتماعي؛ التسوق القسري؛ إدمان المواقع الإباحية؛ إدمان المواقع الإلكترونية الضارة.

آثار سلبية

يفيد الباحث أن خلاصة 250 دراسة أجريت في بلدان مختلفة، أظهرت خطورة الإدمان الإلكتروني والسلوكيات المرتبطة به، حيث تبيَّن أن الاضطراب المصاحب للألعاب الإلكترونية، على سبيل المثال، ينتشر بصورة كبرى بين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 12- 20 سنة. ووفقًا لهذه الدراسات فإن الاضطراب يسود أكثر في البلدان الآسيوية مقارنة بأميركا الشمالية وأوروبا (ماري أيكن، 2017). وتشير دراسات أخرى إلى أن أكثر من 300 مليون شخص في العالم يعانون الاكتئاب. وتوضح تلك الدراسات وجود علاقة وطيدة بين إدمان الإنترنت والاكتئاب، كما أن الأشخاص المكتئبين يتصفحون الإنترنت أكثر من غيرهم رغبةً منهم في تغيّر مزاجهم والابتعاد عن الاكتئاب ولو لفترة وجيزة (أورميرود، 2017). ومن أهم الآثار السلبية للإدمان الإلكتروني وإدمان الإنترنت: العزلة الاجتماعية والوحدة، التأثير على الثقة بالنفس، الغيرة في العلاقات الاجتماعية، الحسد، اضطرابات النوم، القلق، الاكتئاب، التوتر، الإصابة بالجلطات الدموية، النرجسية، النوبات الهستيرية، اضطراب الألعاب الإلكترونية، وهدر وقت طويل على الإنترنت. 

وفي الختام يتطرق الباحث إلى كيفية الوقاية من المحتويات الإلكترونية الضارة، مقدِّمًا توصيات إلى الآباء والمدارس والمجتمع، ترمي إلى الحدّ من تنامي ظاهرة الإدمان الإلكتروني.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.