من جديد، يعاود المهرجان القومي للمسرح المصري فعالياته في نسخته السابعة عشرة، والتي جرت على مدار 18 يومًا، في الفترة من 30 يوليو/ تموز وحتى السابع عشر من أغسطس/ آب الماضي. تنافس على جوائز دورة هذا العام 37 عرضًا مسرحيًا مثلت التيارات كافة. كما شمل برنامج المهرجان عددًا من الفعاليات المصاحبة والموزعة بين الورش والمحاور الفكرية. هذا إلى جانب مجموعة من الإصدارات انحصرت موضوعاتها ككل عام حول شخصيات المكرمين، بواقع عشرة كتب، بخلاف كتاب سيدة المسرح "سميحة أيوب"، التي تحمل هذه الدورة اسمها.
سيدة المسرح والدراما
يُعد الفنان زكي طليمات من أهم الأسماء الرائدة في تاريخ المسرح الحديث، ليس على المستوى المحلي في مصر فقط، بل امتدت إسهاماته المسرحية لبعض الدول العربية أيضًا. والمتتبع لمسيرة طليمات يتلمس مدى تنوعها من خلال عدد من المحطات الهامة في حياته الإبداعية؛ حيث لم يقتصر نشاطه على التمثيل، أو الإخراج المسرحي، وبعض الأدوار السينمائية، بل قام أيضًا بترجمة بعض أعمال تشيخوف. كما خاض تجربة الإنتاج السينمائي عام 1959 بفيلم "من أجل امرأة"، من إخراج كمال الشيخ، حيث شارك طليمات في التمثيل. ويرجع إليه الفضل في تأسيس المسرح المدرسي في مصر عام 1937، حين استعانت به وزارة المعارف كأول مراقب للمسرح المدرسي.
علي جانب آخر، كان لطليمات الفضل في اكتشاف عدد كبير من الوجوه الفنية الجديدة في حينها، والتي أصبحت في ما بعد ملء السمع والبصر. ومن ضمن هذه الأسماء واحدة تعد آخر جيل العملاقة ممن تتلمذوا على يديه، فنانة المسرح والدراما سميحة أيوب، التي تحمل الدورة اسمها تكريمًا لرحلة عطاء تجاوزت نصف قرن، قدمت خلالها مئات الأدوار والأعمال المتنوعة، سواء فوق خشبة المسرح، أو في الإذاعة والسينما والتلفزيون، وهو ما نتعرف عليه بالتفصيل في كتاب "سميحة أيوب: طريق المجد والأشواك" للناقد الأمير أباظة، رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما، ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي، والذي يؤكد في كتابه على أن "سميحة أيوب ليست مجرد نجمة للمسرح المصري والعربي، أو سيدة له وأميرة تحمل تاجه، بل هي أيقونة من أيقونات المسرح".
ولدت سميحة أيوب في حي شبرا بالقاهرة سنة 1932، ولم تأتِ بداية رحلتها مع الفن إلا عن طريق الصدفة وهي في الرابعة عشرة من عمرها تقريبًا، حين رافقت صديقة لديها موعد اختبار في معهد التمثيل، وكان حديث العهد آنذاك، وهناك قابلت للمرة الأولى الفنان زكي طليمات، الذي كان ينظر لها بعين الرضى والقبول كما تروي. وحين سئلت من أحد أعضاء اللجنة عن سبب مجيئها وأجابت، عرض عليها التمثيل... "تحبي تمثلي"، فأجابت بخجل "نعم"...، "تحبي تكوني زي مين من الممثلين"... "ليلى مراد ويوسف وهبي"، وكان العميد حاضرًا بصفته أحد أعضاء لجنة الاختبار...، "ولأن عمرها لا يؤهلها للالتحاق بالمعهد، قيدت مستمعة إلى أن تتم 16 سنة، وخلال ذلك الوقت تجاهلها طليمات تمامًا".
ترى أيوب أن المسرح بمثابة بيت لها لا يمكن الاستغناء عنه، ترأست المسرح القومي المصري مرتين على مدار 14 عامًا، وهي أطول مدة إدارة لمسرح. وبخلاف التمثيل، قامت بإخراج عدد من المسرحيات، من بينها "مقالب عطيات" (1972)، وشاركت فيها البطولة مع الفنان عبد المنعم إبراهيم، وكانت آخر مشاركتها المسرحية من خلال عرض "يا احنا يا هي" (2009)، من إخراج محسن حلمي، وشاركها البطولة كل من عبد الرحمن أبو زهرة، وسمير صبري. وفي عام 2012، قامت بدور مميز في فيلم "تيته رهيبة"، مزجت فيه بين الكوميديا والدراما، وهو ما لاقى انتشارًا كبيرًا، خصوصًا بين فئة الشباب، كما يعكس حرص أيوب على التواصل الدائم مع هؤلاء الشباب، سواء بالمشاركة، أو بالدعم، وربما كانت تجربة مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي خير مثال على ذلك.
المسرح الخاص ومدرسة الضحك
كان أبو السعود الإبياري واحدًا من فرسان الضحك والإضحاك، سواء في السينما، أو المسرح؛ وإن غلبت شهرته في الأولى عن الثانية. أنجب الإبياري ثلاثة أبناء ساروا على درب أبيهم نفسه، ممتهنين الكتابة والإنتاج منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكانوا من العلامات المميزة في مسرح القطاع الخاص ما يربو على ثلاثة عقود. اختار المهرجان تكريم الكاتب أحمد الإبياري (الابن الأوسط) على مشواره الفني، والذي صرح في أثناء الحفل بأن هذا التكريم يعد لكل العائلة؛ لأخويه ومن قبلهم لأبيه الذي وضع حجر الأساس منذ تسعين عامًا، ونحن حريصون على تكملة المسيرة.
بدأ أحمد الإبياري مشواره الفني بمسرحية "بحبك وشرف أمي" (1975)، من بطولة فريد شوقي، وتظهر في العنوان اللازمة الشهيرة لملك الترسو، أما آخر مسرحياته فكانت في العام الماضي بعنوان "كازينو بديعة"، وبحصيلة تقارب خمسين مسرحية. ولأنه جمع بين الكتابة والإنتاج المسرحي، فهو يؤكد دائمًا على أن "المنتج كان هو سر نجاح المؤلف"، وحققت المسرحيات التي قام بتأليفها وإنتاجها رواجًا كبيرًا على مدار ثلاثة عقود تقريبًا، نذكر منها: "القشاش ــ البعبع ــ هات وخد ــ العسكري الأخضر ــ خد الفلوس واجري"، هذا بخلاف مجموعة من المسرحيات الشهيرة لنجم الكوميديا الراحل سمير غانم، مثل: "أنا ومراتي ومونيكا ــ دو ري مي فاصوليا".
رحلة طويلة يتتبعها الكاتب رشدي الدقن، مدير تحرير "روز اليوسف"، تحت عنوان "أحمد الإبياري: عاشق المسرح"، عارضًا عدد الأدوار التي قدمها الإبياري للمسرح، سواء أكان في الإنتاج والكتابة، أم في إعادة اكتشاف النجوم التي برع فيها. تعاونت عائلة الإبياري مع عدد كبير من النجوم، بداية من الزعيم عادل امام، وحتى شباب المسرحيين، وكان من أشهر هؤلاء الفنانين نجما الكوميديا أحمد بدير، وأحمد آدم.
في كتابه "أحمد بدير: تنوع الأداء وعمق التجربة"، يقول الصحافي والإعلامي جمال عبد الناصر: "رغم التصنيف الخادع بأنه ممثل كوميدي، فإن أعماله التراجيدية علامات ملهمة، ومنها الزيني بركات، وأدواره المتعددة في سينما يوسف شاهين، وغيرها من الأدوار التي صال وجال فيها بعيدًا عن الكوميديا، سواء أكان في السينما، أم في المسلسلات التلفزيونية والإذاعية".
يقسم عبد الناصر كتابه إلى عدد من المستويات البحثية، تشمل التكوين والمنشأ، مرورًا بأشهر المحطات الفنية، ومنها حكايات ربما تروى لأول مرة، بجانب ذلك يرصد الباحث ملامح الحركة النقدية، وما تم تناوله من كتابات صحافية، أو نقدية. قدم بدير عبر مشواره الفني عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية، تنوعت بين السينما والمسرح والدراما، ومن بينها: "مطلوب عروسة ــ كباريه ــ خللي بالك من عقلك"، ودوره الشهير في مسرحية "ريا وسكينة" (1982)، كما قام ببطولة عدد من المسرحيات الجماهيرية، مثل: "الصعايدة وصلوا ــ جوز ولوز ــ تكسب يا خيشة ــ مرسي عاوز كرسي"، وكلها تنتمي إلي المسرح الخاص.
حول أحد الأسماء اللامعة في المسرح الخاص يدور كتاب الصحافي سمير عمر بعنوان "أحمد آدم: الفنان الشقيان". يقول عمر في كتابه: "سئل أحمد آدم ذات مرة: هل قدمت أعمالًا أنت غير راض عنها؟ فقال بكل ثقة... طبعًا، قبلت أدوارًا لم أكن راضيًّا عنها في أول مشواري، ولكن كانت في حدود ضيقة، ولم أكن أتنازل كثيرًا". وكانت البداية مع الفنان محمد صبحي في عدد من المسرحيات، من بينها: "الهمجي ــ أنت حر ــ المهزوز"، كما قام ببطولة مسرحيات "القشاش ــ فيما يبدو سرقوا عبده ــ حودة كرامة"، إلا أن غالبية الأفلام التي قام ببطولتها لم تكن بقوة سابقيها، ومنها: "ولا في النية ــ شجيع السيما ــ هو في إيه"، وسلسلة أفلام القرموطي.
نجوم في الظل
عرضت مسرحية "تخاريف" من تأليف لينين الرملي سنة (1988)، البطولة والإخراج لمحمد صبحي، بمشاركة عدد كبير من الفنانين كان من بينهم عبد الله سعد، ذلك الملاكم الأسمر الذي ينازل أحد أبناء عائلة "الندمان"، وفي أحد المناظر يردد الملاكم مقطعًا من أغنية أجنبية، ولكن في قالب أوبرالي، وبمهارة عالية، فيظن بعض الحضور أن الأمر لا يتعدى مجرد إتقان من ممثل، إلا أن الحقيقة غير ذلك تمامًا، ولا يعرفها إلا القلة، أو المتخصصين، وربما هو قدر عدد كبير من الفنانين لا يُعرف عن نجوميتهم شيء، من هنا تأتي أهمية هذا التكريم والكتاب أيضًا الذي يُسلط الضوء على أحد هؤلاء النجوم، وقام بتأليفه د. كمال يونس تحت عنوان "د. عبد الله سعد: لؤلؤة الأوبرا السمراء".
بدأ سعد حياته الفنية طالبًا بقسم الغناء في معهد الكونسرفتوار الذي تخرج فيه مقتبل الثمانينيات، وكان ترتيبه الأول على الدفعة، ما أتاح له عمادة المعهد، كما التحق بفرقة الأوبرا كمغنٍ، وتوالت في ما بعد رحلته مع العالمية، حيث عمل كمساعد مخرج مع مخرجين من أميركا، وفرنسا، وإيطاليا، وبولندا، ليصبح "مخرج الأوبرا الأول في مصر والشرق الأوسط"، موليّا اهتمامًا خاصًا لفن الأوبرا، ما حدا به إلى الابتعاد كثيرًا عن الأعمال الفنية، حيث لم يُشارك سعد سوى في بعض الأدوار الصغيرة في عدد من المسلسلات والأفلام، من أشهرها "العميل رقم 13، مجانين على الطريق، وأمير الظلام".
يتناول يونس في كتابه تحليل التجربة الفنية لعبد الله بوصفه مخرجًا لفن الأوبرا، إلى جانب ذلك يقدم قراءة لبعض عروضه الأوبرالية، مثل "أوبرا عايدة ــ الحفل التنكري ــ أوبرا ريجوليتو"، التي يصفها بـ"جوهرة تاج دار الأوبرا المصرية". كما يضم الكتاب عددًا من الشهادات، وحوارًا قصيرًا مع عبد الله أُستهل بسؤال عن موقع الأوبرا العربية على خارطة فن الأوبرا العالمي، فأجاب: "التأليف للأوبرا العربية يتطلب مؤلفًا موسيقيًا يجيد تلحين وعزف الجمل اللحنية الشرقية والعربية، لتكون هناك خصوصية تميزنا كمجتمع شرقي وعربي، وطابع خاص بنا، وليس تقليدًا للغرب". يعكف عبد الله حاليًا على إعادة تقديم أوبريت "أيام العز"، أحد روائع بديع خيري، والذي قدم لأول مرة في أواخر العشرينيات، وهو من ألحان داود حسني، وبطولة نجيب الريحاني، وبديعة مصابني.
في كتابها "د. عاطف عوض: إبداع مصري بروح عالمية"، تتوقف الباحثة وعازفة الفيولا الدكتورة رشا يحيى أمام عدد من المحطات الهامة في حياة مصمم الرقصات والاستعراضات عاطف عوض، نجل فنان الكوميديا الراحل محمد عوض، حيث تعرفت على تجربته منذ الطفولة كما تقول، "بحكم انتمائي لأكاديمية الفنون، وكان أستاذًا لبعض أصدقائي ودفعتي من معهد الباليه". كوّن عاطف فرقة خاصة به قوامها ما يزيد على تسعين راقصًا وراقصة، شاركته في جميع أعماله، سواء على خشبة المسرح، أم من خلال السينما والتليفزيون، "وكان شديد الدقة في اختيار أعضاء الفرقة، فكان يختارهم من طلابه في معهد الباليه، أو ممن يفوزون في المسابقات المختلفة التي كان يحكم فيها".
كما تؤكد يحيى على أن عاطف قد "أظهر اختلافًا وتميزًا في تصميماته عمن سبقوه، وخلق لنفسه طابعًا ولونًا جديدًا لا يتشابه مع أحد، وأصبحت له بصمة فريدة تعتمد على التجديد والإبهار والمزج بين الأنواع المختلفة من الرقص". وقامت الباحثة بوضع ببليوغرافيا وافية لمسيرة الفنان الاستعراضية، ويحتوي الكتاب أيضًا على عدد كبير من الشهادات، من بينها كلمة للفنان علاء عوض، كشاهد على تجربة أخيه منذ بدايتها: "كان عاطف طموحًا، منذ صغره يحب النجاح، يذهب إليه لتحقيق أهدافه، كان يعمل دائمًا في صمت، لا يحب الظهور إعلاميًّا إلا في ما ندر، يعمل كثيرًا، ويترك عمله هو من يتكلم ويتحدث عنه".
من أشهر الأفلام التي وضع عوض استعراضاتها: "سمع هس ــ يا مهلبية ياــ كريستال ــ رشة جريئة". وفي الدراما التلفزيونية: "سراي عابدين ــ وآن الأوان"، إلى جانب عدد من الفوازير الرمضانية، مثل "إيما وسيما ــ أبيض وأسود ــ حاجات ومحتاجات"، وفي آخر مشاركة في تقديم الفوازير لنجمة الاستعراض شريهان، التي تعاون معها أيضًا في مسرحية "شارع محمد علي"، بالإضافة إلى عدد كبير من المسرحيات، سواء في القطاع الخاص، أو مسرح الدولة، ونذكر منها: "الملك لير ــ حزمني يا ــ الزعيم ــ حكيم عيون ــ البندا..."، وغيرها. وإلى جانب ذلك، قام عوض بتصميم الاستعراضات لعدد من الاحتفاليات الوطنية، وحفلات افتتاح وختام مجموعة من المهرجانات الفنية بلغت 12 مهرجانًا دوليًا.
في سياق مشابه، وبعيدًا عن الأضواء أيضًا، يأتي كتاب "د. نجوى عانوس: حارسة الذاكرة المسرحية"، للناقد عماد مطاوع، مدير تحرير مجلة "المسرح"، فقد جرت العادة على تصدر النجوم للمشهد الفني، وربما يأتي صناع العمل في المرتبة الثانية من حيث الشهرة وما شابه، في حين يأتي الكتاب والنقاد في ذيل القائمة، حيث تقتصر معرفتهم غالبًا على المتخصصين والباحثين، أو عشاق الفن، على أقصى تقدير. بدأت عانوس رحلتها النقدية منتصف السبعينيات بدراستها عن "مسرح يعقوب صنوع"، التي نالت عنها درجة الماجستير من كلية الآداب جامعة عين شمس. يقول عنها د. محمد شيحة في شهادته: "عندما عاد د. فوزي فهمي، بعد أن فرغ من مناقشة الرسالة، حدثنا عن موضوع الرسالة، وعن الباحثة التي حصلت بموجبها على أعلى تقدير، وقد أثنى على أسلوبها وطريقتها في المناقشة، وفي الدفاع عن موضوعها".
يتوزع الكتاب على ستة فصول تتناول بعض المحطات الهامة في حياة عانوس، كما يقدم الباحث قراءة في مشروعها الفكري وملامح من سيرتها العلمية، علاوة على البورتريه الشخصي وملحق الصور، يتحدث مطاوع في فصل "قبل أن تقرأ" عن تجربته الشخصية مع اسم نجوى عانوس، الذي كثيرًا ما التقى به منذ بداية علاقته بالمسرح... "وكنت حريصًا على متابعة إصدارات د. نجوى ــ التي تفضلت مشكورة وأهدتني معظمها ــ واندهشت كثيرًا لعدم اهتمام المؤسسات الثقافية بهذا المنتج الضخم، فكيف يتركونها تطبع كتبها على نفقتها الخاصة، وتتحمل عبء توزيعها وتسويقها"؟
"الإبداع بوجوه متعددة"
عنوان جيد اختاره الكاتب الصحافي محمد عبد الرحمن لكتابه عن الفنان المتميز أسامة عباس، إلا أن المهمة لم تكن سهلة على أية حال... "فالمتاح عن الرجل من مراجع موثوقة نادر، وأحاديثه التلفزيونية قليلة، وتدور جميعها في إطار واحد من الأسئلة"، لذلك رغب الكاتب في إجراء حوار مطول مع عباس لاستكشاف رحلته الفنية الطويلة، لكنه يصطدم برفض عباس لأي حوارات أو تواصل، وكان آخر ظهور لعباس منذ عامين في مسلسل "المتهمة"... "وبعدها دخل الرجل في عزلته الاختيارية، ويبدو أنه يرفض هذه المرة الخروج منها، ففي حوار معه عن سبب اختفائه وابتعاده عن الشاشات، قال بكل أسى وحزن: بقالي 50 سنة بشتغل، كفاية كده... عشان الناس تفضل تحبني".
بدأ عباس حياته الفنية مقتبل الستينيات، وكانت الانطلاقة مع ثلاثي أضواء المسرح، من خلال مسرحية "طبيخ الملائكة" (1964)، محققًا نجاحًا كبيرًا، ما شجع الفرقة على الاستعانة به للمشاركة في فوازير "وحي يا وحي"، التي استمر عرضها لسنوات. من أشهر المسرحيات التي شارك فيها: "فندق الأشغال الشاقة ــ جوليو رومييت ــ لا مؤاخذة يا منعم ــ مع خالص تحياتي"، بما يزيد على عشرين مسرحية، وتبقى الدراما التلفزيونية هي المجال الأكبر في تجربته، حيث قدم ما يزيد على 200 عمل درامي، تنوعت بين سهرات، أو مسلسلات، نذكر منها "رأفت الهجان ــ بوابة الحلواني ــ رحلة أبو العلا البشري ــ دموع في عيون وقحة".
إلى جانب ذلك، قدم عباس للسينما ما يزيد على خمسين فيلمًا، لعل من أشهرها الفيلم التلفزيوني "الوزير جاي" (1986)، مفسحًا المجال لطاقاته الإبداعية، سواء في الدراما، أو الكوميديا، ومنها: "الغول ــ الحقيقة اسمها سالم ــ يا عزيزي كلنا لصوص ــ فيفا زلاطا". يعد أسامة عباس واحدًا من القلائل الذين لم ينشغلوا بحجم الدور، أو بالبطولة الأولى، لذلك يتكرر في رصيده عدد من الأدوار الصغيرة التي ربما لا يتجاوز حجم بعضها مجرد مشاهد معدودة، ولكنها قادرة على البقاء وانتزاع الضحكة من المشاهدين، مثل ظهوره العابر كضيف شرف على سبيل المثال في فيلم "ليلة القبض على بكيزة وزغلول" (1988).
على خطى الإبداع نفسه متعدد الوجوه، نطالع كتابين آخرين، الأول للمخرج عادل حسان بعنوان "عزت زين: عاشق بيضحك للمسرح"، والثاني للناقد باسم صادق تحت عنوان "حسن العدل: ناسج الأقنعة". يتناول حسان في كتابه تجربة الممثل والمخرج المسرحي عزت زين، وعلاقته الممتدة مع نوادي المسرح والثقافة الجماهيرية... "عاشق المسرح الذي عرفته صغيرًا ممثلًا، يعتلي خشبات مسارح الفيوم بكل ثقة، رجل مسرح استثناء، لا تجد له من الشبه 40". رحلة كفاح أخرى يرصدها صادق في كتابه عن الفنان حسن العدل، والذي رغم تنوع تجربته المسرحية بين التمثيل والإخراج، انحصرت شهرته الجماهيرية على الفن السابع، حيث تميز العدل بملامح مصرية عبرت عن طبقة البسطاء والمهمشين، ما مكنه من القيام بعدد كبير من الأدوار المميزة التي علقت في أذهان المشاهدين مثل: "المغتصبون ــ حنفي الأبهة ــ مستر كاراتيه ــ مبروك وبلبل..."، وغيرها، لعل من أشهرها شخصية أنور، التي قام بتجسيدها في فيلم "أحلام هند وكاميليا" (1988)، بالإضافة إلى تعاونه مع المخرج العالمي يوسف شاهين في خمسة أفلام، هي: "الوداع يا بونابرت ــ إسكندرية كمان وكمان ــ اليوم السادس ــ المهاجر ــ المصير".
أما الكتاب الأخير، فيأتي بتوقيع الممثلة والكاتبة نسرين نور، تكريمًا لتجربة الفنانة "سلوى محمد علي: عاشقة المسرح الدؤوبة"، كما تصفها نور. تعد سلوى هي الأخرى واحدة من أبطال الدور الثاني والأدوار الصغيرة، قدمت من خلالها عددًا كبيرًا مع الأعمال الفنية المتنوعة بين المسرح والدراما والسينما. وفي الأخيرة تعد سلوى من الأسماء اللامعة في مجال الفيلم القصير، ومشاريع الطلاب الذين كثيرًا ما يلجؤون إليها خصوصًا في ظل عزوف أغلبية النجوم عن المشاركة في تلك الأعمال. تقول في حوار معها: "ما زلت حريصة على تجديد شبابي بالشغل مع الطلبة، فأكثر ما يحافظ على شبابك هو تواجدك باستمرار بين الشباب"، وقد قامت مؤلفة الكتاب بتفريغ عدد كبير من الحوارات المتفرقة لسلوى، وفي قالب درامي بجهد يُحسب لها.
علاوة على ذلك، نجد اسم سلوى أيضًا من أشهر الأسماء المرتبطة بالمسرح المستقل، يقول عنها الفنان أحمد كمال في شهادته: "عرفت سلوى في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، كنت أرى ممثلة شابة تتحرك في ردهات المسرح بهمة ونشاط ملحوظ، أيقنت وقتها أنها ممثلة مجتهدة في بداية مشوارها الفني"، وبرغم مرور ما يزيد على ثلاثة عقود لم تفقد الفنانة نشاطها واجتهادها القديم، والذي تبلور من خلال الكلمة التي ألقتها في أثناء تكريمها في حفل الافتتاح، حيث توجهت بالشكر للرفاق القدامى الذين صنعوا تيارًا مسرحيًا مغايرًا في التسعينيات من خلال مسرح الفرق المستقلة، وكانت البداية مع فرقة "الجرن" للأخوين أحمد ويوسف إسماعيل، وقد قاما بتحويل جرن مهدم في إحدى قرى محافظة المنوفية إلى وسيط مسرحي، قدما من خلاله عددًا من العروض التي احتفت بالجانب الارتجالي بشكل كبير، خصوصًا مع مشاركة أهالي القرية في التمثيل. بعد ذلك انطلقت فرقة أخرى بقيادة مشتركة للفنان عبد العزيز مخيون، والفنانة والمخرجة منحة البطراوي، قدما عروضهما في القاهرة والبحيرة، وضمت الفرقة عددًا من الأسماء الفنية، من بينهم: عبلة كامل ــ أحمد كمال ــ سيد رجب ــ خالد صالح ــ خالد الصاوي- المخرج ناصر عبد المنعم.
وفيما تؤكد سلوى على أهمية تلك الحركة، فإنها تبدي حسرة على عدم توثيقها، حيث لم يكن متاحًا آنذاك تسجيل المسرحيات، علاوة على ذلك رحيل عدد كبير من النقاد والمسرحيين الذين عاصروا تلك الحركة في حريق قصر ثقافة بني سويف، وما أسفر عنه من موت أكثر من خمسين شخصًا. من هنا تناشد سلوى الباحثين والجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الثقافة، بإطلاق مشروع يوثق لتلك الفترة الهامة من تاريخ المسرح المصري المعاصر، مشيرة إلى التجارب التالية، مثل فرقة "الورشة"، وفرقة الفنان هناء عبد الفتاح، وما استجد بعد انطلاق مهرجان المسرح التجريبي؛ لم يخضع كل ذلك للدراسة والأرشفة إلا في ما ندر.