}

مثقفون مصريون عن قانون الصحافة الجديد: خنق المجال العام

إيهاب محمود 15 سبتمبر 2018
هنا/الآن مثقفون مصريون عن قانون الصحافة الجديد: خنق المجال العام
من احتجاجات الصحافيين المصريين

لا تتوقف ممارسات السلطة السياسية في مصر عن إضفاء المزيد من مكبلات الحريات العامة وتضييق الخناق على المجال العام، وتمثلت آخر هذه الممارسات في تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون الصحافة والإعلام الجديد، الذي ثارت بسببه حالة كبيرة من الجدل، سواء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو على أرض الواقع.

من مواد القانون مثلًا، أن تتم معاملة حساب الفايسبوك حال وصول صاحبه لخمسة آلاف صديق أو متابع، على أنه موقع إلكتروني أو صحيفة مطبوعة، وينطبق عليه ما ينطبق على الهيئات الصحافية والإعلامية، في إجحاف كبير، قال عنه محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين: "النص الخاص بالحسابات الشخصية شيء من العبث، فهناك قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يمكن من خلاله التعامل مع هذه الحسابات بدلاً من معاملتها كمواقع صحافية".

ثمة مادة فضفاضة للغاية، تمنح الدولة حق حظر أو حجب أية مطبوعة أو موقع أو حساب فايسبوكي، إذ يمنح القانون للمجلس الأعلى للإعلام حق الحجب والحظر ومنع التداول ووقف الترخيص لاعتبارات مثل تكدير السلم العام، وهي تهمة جاهزة على الدوام، بما في ذلك الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يزيد عدد متابعيها على 5 آلاف متابع، حيث يتم التعامل معها باعتبارها مواقع إلكترونية!

 القانون محبط للغاية، ولا أفهم سر هذا الموقف العدائي الكبير من جانب السلطة تجاه فايسبوك! أفهم طبعًا أنه كان سببًا من أسباب قيام ثورة يناير، غير أن الأجدى هو محاولة فهم أسباب ما جرى لضمان عدم تكرارها مجددًا، أما ما يحدث، فلا يعبر إلا عن جهل وتعمد لاستفزاز هذا الشعب".

الصحافي سامح قاسم يقول: "في العام 2018 فقد الصحفيون حريتهم وبدأوا في عمل لا فائدة تُرجى منه، ويُخشى عليهم جراء ممارستهم له".

يتابع صاحب "ميل إلى السعادة": "لا شك أنه سيأتي يوم تذكر فيه أجيال من الصحفيين عامنا هذا بعبارة كتلك. ومن المؤكد أنهم لن يغفروا لمن ساهم برأيه داعما أو أبدى موافقته أو خطت أنامله بنود هذا القانون، واضعا مهنتهم في مأزق أقل أضراره تكميم أفواههم، وأوسطها التسريح ومن ثم التشرد ومواجهة البطالة والتجويع، أما خطرها الأكبر هو تعرضهم للملاحقة الأمنية والقضائية التي قد تودي بهم إلى غرامة فادحة أو السجن!

القانون الجديد والمشؤوم الذي يفرض على الصحفيين وكذلك المؤسسات الإعلامية مزيدا من القيود وضعه وأقره صحفيون محسوبون على النظام الحاكم الذي لا يُخفي كراهيته للإعلام، واصفين له، دجلا، بأنه الأول من نوعه الذي يمنح الصحفيين حريتهم في ممارسة عملهم وأنه سيفيد جدا في تنظيم العمل الإعلامي بما يخدم المهنة والعاملين بها".

يوضح قاسم: "هذا هو الكلام الذي يُصادف هوى السلطة القائمة والمُستفيدين منها والمُكرسين لها، لكنه في المقابل يثير غضب الجماعة الصحفية التي تحركت بقدر استطاعتها في ظل مناخ خانق ومخيف لوقف العمل بهذا القانون المشبوه الذي تهدد مواده قوام المهنة وحقوق الصحفيين وحريتهم.

القانون وتوقيت الموافقة المبدئية عليه (العاشر من يونيو الماضي) طرحا علامات استفهام كثيرة وملأا الأذهان بإشارات التعجب. إذ تساءلنا جميعا ما الغرض الذي تضمره السلطة والعاملون لصالحها في تكميم الأفواه والحد من حرية الإعلام؟ ولماذا تمت الموافقة المبدئية عليه في ذكرى احتجاجات الصحفيين ضد قانون مماثل صدر في العام 1995 إذ كان يجيز ذلك القانون أيضا حبس الصحفيين لكن الاحتجاجات التي اندلعت آنذاك حالت دون إقراره أو العمل به وتمكنت من إلغائه.

القانون المشبوه لم يتغول على حرية الصحافة والإعلام وحسب بل امتدت قيوده لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي حيث نصت مادته التاسعة عشرة على أن كل من لديه خمسة آلاف متابع أو أكثر يعامل معاملة الوسائل الإعلامية، وهو ما يُعرض مستخدمي هذه المواقع للحجب والغرامة إذا ما ثبت تورطهم ـ حسب نص المادة ـ  في بث أخبار كاذبة أو التمييز بين المواطنين أو التعصب والعنصرية أو السب والقذف والطعن في الأفراد أو ازدراء الأديان والعقائد الدينية".

يختتم قاسم قائلًا إن من يطالع القانون وبنوده المخيفة والجائرة يتوقع حال تنفيذه أن تتحول البلاد إلى وادٍ غير ذي صوتٍ اللهم إلا صوت النظام وتابعيه!

القاص والمترجم أحمد الخميسي يصف القانون بأنه "قانون إعدام الصحافة" متابعًا: "لم يأت هذا القانون المرعب من فراغ، وإنما له سياقه الذي يحدده وظروفه التي فرضته، إذ ينبع القانون من إصرار السلطة السياسية على مصادرة كل منافذ الحريات الممكنة وغير الممكنة، المتاحة وغير المتاحة، هذا نظام اعتقل فرقة مسرحية بدعوى أنها عرضت مسرحية عن سليمان خاطر ورأى النظام أن فيها تشويهًا لسمعة الجيش المصري، هذا نظام يتغذى على العبث والفراغ، لا أمل يمكن أن نرجوه، ولكن ما لا يعرفه النظام أن مثل هذه الخطوات والممارسات ستأتي عليه هو في المقام الأول، ستلتهمه التهامًا، ولن أذكرهم بحكايات التاريخ، لأنهم لا يقرأون ولا يفهمون".

يشير الخميسي إلى الفروع السبعة التي أقامتها وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم في بعض المحافظات، وهي فروع للرقابة على المصنفات الفنية، متسائلًا: "إذا كانت هذه هي تصرفات وزارة الثقافة، فماذا نرجو من نظام عسكري يدير البلاد إلا المزيد من التكبيل والتضييق يومًا وراء الآخر".

وبدوره يؤكد الشاعر والصحافي إبراهيم داوود، رئيس تحرير مجلة إبداع، أن القانون ليس إلا حلقة في مسلسل اغتيال التعدد وقنص الحريات العامة، موضحًا: "النظام يريد لنا أن نسير في ركابه ونسبح بحمده، لا صحافة إلا تلك الموجهة التي تمجد فيه ليل نهار، أما أن تنشر خبرًا أو تجري تحقيقًا يكشف فسادا أو يبرز مساوئ فأنت ضد النظام وضد الجيش وضد البلد كله، أنت حينها متآمر وخائن. نحن نتعامل مع نظام الصوت الواحد والرجل الواحد، نظام الفرد بكل مساوئه وإعاقاته، القانون محبط للغاية، ونحن نعود للوراء بخطوات مذهلة".

يشدد داوود على أن القانون يمكن منحه عنوانًا أكثر تعبيرًا وهو "مذبحة الصحافة المصرية" لافتًا إلى أننا نحتاج لنضال سلمي يستمر لسنوات طويلة حتى نسترد مساحات كسبناها أصلًا على مدار سنوات مضت، وكأننا ندور في حلقة مفرغة. النظام يفرض علينا أن نعمل في طابور الصوت الواحد.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.