}

الانهيارُ ليس وجهة: ذوبان الحديد والجليد

ضفة ثالثة- خاص 12 يوليه 2024
هنا/الآن الانهيارُ ليس وجهة: ذوبان الحديد والجليد
ذرات ملح تمّت إعادة معالجتها في مفاعل نووي بألمانيا
لا شكّ بأنّ كوكبنا قد وصل إلى طاقته الاستيعابيّة بالمعنى الحرفي لا بالمعنى المجازي. الانهيارُ قادمٌ لو لم تُتخَذ الإجراءات المضادة الفوريّة. منذ أن أصبح الإنسان العامل المساهم الأكثر تأثيرًا في البيئة، والعدّ التنازليُّ إلى الصفر يتسارع. كلّما اشتدّت هيمنة الإنسان على الطبيعة، وصار المؤثّر الأكبر في ديناميكيّاتها، كلما ازداد اقترابنا من الكارثةِ.
في غاليري Haut في العاصمة الألمانية برلين معرضُ مميز بعنوان "الانهيار لا يمكن أن يكون وجهة" يستمر من 5 يوليو/ تموز الجاري إلى 24 أغسطس/ آب المقبل، والذي يتناول سؤالًا واحدًا فقط: هل نموذج الإنتاج الرأسمالي القائم على الهوس بالربح، يمكن أن يُعتمد في كوكبٍ يحترُّ ليس فقط بالمعنى السياسي ــ الثقافيّ، بل بالمعنى العلمي الحرفي؟ فهل نأخذ بعين الاعتبار، وبشكل كاف، الآثار الطويلة الأمد لأفعالنا المبنيَّة على الفائدة قصيرة الأمد؟
منذ أن صارت أزمة المناخ قضيّةً سياسيّة تُغلَق لأجلها المطارات، ويتمُّ تمزيق الأعمال الفنيّة الخالدة للإشارة إليها، راج مصطلح "الحفريات التقنية". و"الحفريات التقنية"، بلغة علم الآثار، هو ما يبقى ولا يزول، بل يترسّب ويترسّخ وينتشر، من فعاليّة الآلة الصناعية الرأسمالية. ذرّات الألومينيوم، ومخلّفات البقايا الخرسانيّة، والجزيئات البلاستيكيّة، ومركّبات الكربون الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، والغبار الذي يتساقط ويستقرّ بعد التجارب النوويّة الانشطاريّة. هذه "الحفريات التقنية" صارت في كلّ مكان: تراب الثمار، وبطون الأسماك، وحتّى دموع الأطفال. بعد كل هذه الدلائل، صار من الصعب جدًا إنكار بأنّ هنالك كارثة مناخٍ من صنع الإنسان.




في عام 1972، صدر من "نادي روما" (جمعية علمية ــ بيئية، وليس نادي كرة القدم المشهور)، تقريرُ بعنوان "حدود النمو". استخدم الباحثون نموذجًا حاسوبيًا لمحاكاة التفاعلات بين السكان والنمو الصناعي والتلوث واستنفاد الموارد الطبيعية. وخلص التقرير إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية في النمو السكاني والتصنيع واستنزاف الموارد، فسيتم الوصول إلى حدود النمو على الأرض خلال القرن المقبل. ومن الممكن تغيير هذه الاتجاهات وتحقيق استقرار بيئي واقتصادي مستدام، وكلما تم اتخاذ إجراءات لتحقيق الاستدامة مبكرًا، زادت فرص النجاح. أثار التقرير جدلًا واسعًا وانتقادات، لكنه ساهم في زيادة الوعي العالمي بقضايا البيئة والاستدامة. رغم أن بعض توقعاته لم تتحقق بالضبط، إلا أن عددًا من المخاوف التي أثارها لا تزال ذات صلة اليوم. لاحقًا، تم تحديث الدراسة مرات عدة، مع الحفاظ على الرسالة الأساسية بأن الموارد محدودة، وأن النمو غير المحدود غير ممكن في نظام محدود مثل كوكب الأرض. منذ حوالي نصف قرن، ولا يزال لدينا كجماعة كلّ السبل الممكنة من أجل اتخاذ تدابير مضادة ووقف الكارثة، ولكن لماذا لا يمكننا فعليًا رؤية الواقع والتعرف عليه؟
الفكرة الأساسيّة من التقرير هو أنّ الإنسان مهجوسٌ بشكل أساسيّ بالآني واللحظي والعاجل، وبما هو قريبٌ في الزمان والمكان، ولا يتمّ التفكير بالآثار الطويلة الأمد للقرارات التي يقوم باتّخاذها. اسم المعرض "الانهيار لا يمكن أن يكون وجهة" هو جملة مشهورة للناشط وعالم الفيزياء الإيطالي أوغو باردي/ Ugo Bardi (مواليد 1952)، وهو عضو في "نادي روما". يضيف باردي: "المشكلة هي أنّ الناس لا يعرفون أن لأفعالهم في العالم مشاكل وتداعيات. النقطة هي كيف أن تقوم بفعل شيء ما، وفي الوقت نفسه تدرك نتيجة فعلك على نطاق أوسع ومدى زمني أطول".
في المعرض طابقان، وكل طابق يعبّر عن مرحلةٍ من مراحل الأزمة. الطابق السفلي بعنوان: الكهرباء والنار، والطابق العلوي بعنوان: الغابة والنار. نرى في الطابق الأول البرق المُولَّد إلكترونيًّا وهو يعطي إحساسًا باضطراب المناخ. الفنانة ألموت ليندي/ Almut Linde، مثلًا، قامت بجلب كل ذرات الملح التي تمّت إعادة معالجتها في مفاعل نووي بمنطقة غورليبن/ Gorleben في ألمانيا. الفنان اليوناني سبيروس هادجيدجانوس/  Spiros Hadjidjanosرسم بشكلٍ ثلاثيّ الأبعاد منجم نحاس من الولايات المتحدة الأميركيّة. ثمة صورٌ فوتوغرافيّة عن الغابات المهدّدة في منطقة الأمازون في فيديو مصحوب بأصوات أنواع الطيور المنقرضة. ولكن الأجمل هو عمل راول والش/ Raul Walch السينمائي ــ البصري. والش زاوج بصريًا بين ذوبان الأنهار الجليديّة وذوبان الحديد. ذوبان الحديد كرمز للنشاطيّة الصناعيّة الرأسماليّة، وذوبان الحديد كرمز لاحترار كوكبنا واقترابه من الهاوية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.