يعقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعد غد الخميس، المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة في مراكش. وإذ يتمحوّر موضوعاه الرئيسان حول "أدوار المثقفين في التحوّلات التاريخية" و"الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي"، اختار ملحق الثقافة إجراء حوار مع الناقدة المصرية والأستاذة الجامعية شيرين أبو النجا التي تشارك في المؤتمر.
- أنت من النقّاد الذين يسعون إلى فتح طريق بين عمل المثقّف "الرسمي" كأستاذة جامعة، وبين دوره كمثقّف في المجتمع. هل كتابك الأخير "المثقف الانتقالي من الاستبداد إلى التمرد" هو طريقتك في الاشتباك مع الواقع كأستاذة جامعية ومثقّفة في آن واحد؟
ليس الطريقة الوحيدة. طبعًا كان الكتاب أيضًا محاولة للتأمّل في ما فعلناه، وأنا من هؤلاء، لا أحسب نفسي خارج هؤلاء المثقفين. كنتُ أحاول أن أستعرض وأن أفكّر وأتأمّل مليًا وبجدية في ما فعلناه. ومن هنا كان هناك الكثير من الرصد، وكأنني كنت أفكّر بصوتٍ عال مع القارئ. كنت أحاول أيضًا أن أرى مواطن الضعف ومواطن القوّة، ولكن الأهمّ في الحقيقة، وهو الأمر المشترك بين الكتاب وموقعي ما بين الجامعة وخارج أسوار الجامعة، فكرة الجيل الجديد، الجيل الذي تشكّل وعيه في الميادين.
أحاول أن أكون ملتزمة بقدر الإمكان، لأنه يجب أن نفكّر أيضاً ما معنى الالتزام في اللحظة التي نمر بها. أقول بقدر الإمكان لأن كلّ شيء مفكّك، ولا يوجد أرضية أستطيع الوقوف عليها، لنسج الخطاب الذي أريده. أحاول أن أكون ملتزمة، لكن الإحباط يلاحقني، لأنني ما أن أشرع في عمل شيء إلا وينهار، لمليون سبب، فلم تكتمل الفكرة. كلّها أفكار مجهضة، وأحلام مؤجلة. أحاول. لا أعلم، ربما نحن ملتزمون أو غير ملتزمين. لكن، يجب أن نحضر مرآة ونضعها أمامنا وننظر إلى صورتنا. لا أحد يستطيع أن يقول عن نفسه؛ أنا ملتزم. صحيح، ثمة إحساس بالواجب تجاه الشأن العامّ، لكن السؤال: ما المساحة المتوفرة لك؟ من هنا تأتي فكرة الأحلام المؤجلة والأفكار المجهضة. المساحة تتسع وتضيق في اليوم مائة مرة.
- عادة ما تكون النصوص المكتوبة إبّان حدث كبير مثل 25 يناير، أدنى إلى التوثيق والإخبار، يحدث هذا كثيرًا في الأدب من شعر وقصة ورواية. وماذا عن كتابك هذا الذي يعدّ ساخنًا إذا جاز التعبير، من حيث هو صدر ولمّا ينته الحدث أو يستقرّ، وفترة إنجازه بين أغسطس/آب 2010 و ديسمبر/كانون الأول 2012؟
صحيح، كتبته في أغسطس 2010، حين حصلت حادثة سرقة "لوحة الخشخاش"، وما تبعها من أحداث. وفي الحقيقة لم أكن أريد الكتابة عن الحدث، بقدر ما كنت أريد رؤية كيف تتشكّل الخطابات. أقصد الخطابات التي تشكّلت وخرجت من قلب هذا الحدث، هذا ما يهمني، وما يزال يهمني إلى الآن. أنا لا أهتم كثيرًا بما قدّمته المؤسّسة الرسمية، إذ لا تزال تسير في الخط نفسه، وتنتهج السياسة نفسها. يهمني الخطاب الجديد الذي تشكّل، وهو يتبلور يومًا بعد يوم. فالحدث مستمر، لذلك نقول إن الثورة مستمرّة. هذا الخطاب يقوم بعملية نقد ذاتي، ويعود إلى الوراء، وهو متمسّك بالذاكرة، ويفعل أشياء كثيرة.
- في كتابك تركّزين على أن الجيل الجديد قد تشكّل وعيه الثقافي والسياسي في الشارع، وأن هذا الجيل يرفض سلطة الآباء، إلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك دقيقًا في الواقع؟ صحيح أن هذا الجيل رفض وتمرّد، لكنه لم يستطع فعلًا أن يفرض وجوده في الحيّز العام، الذي ما زالت السلطة (أبوية سياسية أمنية إلخ) تحتكره.
صحيح، لذلك نقول إن الثورة مستمرة. هذا السؤال يساهم في تعميق وعي هذا الجيل. لكنني الآن قلقة جدًا، أفكّر أنه بعد عشر سنوات، كيف سيفكّر هذا الجيل؟ هل سيحسّ أن أحلامه أُحبطت؟ أم أنها ستتحقق؟ أنا لا أعرف. ولا أستطيع معرفة ما الذي سيحصل حتى بعد خمس دقائق. كل ما أستطيع معرفته، أن الوعي الخاص بهذا الجيل، وهي السمة المميزة له، تشكّل في الشارع، أي في المجال العامّ بالمعنى الحرفي. من هنا، فإن الخطاب الذي يقدّمه واقعي للغاية، ومطالبه واقعية
- وفقًا لكلامك أيضًا عن تمرّد الجيل الشاب على السلطة الأبوية، أظن هذا يحدث في كلّ وقت، لكن بالطبع إبّان 25 يناير كان ظاهرًا بوضوح. أهذا انقطاع بين الأجيال؟ وماذا عن التراكم؟ هل الثورة هي رفض القديم، أم رفض السيئ من الوضع السائد؟
نحن بلدٌ ضخم، ولا أستطيع القول إن في هذا البلد فكرة واحدة، ولا أدّعي أن هناك صوتاً واحداً، أو خطاباً واحداً. أنا أشجّع التعددية والاختلاف طوال الوقت. لكن أكيد، ثمّة الفكر الثوري الراديكالي الذي يرفض كلّ القديم وبكل وجوهه، وثمّة أيضًا الفكر الإصلاحي، الذي يرفض السيئ من القديم. أوافق تمامًا على فكرة الانقطاع بين الأجيال. ويجب أن نسأل خطأ من؟. كان على السلطة الأبوية والمثقّف الأبوي أن يأخذا في الاعتبار أن هناك أجيالاً صاعدة سيكون لها مطالب وأحلام، ولها لغة مختلفة ونظرة معرفية وسياسية مختلفة تمامًا. وإذ لم يؤخذ هذا في الاعتبار، جاء هذا الرفض من قبل الجيل الجديد. وكان رفضًا قاطعًا، وقد يكون مضرًا كثيرًا، فهو بالطبع يمنع التراكم. لكن علينا أن نرى الوضع على حقيقته، فحين تسمعين هذا الخطاب الراديكالي وترين الغضب، تفهمين أيضًا سببه. صحيح ثمّة انقطاع. توجد خبرات وكفاءات وكوادر من الجيل القديم، يجب الإفادة منها، إذ لا يصحّ هذا الانقطاع الأدنى إلى الانعزال دفعةً واحدة. لكن، في الوقت الحالي، هذا هو الوضع؛ ثمة من يحاول أن يكمّل سلطته ولا يغيّر من شكل ممارستها، وثمّة جيل جديد يريد شيئاً مختلفًا تمامًا، حتّى أن طلباته تبدو أحيانًا غير واقعية لأنها مثالية للغاية ونزيهة جدًا. ونحن لا نعيش في يوتوبيا للأسف، وإلا لما كانت هناك ثورة.
- هل الجيل الجديد هو الذي سيكون المثقّف الجديد؟
بالفعل لدينا مثقّف جديد، والجدة هنا تنبع من اختلاف اللغة، التي أحيانًا ما تكون صادمة، واختلاف الخطاب بشكل جذري، وإسقاط هيبة الأفكار وقدسيّتها. أمّا وسائل التعبير لديه، فجديدة بدورها، إذ بالإضافة إلى الكتابة، فإنها (وسائل التعبير) تأخذ شكل فنون الشارع. مثلًا ثمّة صحافة يسمّونها "صحافة المواطن"؛ حيث يقوم الكل بالتصوير من خلال الهاتف المحمول، إمّا صوراً أو فيديو كليب، وتحمّل على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه هي الصحافة المجتمعية، حيث الناس هنا غير منتمين إلى مؤسسة صحفية، وليسوا من الصحفيين، لكنهم يرصدون وينقدون ويقرأون الواقع، من خلال وسائل التعبير الجديدة هذه، مثل التعبير عن الرأي عبر البوست على الفيسبوك. إنها أمور جديدة نراها لأوّل مرّة، لذا أقول بوجود "مثقّف جديد". وهو يرفض التخصّص، وكما كتبتُ في الكتاب فإنه ذاك الذي نجده واقفًا يهتف في مظاهرة، ثمّ يذهب لحضور حفل موسيقي، ثم ينزل إلى الشارع ويرسم على الجدران، ويعود بعد ذلك إلى حياته المهنية أو الدراسية. اجتماع هذه الأمور معًا هو ما يكوّن المثقّف الجديد، الذي، وهو الأمر الأهمّ، ينظر إلى العالم بعين مختلفة، طلباته وطموحاته وأحلامه مختلفة، وأخيرًا هو يرفض المؤسسة ولا يؤمن بها إطلاقًا.
- هذا الرفض المطلق إلى أين يؤدّي به؟ إلى أن يكون منتجًا للمعرفة أم مستهلكًا لها؟
هذا هو المهم، وهنا يأتي دور المثقّف الأبوي، علينا أن نسأل ماذا قدّم المثقّف الأبوي؟ أكان مثالًا لإنتاج المعرفة أم مستهلكًا لها؟. غبر أني أرى أن بعض ما قدّمه المثقّف الجديد هو محاولة إنتاج المعرفة. لكن من أجل إنتاج المعرفة نحن بحاجة إلى ظروف كثيرة غير متوافرة، كالموارد ومراكز الأبحاث والجامعات، ونحتاج أيضًا إلى الانفتاح وإلى المناقشات وإلى عصف ذهني كثير، وعلى الأقل نحتاج إلى فرصة لالتقاط الأنفاس، إنها منظومة متكاملة نحتاج إليها من أجل التأمّل وإنتاج المعرفة. السؤال هل تتوافر هذه المنظومة أصلًا في العالم العربي؟. نحن نتعامل مع المثقّف كما لو أنه لا توجد أي ضائقة اقتصادية تضغط عليه، وكما لو أنه تخلّص من كلّ المشاكل السياسية، وكما لو أنه يعيش وحده في الفراغ. لكن لا، هو يعيش في وسط مجتمع فيه تفاعلات عند كلّ دقيقة. ولإنتاج المعرفة يحتاج إلى الحد الأدنى من هذه الظروف. والأمر ينطبق على الجميع، لذلك فإننا نشهد وفرة في مقالات الرأي، في كل المنابر، فالكل يريد قول رأيه. بيد أن الرأي لا يرقى إلى مسألة إنتاج المعرفة.
- السؤال الأزلي عن "دور المثقف"، يبدو أحيانًا أنه سؤال فخ من حيث هو يدور في حلقة مفرغة. ففي الواقع العربي المثقّف مهمش ومنبوذ أو مدجّن، وفي الحالين هو واقع تحت سلطات قمعية متراكبة (السلطة السياسية والدينية والأمنية والمجتمعية)، هو الحلقة الأضعف فيها.
طبعًا، صحيح هو الحلقة الأضعف، لأن كلّ طرف يتوقّع منه أن يردّد مقولاته، السلطة تريد منه أن يردد مقولاتها، والمجتمع يريده أن يردّد مقولاته، والأجهزة الأمنية كذلك. صحيح هو سؤال فخ. لعلنا نصل بعد خمس سنوات مثلًا إلى فكرة تقول إن لا دور للمثقّف، بما أن المجتمعات تغيّرت أضحت كلّها "مثقّفين". بمعنى أنه بما أنكَ نزلت إلى الشارع ولديك مطالب وتملك وعيًا بما تقول، فأنت مثقّف. ولِمَ لا؟. أعتقد أننا في اللحظة التي نمرّ بها الآن، على المثقف أيًا كان شكله أو سنه أو نوعه أو توجهاته، أن يقوم بدوره في المكان الذي هو فيه. ففكرة المثقّف الذي يقود الجماهير، ويرفع من وعيها، فكرة "خايبة" كما يقال بالمحكية المصرية، لا وجود لشيء كهذا أبدًا، لأن الجماهير تسبق المثقف، هي متقدّمة عنه في أفكارها. والشارع أسرع كثيرًا من فكر المثقّف، وليس لديه حسابات بل مطالب، ويعرف كيف السبيل إلى طلبها وإلى تحقيقها. وعي الجماهير عالٍ جدًا. لقد فكّرت كثيرًا في هذا الموضوع، لأن هذا السؤال أصبح في الحقيقة مبتذلًا من كثرة تكراره. لذا أقول، إن كلّ إنسان لديه مطلب اجتماعي، ومهم أن يكون اجتماعيًا قبل أن يكون سياسيًا، أو مطلباً اجتماعياً وسياسياً، ويستطيع صوغه، والنزول إلى المجال العام للمطالبة به، فأنا مستعدّة لأن أسمّيه مثقفًا. علينا أن نعيد كلّ تصوراتنا عن المثقفين في ضوء الواقع المهول الذي نمرّ فيه.
- أنت بهذا على تضاد كامل مع كلّ التنظيرات. تريدين المثقف جزءًا من المجتمع؟
بالطبع، إن لم يكن جزءًا من المجتمع فهو ليس مثقفًا أصلًا، فيجلس في بيته ليكتب مثل أرسطو. لكن لا يوجد لدينا أرسطو الآن. هذا شكل من أشكال الرفاهية في اللحظة التي نمر بها. ليس لدينا رفاهية الانعزال، يجب الاشتباك مع الأمر الجاري.
فالأشخاص الذين يقولون لا دخل لنا، أو ليس لدينا موقف مما يحدث، فإن هذا في حدّ ذاته خيانة. يجب أن يكون لديك موقف، ولهذا الموقف تبعات، وسيُدفع ثمنها. ثمّة حدث حصل، أو كما يقال بالمحكية السورية "هيك صار".
- بطريقة ما يبدو الكتاب وكأنه نقد للمثقف، وحثّه على إيجاد طرق وابتكار أخرى كي يكون فاعلًا في المجتمع، أيمكن قراءته على هذا النحو؟
نعم، لكن اعتبريه أيضًا نوعًا من النقد الذاتي، ربما كنت أوجه هذا النقد لنفسي، لأننا اكتشفنا، قبل 25 يناير، أن ثمة أشياء كثيرة عن هذا المجتمع لم نكن نعرفها. أريد قول أمر مضحك قليلًا عن المثقف؛ المنتمون لداعش يسمّون أنفسهم مثقفين. هم ينظرون إلى أنفسهم باعتبار أنهم المثقفون وأننا نحن مجتمع الجاهلية! هكذا يكون الداعشي مثقفًا عضويًا، بما أنه يردّد مقولات وخطاب فئة معينة. اختلطت الأمور فعلًا. لم تعد التعريفات القديمة تنطبق الآن، فنحن في مرحلة جديدة كليًّا، وعلينا اجتراح تعريفات من داخل واقعنا.
المثقّف والإعلام
- كيف تنظرين إلى وجود المثقّف في وسائل الإعلام والفضائيات؟
لدينا قنوات كثيرة إلى حدّ أنني أشاهد قنوات مخصصة للسحر! شيء مرعب. يمارسون السحر على الهواء مباشرة.! وفرت الفضائيات مساحة هائلة للمثقّف كي يتكلم ويحاول إيجاد مكان لنفسه في وسط كلّ ما يحدث. لكن الكثرة في الفضائيات أيضًا أفقدت الكلام هيبته وقدّسيته. أنا لست مضطرة لمخاطبة الناس من خلال شاشة. يدعى المثقف إلى برامج حوارات، ويتوجب عليه أن يقدّم ما يسمى "حلولًا معلبة"، إذ ينتهي الأمر دائمًا بالمذيع مخاطبًا المثقف: "وإيه الحل يا دكتور"؟، فيكون على المثقف أن يجد حلًا بسرعة، إذ لا يمكنه خذل الجمهور فيقول لا يوجد حل مثلًا، أو أن الحل لا يأتي بدقيقة. العجيب في الأمر، أن المثقّف يستجيب ويبدأ في طرح حلول!. وهذا يؤثّر داخل المجال الثقافي نفسه، فوفقًا للمعنى الذي طرحه بيير بورديو، فإن المثقف في هذه الحال (أي كثرة الظهور على الفضائيات) يقطع أواصر الصلة مع زملائه المثقفين، فلا يعود هؤلاء يؤلّفون جماعة، بل فردًا. ويصبح الشاطر بينهم من يظهر أكثر على الفضائيات. لا أفهم من أين لديهم القدرة على تقديم حلول جاهزة في السياسة والمجتمع والفساد على هذا النحو؟. كثرة الأشياء تفقدها أهميتها وتفرغها من مضمونها، لذا ينصرف المشاهد عنهم.
- أي أن المثقف يخضع لأسوأ ما في الإعلام؟ هو الحلقة الأضعف؟ ألا يمكن للمثقف أن يستعملها للاشتباك مع الشأن العام؟
لا، لأن وسائل الإعلام هي علاقات قوى، وليس بهذه السهولة يمكن الدخول إليها. صحيح أنه من السهل الظهور على فضائية ما، لكن ما سيقوله المثقف لن يكون متروكًا لحريته الكاملة، إذ إن الفضائية تستدعيه ليقول شيئًا معينًا لا ليتكلم في أمر آخر. وسائل الإعلام هذه ترتبط بالمال، وعلاقات القوّة وعلاقات القوى والمصالح. الأسوأ من هذا تلك الفضائيات التي تدفع مالًا مقابل ظهور المثقّف. طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع المثقّف تكشف أنه الحلقة الأضعف، لذا ربما علينا العودة إلى السؤال الأوّل ما دور المثقف؟ لا شيء إطلاقًا. ولم عليه الإحساس بوجوب أن يكون له دور أصلًا؟ عليه أن يمارس أفكاره وأن يتسق مع نفسه وينقل أفكاره لغيره ويقدم المساندة والدعم ويناقش ويتكلم. لم يوضع العبء طوال الوقت على المثقّف وحده؟. لا لا، ليس وحده الذي له دور تجاه السلطة. كلّ المثقفين الذين خرجوا فرادى وقالوا الحقّ في وجه السلطة، لم يقف معهم أحد بعد ذلك، وتم سجنهم تارة أو نفيهم أو عزلهم.
يجب أن نغير حتى لغتنا في موضوع "دور المثقف". يمكن الكلام عن دوره في الماضي، لكن الزمن تغيّر والسياق المجتمعي تغير والسياق السياسي تغير، والأهم أن النظرة المعرفية تغيّرت، لذلك فإن كلامنا المكرّر عن دور المثقف يجب أن يتغير بدوره.
- هل الثقافة مطية السياسيين؟
طبعًا، لأن النفاذ من الثقافي هو أفضل وسيلة لنشر أي أيديولوجيا. وبعد نشرها وتحقيقها، يُلفظ المثقّف، ويقال له شكرًا لقد أديت دورك. ثمة طوال الوقت تلك الجدلية الخاصّة بـ "تسييس الثقافي أم تثقيف السياسي؟". في حين أن الثقافة نفسها، أي طريقة طرحها لنفسها كأداة وكموضوع، فإن هذا في حدّ ذاته شكل من أشكال العمل السياسي.
أستاذة الجامعة
- أنت أستاذة جامعية، تدرّسين الأدب الإنكليزي ولك طريقتك الخاصّة بربط النصوص الأدبية، التي هي من الماضي، (وقد يكون ماضي الغرب لا ماضينا) مع الحاضر في بلادنا. وتبدين على معرفة دقيقة بهذا الجيل الشاب، أو "جيل الثورة" إن صح التعبير. هل لديه ما يؤهّله علميًا ومعرفيًا كي يتسلم الراية من الجيل السابق؟ هل الأمور واضحة في ذهنه؟
لا طبعًا الأمور ليست واضحة في ذهنه. لديه مطلب وحلم فقط، لكن أبعد من هذا لا بدائل لديه. فلو قلت له استلم السلطة، لن يعرف عمل شيء، لكن هو أصلًا لا يسعى إلى استلام سلطة. وعي هذا الجيل قيد التبلور.
حين تدخلين إلى المدرج في الجامعة، لا تنطبق فكرة المثقف الجديد على جميع الطلاب، إذ ثمة تلك الفئة اللامبالية، حيث الجامعة مكان للتعارف مثلًا، أو لحيازة شهادة تؤهلها للحصول على عمل. التحدي هنا، هو كيف تنقلين هذا الشخص المحايد واللامبالي وغير المهتم، إلى أرضيتك. وهذا ممكن، لكن الأصعب منه أن تقنعيه بوجود فائدة لهذا الأدب الإنكليزي. الطالب لا يقول شيئاً. لذا يجب أن تذكّريه طوال الوقت بأهمية الأدب وأهمية التاريخ الأدبي. وأنه جزء من العلوم المهمّة والمفيدة.
مثلًا حين نقرأ الأدب في القرن السادس عشر، فنقول إنها عصور الظلام في أوروبا، وثم نضيف وكانت الحضارة الإسلامية في أوجها وقتذاك، ثم نتوقف فهذا شكل من أشكال النواح. يجب أن يرى الطالب الثمن الباهظ الذي دفعته أوروبا في سبيل الوصول إلى ما هي عليه اليوم. القرن السادس عشر كان قرنًا كاملًا من الحروب المذهبية بين الكاثوليك والبروتستانت، وما زالت دماء ضحايا تلك الحروب تغطي أدراج القلاع في اسكتلندا إلى اليوم. وبعد ذلك، في القرن السابع عشر دخلت أوروبا قرن الاكتشافات والعقلانية. مثال آخر، أشرح لهم عند الحديث عن الهند، لماذا كانت إنكلترا مصممة على أن تبقى جزءًا من الإمبراطورية؟ بسبب التوابل في حالتها الخام والحرير. فالكولونيالية والاستعمار لا علاقة لهما بالأديان بقدر ما لهما علاقة بالمصالح، بنهب الثروات التي قد تكون حريرًا أو توابل أو غازاً أو نفطاً كما يحدث اليوم، وربما الماء مستقبلًا. أقول لطلابي دائمًا لا يوجد شيء اسمه "حد عاوز يهد الإسلام"، لا أحد يريد هدم الإسلام أو محاربته، هذا غطاء وحجج من أجل السيطرة على الموارد. أربط الأمر بقصيدة "عبء الرجل الأبيض" للشاعر روديارد كيبلينغ، التي وجهها إلى ملكة إنكلترا وقتذاك، يقول فيها ما معناه أنْ أرجوك يجب البقاء في الفيليبين واستعمارها، لأن "علينا" أن ننقل هؤلاء الناس صوب الحضارة، أن نحضّرهم. في القصيدة ثمة الأبيض والأسود، المسلم والمسيحي، وكلّها تعبيرات "استشراقية". يجب هدم هذه الثنائيات من خلال النص، أي كيف أقود الطالب ليكتشف بنفسه وأن يفهم. من هنا أهمية قراءة هذا الماضي. الماضي ليس شيئًا إن لم نقرأه جيدًا في الحاضر، هو مجرد أحداث وقعت. لكن ربطه بالحاضر، يعني إلقاء ضوء جديد عليه. حتّى قصيدة الحبّ تحتمل ذلك، إذ هي تصور "شكل الحبّ" وقتذاك، وبذا تكشف المجتمع. من بين عدد الطلاب الكبير أمامي ثمّة 20 أو 30 طالبًا أنجح في أخذهم إلى "أرضيتي"، وهذا في حدّ ذاته مكسب.
- أنت تؤمنين بأن استعمال اللغة في التدريس والبحث العلمي، يجب تثويرها وتفعلين ذلك عمليًا مع طلابك. أثمة ما يلزم باقي الأساتذة بفعل هذا؟ أم أن الأمر واقع يتطلب تثويرًا لنظرة أصحاب القرار والسلطة العليا ورؤيتهم؟
لا هذا قرار فردي، لأن عليك تحديد موقعك كباحثة ومثقفة ومهتمة بالشأن العام، أي موقعي تجاه كلّ ما يحدث. هل أريد أن أستعمل كلّ الطرق القديمة التي درّسني وفقها أساتذتي؟ في الحقيقة لا، لأنني أتذكّر أنني كنت أشعر بالملل. ما أريده لا يمكن تحقيقه بالوسائل القديمة واللغة القديمة. يجب الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء الطلاب ينتمون إلى أجيال مختلفة تمامًا. لذا يجب ابتكار طرق للكلام معهم بطريقة يفهمونها، لا يعني ذلك أن نتنازل عن المستوى اللغوي. لكن الأستاذ حرّ بالطريقة التي يدرّس بها، أمّا أن يكون ذلك بقرار من الجامعة، فلا. إذ نكون عندها نمسّ استقلالية الأستاذ الجامعي. فحين يدخل الأستاذ إلى المدرج، يصبح "رئيس جمهورية" المدرج. لا، رئيس الجامعة أو العميد لا يستطيع أن يفرض على الأستاذ طريقة التدريس.
- وجود المثقف بحد ذاته في الحرم الجامعي، يعني أن علاقته بالسلطة حتمية، فهو في الحيّز العام، وأمامه "جمهور" يدرّسه ويؤثّر فيه، فهل يظن نفسه في موضع القيادة، بحكم أنه مالك المعرفة وصاحب سلطتها؟
لا هذا فخّ آخر، هذا يشبه مقولة المثقّف الذي سيقود الجماهير. لا يقود الأستاذ طلابه أبدًا. الطلاب الذين يخرجون للمطالبة بأي شيء، لديهم الوعي، الشيء الوحيد الذي أستطيع عمله كأستاذة، هو إقناع الطالب بأنه يمكنه التعبير عن مطالبه بشكل بعيد، عن الخروج لضرب أفراد الأمن أو كسر بوّابة الجامعة، هذا هو الشيء الوحيد الذي أستطيع التكلم فيه، وفي ما عدا ذلك يكون للطلاب مطالب لا أستطيع التدخل فيها، إذ لا يصح أن أعبّر عنهم بالنيابة عنهم. أنا في موقع وهم في موقع آخر. والأستاذ في هذه الحالة ليس مالك المعرفة، وإلا لتحولنا جميعًا إلى أساتذة أبويين، أي كأننا نعيد إنتاج سلطة الآباء. على الطالب أن يعبّر عن نفسه بنفسه.
- لكن نلاحظ أن الطلاب عادة ما يميلون إلى الأستاذ المختلف، ويمقتون الأستاذ التقليدي.
صحيح، هذه نظرية الانتخاب الطبيعي. يجب الثقة بذكاء الطالب، إذ هو يعرف كيف يفكر وما يختار. لكن هذا لا يمنع وجود فئة اخرى من الطلاب التي تريد أستاذًا يحاضر، وتسجّل هي المحاضرة.
- ألا ترين أن سياسة القبول في الجامعات العربية، تحابي إلى حدّ كبير العلوم البحتة وعلوماً أخرى كالطب والهندسة على حساب العلوم الإنسانية، وتفعل ذلك عن قصد، لأن هذه الأخيرة هي التي ستنتج الأفكار؟
طبعًا، العلوم الإنسانية كلّها؛ التاريخ والأنتربولوجيا وأقسام اللغات إلخ، هي التي تنتج الأفكار، لذلك نجد في الغرب دولًا متقدّمة جدًا في علوم الاجتماع فتجاوزتها ودمجتها مع الأنتربولوجيا، وثمّة دول تدمج معها أيضًا علم النفس. في حين أن هذه الأمور متأخرّة لدينا في العالم العربي. مثلًا لدينا في أقسام اللغات، يدخلها الطالب ظانًا أنه سيكتسب اللغة، كما لو أنها دورات تقوية لغوية فيفاجأ بأنه يدرس الآداب. في ما يخصّ سياسة القبول في الجامعة، في مصر تسمّى كليات الطبّ والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية، "كليات القمّة"، وماذا عن كلّيات الآداب إذن؟ أليست من كليات القمة؟ أنا أفخر بأنني دخلت إلى هذه الكلية بإرادتي الكاملة. وكنت قد حزت المرتبة الأولى على مستوى الجمهورية في الشهادة الثانوية، وكان في إمكاني الدخول إلى أي كلية. رفضت فرصة الدخول إلى الجامعة الأميركية في القاهرة مجانًا، وصممت على دخول جامعة القاهرة، واخترت الأدب الإنكليزي. لذا أهتم جدًا بموضوع العلوم الإنسانية، الحقيقة هي أيضًا من علوم القمة. أتذكر مجموعة مقالات كتبها عن ذلك الناقد الشهير تيري إيجلتون، من بينها مقال بعنوان "موت الجامعات"، كان ذلك في عهد رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، حيث انحدرت العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى أدنى مستوى. انتقد إيجلتون ذلك قائلًا إن أي جامعة من دون علوم إنسانية وآداب ستتحوّل إلى معهد أو معمل تقني ليس إلا. وفعليًا فإن كليّات العلوم الإنسانية هي المكان الوحيد الذي يمكن فيه هدم فكرة الحقيقة المطلقة، كما يمكن فيه المطالبة بالتعددية، والمساواة والعدالة. الأدب يتيح التحدّث في كلّ هذه الأمور، بينما لا يمكن ذلك في كلية الطبّ أو الهندسة مثلًا.
- لكن ثمّة في الغرب كليات مستحدثة، تتعلق بالإعلام وعلوم الاتصال و"علوم الإنسان والثقافة". إلى أي حدّ يمكن لكليات مشابهة أن تكون جاذبة أكثر من كليات العلوم الإنسانية؟
طبعاً يوجد إقبال كثير على هذه الكليات. الآن يوجد شيء جديد آخر "الفنّ الليبرالي"، حيث يستطيع طالب الهندسة الالتحاق بصفوف تدرّس الأدب. بيد أن مفردة "الليبرالية" واشتقاقاتها تقلقني جدًا، لأنها تذكّرني بالليبرالية الجديدة اقتصادياً. علينا الانتظار لنرى إلى أي حدّ هي ناجحة. بدأ الأمر في أميركا ثم انتقل إلى إنكلترا. لكن بشكل عام، أستطيع القول بوجود أزمة في ما يخص العلوم الإنسانية، وربما كانت ألمانيا الدولة الوحيدة التي تهتم بها، إذ خصصت ميزانية ضخمة لها. ثمة أيضاً "الدراسات الثقافية"، وقد غدت هذه في مرتبة عالية، وفيها طلاب الماجستير والدكتوراه. وقد راجت كثيرًا خاصّة بعد الثورات في العالم العربي، التي وفرت المادة الخام لهذه الدراسات.
النقد الأدبي
- في الغرب، مع أن النقد الأدبي أدّى إلى توليد لغة نقدية اختصاصية، إلا أن العلاقة بين العلوم "الجادة" والعلوم الإنسانية مختلفة. مثلًا الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا صاحب النظرية التفكيكية، أثّر عبر مقالاته عن العمارة في المعماريين، مثل ريم كول هاس وزها حديد وجان نوفيل، الذين يصممون وفقًا لتفكيكية دريدا.
- لا أريد التعميم، لكن دريدا كان مشتبكًا مع الشأن العام. ففي كتابه "ما الذي حدث في حدث 11 سبتمبر؟"، استطاع الخروج بسرعة من فخ اللغة النقدية المنعزلة، الأقرب إلى الجيتو. وفعل الأمر عينه ميشيل فوكو. الكثير من النقاد الآن يشتبكون مع الشأن العام، يأخذون منه المادة الخام التي يشكّلون حولها النظرية. لكن في الوقت نفسه، يوجد فئة أخرى من النقاد في الغرب منعزلة تمامًا تكتب باللغة التي أشرت إليها. في هذا الصدد أتذكر فضيحة علمية، وقعت دورية علمية محكمة ضحية لها. دورية Critical Inquiry، الصادرة عن جامعة شيكاغو، حيث أرسل "باحث" مقالًا بحثيًا بتلك اللغة، فأعجبهم وأجازوه للنشر. ثم أعلن هذا "الباحث" نفسه في الصحافة أن كلّ ما كتبه كان كلامًا فارغًا، وأنه قام بإلصاق جمل بأخرى، مقتبسة من كتب نقدية، وبرر أنه أراد إثبات كيف أن اللغة النقدية والخطاب النقدي الآن يسعيان إلى هذا التعقيد، فاعتذرت المجلة.
الناقد الذكي الواعي لأهمية النقد، عليه أن يشتبك فعلًا مع الشأن العام. لو نظرنا في ما يحدث للنقد في عالمنا العربي، لوجدنا طغيان النقد التطبيقي، ثمة كمّ هائل منه. لا يوجد لدينا إنتاج للأفكار والنظريات، أصلًا دور النشر تفضّل النقد التطبيقي. فلو أردت نشر بحث علمي، عليك التوجه إلى الدوريات العلمية والمجلات الأكاديمية، وقراؤها معروفون ومحدودون ومختصون، أنت بذلك لا تنفتحين على القارئ الآخر. وثمة من لا يرى أصلًا ضرورة للانفتاح على القارئ الآخر، ويريد البقاء ضمن دائرة المختصين. من أجل ذلك فإن "الدراسات الثقافية" جاءت كحل ومخرج للأزمة التي تمر بها العلوم الإنسانية، وهذه "الدراسات" قائمة كلّهاعلى فكرة ما بعد البنيوية، وتتعامل مع الظواهر الجديدة بوصفها نصًا وتطبّق عليها كل أدوات النقد الأدبي.
- كيف يمكن كسر عزلة العلوم الإنسانية في المجتمع العربي؟ خاصّة حين نعرف كيف أن كلياتها في عالمنا العربي أصيبت بأمراض الترهل والتراجع بسبب زيادة عدد الطلاب نتيجة سياسة الدول القومية التي تقول إن التعليم العالي للجميع، مع عدم وجود بنية تحتية قادرة على الاستيعاب، وكانت النتيجة آلاف الخريجين غير المؤهلين علميًا ومعرفيًا.
صحيح هم غير مؤهلين معرفيًا، ولن يجدوا عملًا بالضرورة. يجب رفع مستوى الجودة في الجامعات، وتوفير أماكن كافية ليكون عدد طلاب قليلًا في المدرج. إنها المشكلة التي تعاني منها جميع الجامعات في عالمنا العربي. ومن أجل تحسين نوعية التعليم يجب ربطه بسوق العمل، فأنا لا أستطيع أن أدرّس الطالب وهو عارف أنه لن يجد عملًا بعد ذلك بهذه الشهادة. ربط الجامعة بالمجتمع وسوق العمل، يعني أن يقدّم للطالب مهارات يستطيع بعد ذلك استخدامها في سوق العمل. شروط الحصول على الجودة الآن، تتضمن هذا. ثمة جامعات تعمل على هذا المسار، وثمة جامعات أخرى ما زال أمامها وقت طويل. لكن عمومًا هي أزمة فعلية في كليات العلوم الإنسانية في العالم كله لا العربي وحده. الموضوع له علاقة بمنظومة التعليم وجودتها. هي أزمة كبيرة، ولا أحد استطاع حلّها إلى اليوم.
يجب على الأقل أن نستطيع تخريج باحثين يستطيعون استعمال منهج البحث العلمي، يجب أن نقدّم لهم مهارة. فماذا يعني اليوم أن يتخرّج الطالب وهو يعرف بدقة شكسبير؟ وماذا بعد؟ علينا أن نكون واقعيين، إذ لا يمكن لكل هؤلاء الخريجين العمل في التدريس. الأمر يتعلّق أيضًا بفكرة الجامعة نفسها. يجب رفع مستوى المعاهد الفنية أو المهنية، وتحسين جودتها، ليخف الضغط قليلًا على الجامعة، ويجب تغيير نظرة المجتمع تجاه التعليم الفني والمهني.
- أنت من النقّاد القلائل الذين كتبوا رواية، "خيانة القاهرة". ما الذي دفعك إلى ذلك؟
حين أعود في الزمن إلى الوراء، لا أعرف من أين واتتني هذه الجرأة في كتابة الرواية، وكيف فعلت هذا، لا أعرف كيف فعلت هذا. كان علي التفكير لمليون مرة. لكنني في الحقيقة فكرت مليون مرة قبل أن أنشرها، والنتيجة أنني حين يسألني أحد عنها، أتظاهر بأنني لم أسمع. أكون محرجة جدًا ولا أعلم لماذا. ربّما علي التفكير مع نفسي، في سبب إحساسي بالحرج.
لكنني استمتعت جدًا بكتابتها. وأشفقت كثيرًا على الكتاب إن كانوا يمرون بكل هذه المعاناة. فهمت ماذا يقصدون بكلامهم عن "العيش مع الشخصية" أو أن الموضوع "يحتل دماغهم". الكتابة الإبداعية مهنة شاقة. لكنني أرى بما أنه يوجد في العالم من يكتبون بشكل بديع ورائع، فلا يصح أن نحاول أن نكون مثلهم، ويكفي أن نستمتع بأعمالهم.
- أي ربمّا كانت روايتك تمرينًا على عيش تجربة الروائي، خدمةً للنقد؟
لا. كتبت إلى الآن نصف رواية أخرى، وأخاف من إكمالها، لا أعلم ما سيكون مصيرها. لعلها ستبقى على سطح الحاسوب إلى الأبد.