}

سامر إسماعيل: للصورة تأثير لا يستهان به بمجالات الحياة

أشرف الحساني 2 يناير 2023
حوارات سامر إسماعيل: للصورة تأثير لا يستهان به بمجالات الحياة
سامر إسماعيل

بعد سلسلة معارض تشكيليّة أقامها الفنّان السوري سامر إسماعيل في دمشق والكويت وبيروت وفرنسا واسبانيا، انطلق هذه المرّة صوب خطاب الصورة الفنّية من خلال دراسة بصريّة لمُتخيّل الصورة وما تختزنه في جوفها من دلالاتٍ ورموزٍ في كتابٍ جامعٍ وعام بعنوان "تأمّلات في الصورة" (دار خطوط). الكتاب ليس الأوّل لسامر إسماعيل، وإنّما سبقه كتابان: "بقع لونية"، و"الحداثة التشكيليّة". وهي عناوين بقدر ما تطرح سؤالًا إشكاليًا حول جدّة الكتابة الفنّية بالنسبة للفنّان التشكيلي، تظلّ من جهةٍ أخرى، علامة تميّزٍ في سيرة سامر إسماعيل وقدرته على الغوص في قضايا الصورة الفنّية وما يرتبط بها من موضوعاتٍ تتعلّق بـ: المكان، الجسد، التلفزيون، الأيديولوجيا، الدين، العنف، المسرح، السينما وغيرها من الموضوعات التي يجعلها سامر تدخل في تواشجاتٍ نقدية، مُحوّلًا ذائقته الجماليّة من قلق اللوحة ومساربها التخييلية، صوب فتنة الكتابة النقدية ومُنعرجاتها، من دون أنْ يدّعي أنّه ناقد فنّي، أو باحث. فالكتابة لديه ضربٌ من العشق المزدوج القائم على تكسير من حدّة التراث الغربي ومفاهيمه، والغوص في مدارات الصورة، انطلاقًا من تكوينه المعرفي وحدسه بالمادّة وجماليّاتها كفنّانٍ تشكيلي.
عن ملامح كتابه "تأمّلات في الصورة"، كان هذا الحوار:




(*) كفنان تشكيلي، كيف جاءت فكرة تأليف كتاب عن الصورة؟
من المفترض أن تكون الصورة شاغلًا لأي فنان، كونها مجال حقله البصري، الذي يعمل فيه، والاهتمام بمجال الصورة نسبي حسب كل تجربة فنية. أشعر بالنسبة لي كفنان أن الاهتمام بالصورة يعمق التجربة الفنية. ثمة عوامل أخذتني في هذا المنحى، كاشتغالي في فن الفوتوغراف زمنًا طويلًا، ومتابعتي للسينما والتلفزة، كل ذلك وضعني في مطرح الكتابة في هذا الحقل الذي يحتاج للكتابة فيه أكثر، لأننا في عصر الصورة التي تؤثر بشكل فاعل وقوي في كافة مجالات الحياة.
ولاحظت كيفية التحول العام في المزاج الاستقبالي للناس نحو الصورة والاعتماد عليها وتداولها أكثر من النصوص وحتى العبارات. ومع سيطرة وسائل التواصل التكنولوجي الحديثة، وخاصة الهواتف النقالة، وغيرها، أصبحت الناس تشاهد كميات هائلة من الصور، وتتبادلها وتتداولها. ففي أي مناسبة تتبادل الناس التهاني والتعازي وغيرها بشكل صور، وحتى لو كانت الرسالة المتبادلة هي عبارة جميلة لكاتب أو شاعر، فهي تصل إلى الطرف الآخر بشكل صورة تتم قراءتها بصريًا.
وازدادت حركة التوثيق البصري والأرشفة على المستوى الشخصي والمؤسسي لتكون هي المرجع والذاكرة المتنامية، والتي رغم أنها كانت موجودة سابقًا، لكنها اليوم أصبحت هي المتسّيدة بين لغات التواصل. ولا شك في أن الفن التشكيلي يعد ملهمًا وموجّهًا لقياس جماليات الصورة التي انطلقت منها في بناء الهيكل الأولي للكتاب، وصولًا إلى صيغته النهائية وطباعته.


(*) ما السبب في كثرة المراجع والمصادر داخل مؤلفك الجديد؟ وهل تعتقد أن مجال الصورة أضحى من المرتكزات القوية داخل الإنتاج العربي؟
تشغل الصورة حيزًا كبيرًا واعيًا وغير واع في العقل، وتلعب دورًا مؤثرًا أكبر لدى الشعوب العاطفية، ومنها شعوبنا العربية. وقد أعطى هذا الأمر الصورة قوة لا يستهان بها داخل الإنتاج العربي، فتحولت إلى قوة في المجتمع، بل وأصبحت مواكبة تطور الصورة وآليات عملها ضرورة أيضًا، خاصة بعد انتشار ثقافة الميديا، حيث انتشرت الصورة لتكون في متناول الجميع، بما فيها أساسًا وسائل الإعلام، ومواقع الشبكة الإلكترونية. تلعب الصورة هنا دورًا في توجيه المتلقي حيث تشاء.
أما في ما يتعلق بالسؤال حول كثرة المراجع، فأعتقد أن ذلك ضروري، لأن الكتابة تتم في حقل صعب يتطلب المرجعيات، ومهما أكثرت من استنادي على تلك المراجع الهامة، فلا يمكن القول إن الأمر انتهى هناك، بل إنه يحتمل مزيدًا من الإضافات والتوسع والاستشهاد والاقتباس ليأخذ الموضوع حقه الكامل الذي لا أستطيع القول إني أتممته، فالمجال مفتوح على التطور دائمًا. وإضافة إلى ذلك، فإن كثرة المراجع، واستقراء ما كتبه الآخرون، يساعد بشكل كبير على الحد من الذاتية المركزية للكتاب، ويساعد على بناء هيكل موضوعي يحاول النظر بأكثر من عين إلى الدلالات النفسية والمجتمعية، وكذلك الجمالية، للصورة، في جميع قنواتها الرقمية والمطبوعة والمرسومة، وبالتالي يساعد على إضافة وظيفة توثيقية شمولية للكتاب.


(*) يتميز الكتاب في كونه يجمع بين النظري وتأمل واقع الصورة داخل عدد من الفنون العربية. هل تعتقد أن الثقافة العربية اليوم أضحت ثقافة صورة، أم أن الشفهي ما زال يغلب عليها، ويلجم طرق تفكيرها؟
لا شك في أن التاريخ الشفوي للمنطقة العربية طاغ في العموم، وذلك بسبب تداخل المفاهيم حول مسألة تحريم الصورة، بالرغم من غنى وثراء ثقافة الصورة في تاريخ البشرية السابق لظهور الديانات. إن ما حدث وقتها إنما هو قطيعة مع المنجز القديم، وبقيت ظواهر قليلة لها تجل في فن الأيقونة، أو المنمنمات الإسلامية، وغيرها. إلا أنه، وبعد تلاقح الثقافة العربية مع الغربية، وخاصة بعد الاحتلالات الأوربية للمنطقة العربية، عادت ثقافة الصورة إلى الظهور وبقوة، ولا يمكن لأي شفوي الآن أن يؤثر بذلك الانغماس المجتمعي في الصورة بكل أشكالها، سواء بالفنون البصرية، أم السينما، والتلفزة، والميديا.




أما في ما يتعلق بالسؤال حول من يلجم الآخر، فلا أعتقد أن هناك تعديًا بين فنون وطرق التواصل، بل هي سيكولوجية استقبالية تتغير مع التبدلات المجتمعية والتطورات التي تجري داخل المجتمعات وبينها. فالأغنية لا يمكن أن تسمح لأحد بالاقتراب منها، ولن تتغير كوسيلة تلق سمعية، وكذلك الثقافة السمعية داخل الفكر الإنساني، من محاضرات وأمسيات أدبية، وغيرها. ولا أرى أن الأمر يمايز هنا بين الثقافة العربية، وبقية ثقافات العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الحدود والمحرمات الصغيرة التي بدأت تتهاوى في المجتمعات المحافظة، أو الطوطمية، وذلك بفعل الطوفان الرقمي الذي أصبح من الصعب أن تنجح أي ثقافة في البقاء من دون أن يبللها هذا السيل الذي يحمل معه ثقافته وأنماط اختراقه للحواجب والحواجز.


(*) يدخل الكتاب في موضوعات فنية لا حصر لها تتعلق بالصورة، مثل الأيديولوجيا، والموت، والفراغ، وغيرها. إلى أي حد يمكن اعتبار أن هذه الموضوعات تشكل مداخل حقيقية لاجتراح مشروع فني عربي؟
لا شك في أن الحديث عن هذا الموضوع يبقى ناقصًا مهما كُتب عنه، ولطالما ترافق هذا مع توسع وتطور التكنولوجيا، مما يجعل من الصعب الوصول إلى صيغة نهائية لقراءة الصورة. يحتاج الأمر فعلًا إلى اقتراح مشروع فني عربي، خاصة أننا لم نكتب تاريخنا البصري بأنفسنا، عدا أنه لم يأخذ حقه الكامل في البحث والتقصي والتوثيق. يحتاج ذلك ولا شك إلى مؤسسات بحثية وفرق عمل كبيرة، لأن العمل الفردي غير قادر على القيام بهذا الجهد الطويل. ولو أخذنا على سبيل المثال محورًا واحدًا فقط، وهو الكتابة في تاريخ الجسد بصريًا، منذ السومريين إلى الآن، وكيف كان انعكاس ذلك على الإغريق، وبالتالي على أوروبا، لوجدنا أنه بحث طويل ومتشعب، ويحتاج إلى جهود من كافة الاختصاصات لسبر دلالاته وإشراقاته.
من المؤكد أننا في حاجة ماسة إلى مشروع فني عربي متكامل يعمل وفق منهجية واضحة تتوجه نحو تأصيل الإشراقات العربية في مجال الصورة ودلالاتها الحضارية والثقافية، بحيث يمكن إعطاؤها ما يشبه الهوية المتفرّدة، وذلك لنتمكن عندها من رصد وفهم انعكاسات الثقافات الأخرى علينا، بحيث لا نبقى متأثرين ومتلقّين سلبيين. غير أن هذا المشروع يحتاج إلى تضافر جهود البحّاثة الاختصاصيين، والفنانين، وعلماء الاجتماع، ولا أعتقد أن الأمر بتلك الصعوبة متى بدأنا في رسم الخطوات الأولى لخارطة الطريق هذه.


(*) هل تعتقد أن الصورة لعبت دورًا في تعرية واقع الحرب في سورية فنيًا؟
كيفية تأثير الحرب على الفن التشكيلي، والصورة من أهم الموضوعات التي أعمل عليها الآن، باعتبارها ذات تأثير كبير، أدى إلى حدوث تحول في المشهد الثقافي السوري عمومًا. إن صورة الجسد/ الإنسان/ في اللوحة هي أحد الموضوعات الحيوية التي يجب أن تدرس ضمن انعكاسات الحرب على الثقافة البصرية، فقد جسد الفن بصورة عامة حالة الحرب، وعرّى الكيانات الاستبدادية في أشكال مختلفة. ولذلك تولّدت لدي فكرة دراسة العلاقة بين الفن والعنف بعمق، وهي العلاقة التي لها حضور سابق أصلًا في تاريخ الفن الأوروبي، نتيجة التاريخ الطويل للحروب الوطنية والدينية والعالمية التي مرت بها أوروبا والغرب عمومًا.




كان للصورة حضور كبير في واقع التجارب في سورية، فهي كانت السلاح المرافق للمتحاربين، وكانت المنظار للمراقبين. وجميعنا يحمل في ذاكرته صورًا قد تكون أبلغ من كثير من الكلمات. لقد كان الموت والخوف والدمار حاضرين في الصورة المتداولة في سورية، وعمل كثير من الفنانين على استخدام هذه الوسيلة التواصلية والإبداعية بطريقة تبدو مجهرية أحيانًا نتيجة دقة التفاصيل النفسية في عدد كبير جدًا من اللوحات والصور. فالوجع أصبح مرئيًا، والخوف أصبح أمام عينيك، وحضر الموت بقوة في ذاكرتنا البصرية، مما يجعل دور الصور مرادفًا للأيديولوجيا بسعيها البراغماتي أحيانًا، والحيادي أحيانًا أخرى.


كيف يمكن للصورة أن تغدو سلطة وأيديولوجيا في آن واحد؟
تعد الصورة جزءًا من الأيديولوجيا، وأداة توظيف لها، حيث أدت خدمات كثيرة لها بوصفها سلطة تبحث عن ديمومتها. يحمل لنا التاريخ أمثلة كثيرة، وخاصة في استخدام النحت كأداة تأثير وكرسالة أيديولوجية، وهو ما ظهر في كثير من المنحوتات التي انتشرت في دول كثيرة يعد الاتحاد السوفياتي سابقًا رائدًا فيها، وتنضم إليه باقة من الدول التي دارت في الفلك نفسه، كسورية والعراق. لقد كرست الأديان ثقافة الصورة وتأثيرها وتوظيفها لصالح الدين لأن الأيديولوجيا المرتبطة بالقوة، أو قدرة التسلط، تستبيح كل شيء لأغراضها، وتوظف كل أدوات التأثير لفرض حضورها، وتوجيه المجتمع.
للصورة سلطتها، وأدواتها التشريعية والتنفيذية ومرجعيتها، سواء كانت دينية، أو سياسية، أو حتى جمالية مجردة. وهذا يعيدنا إلى أهمية دراسة الصورة بشكل أعمق لتكون إضافة حضارية للشعوب، وليست مجرد تعبير عابر، وهو ما تناولت جزءًا منه في الكتاب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.