}

أستيقظُ لأحلُم وأنامُ لأتألّم

يوميات أستيقظُ لأحلُم وأنامُ لأتألّم
(سليمان منصور) "سلام" (2007)

هذهِ مُعادلة الحياة حين تمضي الحبّاتُ في ساعة الرمّل الضيّقة، وتبقى عالقةً في عُنقها الصغير، لا تمشي، ولا تعود.
أستيقظُ لأحلُم بخيولٍ كثيرة، تجري بعيدًا نحوَ أزقة الذكريات.
بعناق الأُمهات، ورائحة البيت، وشجر التُفّاح فوق أسوار المدرسة يتساقطُ على الطفلِ الماشي بهدوءٍ تحتها.
بدوشةِ الشارع ساعة الظُهر. بائعُ الحليب، بائع الكلور، نهيقٌ لحمارٍ مُتعب من ضرب صاحبه، صوتُ المنجرة في يمين الطريق، حركةُ الطلاب وقتَ العودة من مدارسهم.
أستيقظُ لأحلُم، برائحة الصيف البعيدة...
كيفَ صارت بعيدة؟ أسألُ وتسألُ دمعتي معي.
كُلنا هُنا، نستيقظَ لنحلُم بحياةٍ كاملة، لا شظيةَ تخترقُ رتابتها المُعتادة، ولا رصاصةً ترتقُ جسدها اليوميّ الممشوق، لا تُغيّر شكله سوى بعض الترهلات، كمشكلات الأُمهات مع زوجات الأبناء، أو شجار سريع بين أطفال الحيّ يُغضب الرجل المُتظلل في شرفته من شمس العصر، يصرخُ عليهم كي يذهبوا بعيدًا.
أينَ يذهبُ الصغار؟ هل كان يعرفُ أن البعيد بعيدٌ جدًا، بحيث لا حياةَ تعودُ إلى ما قبله، أنّهم سيذهبون بعيدًا، في التُراب، يلعبونَ هُناك، بين قبرٍ وقبر، لا أحد سيشتكي، فالكُلُ موتى، والمدينة ستكون كذلكَ ميتة.
أستيقظُ كلّ يومٍ من جديد، لأُعيد الحُلم نفسه... لأشكّلهُ بيدي، بذكرياتي، بقلبي، بعقلي، بألبوم الصور المُسجّى قتيلًا في معرضِ الهاتف، بالرسائل الأخيرة لأصدقاءٍ باتوا شُهداء، بالكلمات الوحيدة العالقة في حلقي، لم أقُلها، ولم تقُلني. لا أنا أحكيها، ولا هي تحكي عنّي.
أحلُم، لأنَّ الحُلم هو الطريقة الوحيدة كي أُعيدَ ترتيبَ الحياة، كما تليقُ بها، كما تليقُ بقلبي.
فلا شيءَ لنا، كفلسطينيين، لا طريقةَ، لا حياة، لا نمطَ، لا أيام، سوى بالحُلم.
لقد أفقدنا العالم حقّنا في أن نكونَ طبيعيين، نمضي في يومنا كأيٍ إنسانٍ عادي، تنسكب القهوة على قميصه بداية النهار، فيُغيّره سريعًا ويمشي إلى حيثُ يُريد. إنها حياةٌ عادية، جدًا، جدًا، كما لا يُريد لنا العالم أن نعيشها.
أحلم فيها، وأسأل: هل هي صعبة؟
كم كلّفَ العالم في سنواتٍ سابقة، كي يعيشها؟ وهل ندفعُ الآن كُلفة حياةٍ كهذه، سنعيشُها لاحقًا؟
إنهُ الحُلم، إنهُ المُشكلة. رُبما كان الخطأ أن نحلُم، رُبما عليَّ الآن أن أستيقظ، لأعيش كما يُريدون، مراقبًا الطائرات، ضجيجها، علوَّ صوتها، وانخفاضه، اختراقه للأُذن، رُبما سأعطيهم ملاحظاتٍ عن ضعفها هذا اليوم، عليها أن تكونَ حادّةً بما يكفي كي تُنسينا شكلَ الحُلم، عليها أن تجعلني أستيقظ، فضجيجُ الحُلم، أكثر صخبًا من ضجيجِ الطائرة.

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.