}

العلامة العائدة

محمد خضير 7 فبراير 2017
آراء العلامة العائدة
لوحة للفنان التشكيلي السوري سمعان خوام

 العلامة الوحيدة العائدة من حفل تنصيب الرئيس الجديد ترامب، ترتكز حول محور قديم/ جديد: الصراع على جاذبية السرد بين مركز مهيمن ومحيط تابع.
من جانب آخر يتصل بمظاهرات الشوارع الأميركية: تعود للأذهان سرديات راديكالية، انموذجها الأشهر انجيلا ديفز خطيبة السود وصاحبة المذكرات الصادرة بالعربية بعد نكسة حزيران، وشعارات المقاومة "القبضة المضمومة" و"المشعل الاحمر" و"عجلة التقدم" وكلّها تعود مجتمعةً في شعار الحركة النسوية الاميركية "Women's March".

هل ستعكس العلامةُ الاميركية القوية مؤشراتها الغاربة على سردياتنا، أم أنَّ للعرب جرأتهم الكافية وحريتهم المفترضة بالانفصال عن محور العلامة السردي وشعاراته الثورية؟

 هذا هو الدرس من حفل تنصيب ترامب باكسسواراته السينمائية المبهرة، وما سيتبعه من قرارات الاشهر الثلاثه القادمة. فلننتظر قيامة الشوارع او لنندس في فردوسنا الوهمي وسردياته العُرج!

  بدا حدث التنصيب شأناً أميركياً خالصاً، مكرَّساً لتوصيل الفكرة الطاغية في خطاب الرئيس: "أميركا أولا" قبل أن ينتقل ليصبح شأناً عالمياً، ومادة فضائية، ومؤشراً على صعود الشعبوية القومية. ولعلّ ملايين سارعوا إلى ادّخار صور التنصيب وفكروا في تركيب السيناريو الخاص برؤاهم من مناطق مختلفة حول الشوارع الزاحمة. وكانت وسائل الاتصال الاجتماعي المصدر الأول لمن يؤرشف قدره الأصغر من هذه الرؤيا العظمى.  

 من قبة الكابيتول انحدرت سرديةُ الشوارع المزدحمة/ السمة الغالبة للأعوام القادمة، لكي يتواصل الحلم الأميركي في روايات نورمان ميلر وترومان كابوتي وجويس كارول أوتس وتوني موريسون وفيليب روث بقوة مع "الجرافيتيات" النسوية وأغنيات الاحتجاج الجماهيرية. وستعكس التواصلات الفورية والتغريدات وصور الانستغرام واقعاً من التقابلات والتضادّات متساوياً مع سياسات الجسد والهجرة وجدران العزل التي تنوي الإدارة الأميركية الجديدة إقرارها. وحول هذه السياسات اليمينية ستصبح الرواية الأميركية الأسرع حركةً بين الروايات العالمية المتّجهة أكثر فأكثر نحو المثير والزاحم في الحياة المعاصرة. أي إنّها ستتّجه إلى تقوية مركزيتها السردية الراديكالية التي رسّختها رواياتُ شتاينبك الاجتماعية في فترة الكساد الاقتصادي وروايات جيل "البِيت" التشردية بعد حرب فيتنام وخلالها.

 رافقَ حادثُ التنصيب التاريخي القطعَ المفاجئ لسرديات الهامش الآسيوي والأفريقي/ عودةَ التمركّز حول سرديات الحداثة الغربية/ الأميركية، وقد وُشِّيَ بغضب الشوارع المتزاحمة. ومن هذا المنظور الطارئ ستراجع الرواية العربية حسابها المودَع في بنوك النظرية الغربية بعد سنوات من الرخاء والطمأنينة. ثمة انعطاف أساسيّ/ شرخٌ في المنظور الهامشي الذي ارتضتْه لسوقها المحدودة، يؤشِّران لنفاد صلاحية بعض الأنواع الشائعة من روايات "الضدّ" الوافدة، كرواية التقرير التسجيلية، ورواية الواقع الرقمي. إنّ ارتباط هذين النوعين بالصحافة والسينما والإنترنت، وتسويقهما في نطاق الهزات السياسية والحوادث المفاجئة (الاغتيال، الاختطاف، الإرهاب، الاغتصاب، الهجرة، التظاهر) استنفدا السِّحرَ الامتثالي لرواية ما بعد الاستعمار. أمّا حين يعود هذا السّحر/ فنتازيا الضدّ الراديكالي بقطيعته الأميركية/ الشوارعيّة، فإنّ الخيبة بتحرر الرواية العربية من سطوة المركز الغربي ستكون مدمّرة.

ليس هذا إلا مثالاً واحداً لاستحالة الانفصال عن مركز الجذب الغربي الذي يؤسِّس من جديد لامتثاليةٍ مصنوعة بمقاييس الشوارع الأميركية المنتفضة، وتسويقه على مواقع الاتصال الاجتماعي، في مرحلة التنصيب/ وضدّ التنصيب. ستخيب الآمال بتأسيس حداثي لمرحلة سردية في منأى من ميزان القوى المتصارعة على استلاب الهامش المُنتَزَع بتضحيات رمزية جسيمة.

ستُشَغِّلُ صورةُ نزول الرئيس الجديد ترامب من سلّم بهو الكابيتول تحت قدميّ التمثال الشاهق لإبراهام لنكولن، وصورةُ الرئيس السابق أوباما وزوجته الخارجين إلى الشارع في مقدمة صفّ طويل من السُّود (صورة حقيقية إزاء صورة ربما كانت مفبركة) ومشاهدةُ جون كيري مع كلبه في مظاهرة النساء الأميركيات (صورة لا تحتاج إلى المصداقية) ثم وقوفُ ممثّلات هوليود على منصّة خطابة مقابلة لمنصّة ترامب (صور مطلوبة) إضافةً إلى التمثيلات المصنوعة على وفق علامةٍ عائدة من عصر الاستعمار، كلُّها ستُشغِّلُ حنيناً مندثراً لأنواعٍ سردية عربية (امتثاليةٍ/ مخدوعة) انطوَت في وقتٍ مبكر من القرن العشرين.

  حين نشغِّل علاماتِ تنصيب الرئيس ترامب بين عدد كبير من العلامات السردية العائدة، تتبأرُ المشكلةُ في سؤالٍ رئيس يأتي قبل غيره: هل لدى العرب الحرية الكافية والجرأة المطلوبة للخروج على حداثة المركز الغربي/ اليميني والراديكالي/ التخييلي والتسجيلي/ أم أنّ ارتباطهم الامتثاليّ/ القدَريّ به رهينٌ بقطْعٍ عنيف لا يؤتينا واقعُنا الرثّ بعلامة صادقة على تقديره ووصفه؟

  

مقالات اخرى للكاتب

آراء
29 مارس 2018
آراء
28 فبراير 2018
نصوص
24 نوفمبر 2017

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.