}

مئوية مرسي جميل عزيز.. مهندس الأغنية المصرية

سليمان بختي سليمان بختي 17 يوليه 2021
استعادات مئوية مرسي جميل عزيز.. مهندس الأغنية المصرية
مرسي جميل عزيز
حلّت هذه السنة مئوية ولادة الشاعر الغنائي المصري مرسي جميل عزيز (15 شباط/ فبراير 1921 ـ 9 شباط/ فبراير 1980). لقب بشاعر الألف أغنية، وفارس الأغنية العاطفية، والفاكهاني (بدأ حياته كتاجر فاكهة، مثل والده الذي كان يستورد البطيخ من فلسطين). وهو الشاعر المصري الوحيد الذي غنت له فيروز قصيدة "سوف أحيا" بألحان الأخوين الرحباني، إثر زيارتهم إلى مصر عام 1955، بدعوة من إذاعة "صوت العرب".
ولد مرسي جميل عزيز في شارع شمسي باشا في مدينة الزقازيق، محافظة الشرقية شمال مصر. كان لوالده الذي يعمل في تجارة الفاكهة دور في حياة نجله، فساعده في صغره على حفظ القرآن، والمعلقات السبع، وقراءة كثير من الشعراء، وعلى رأسهم بيرم التونسي (أحب مرسي جميل عزيز والده، وكان يكتب سيرته لفيلم سينمائي من بطولة زكي رستم، ولما توفي رستم توقف المشروع). تأثر مرسي من خلال معايشته سوق الفاكهة بنداءات الباعة والأغاني الشعبية واستوعبها.
نال البكالوريا من مدرسة الزقازيق الثانوية عام 1940، والتحق بكلية الحقوق. وهناك أصبح رئيسًا وعضوًا لجمعيات الشعر والأدب والموسيقى والتمثيل والرحلات وفنون التصوير (كانت هوايته الثانية بعد الشعر، وأقام معرضًا لصوره في لندن).




درس الأدب والشعر العربي والعالمي وأصوله ونظرياته. لم يكمل دراسته في كلية الحقوق، لكنه التحق بمعهد السينما، وحصل على دبلوم في كتابة السيناريو عام 1963. تأثرت قصيدته بدراما السينما من خلال الحس الدرامي والوحدة العضوية، مثلما أثرت هوايته في التصوير في خياله، وبيئته الشعبية في إغناء مفرداته، وفي خلق شخصية وانتماء وأصالة. كتب أول قصيدة شعرية في سن الثانية عشرة في رثاء أستاذه، وأول كلام ملحن كان لبنت الجيران لتبليغها رسالة. وفي عام 1939، أذيعت له أول أغنية في الإذاعة، ولم يتجاوز الثامنة عشرة، بعنوان "الفراشة"، لحنها الموسيقار رياض السنباطي. وفي السنة عينها انطلقت شهرته عندما كتب أغنية "يا مزوق يا ورد في عود"، وغناها المطرب عبد العزيز محمود. تعرف إلى عبد الحليم حافظ، وكان في بداياته، عن طريق الصديق المشترك، الملحن محمد الموجي. قال له عبد الحليم: "إنت بلدياتي، وتعرف خالي وأخويا وجيت بيتنا... أنا أخو المطرب إسماعيل شبانة".

أم كلثوم، فريد الأطرش، مرسي جميل عزيز، وعبدالحليم حافظ 


سمع من عبد الحليم "ولد الهوى"، وأعجبه "الصوت العذب المتوج بالبساطة والرقيق والسهل الممتع والقريب من أداء الشيخ محمد رفعت". لم ينم مرسي جميل عزيز في تلك الليلة من شدة الإعجاب، وكتب له أغنية "مالك ومالي يا أبو قلب خالي". وراح يكتب لعبد الحليم حافظ، وكان صاحب النصيب الأكبر من كلماته. وقدمه لصديقه المخرج حلمي حليم لبطولة فيلم "أيامنا الحلوة" 1955 بدور علي. وكتب له أغاني الفيلم "هيا دي هيا"، و"يا قلب خبي"، و"الحلو حياتي وروحي"، وكرّت الأغاني: "الليالي"، و"نعم يا حبيبي نعم"، و"بأمر الحب"، و"بتلوموني ليه"، و"إسبقني يا قلبي"، و"ليه تشغل بالك"، و"ضحك ولعب وجد وحب"، و"بحلم بيك"، و"في يوم في شهر في سنة"، و"نار يا حبيبي نار"، و"جواب"، و"يا خلي القلب"، و"أعز الناس"، و"بلدي با بلدي"، و"الفجر لاح"، وغيرها من الأغاني الجميلة.




صداقته مع عبد الحليم بقيت حتى وفاته، وفي أربعينه كتب مرسي جميل عزيز قصيدة رثاء بعنوان "لن يطول الانتظار". غنت له أم كلثوم ما اعتُبر أجمل ثلاثية "سيرة الحب"، و"ألف ليلة وليلة"، و"فات الميعاد". ولتلك الأغاني قصة، فقد استدعته أم كلثوم أكثر من مرة للاتفاق على أغنية من تأليفه، فكان يعود ويهرب. ويقول عزيز إنه في تلك الفترة سيطرت عليه فكرة أن كل مطرب له شاعره، وشاعر محمد عبد الوهاب هو حسين السيد، وشاعر أم كلثوم هو أحمد رامي، وشاعر فريد الأطرش هو مأمون الشناوي، وإنه كان يحب أن يبدأ مع المطرب، أو المطربة، ويكبران معًا. وفي المرة الأخيرة، قالت له أم كلثوم: "حد يهرب من أم كلثوم... إنت عيّان ولا إيه". وصارحها بمخاوفه، فقالت: "الكلام ده كان يصح قبل عشر سنين بس دلوقتي إنت اسمك كبير لا أنا ح طلعو ولا ح نزلو". قدم لها ثلاث أغان، وطلب إليها أن تختار واحدة منها. فقالت "بل سأغني الثلاثة، وإنت تقرر نبتدي بإيه". فقال:" خلاص يا ستي نبتدي بـ’سيرة الحب’"، وبالفعل غنت أم كلثوم لاحقًا "ألف ليلة وليلة"، و"فات الميعاد". وكانت "سيرة الحب" ستذهب إلى الموجي، ولكن حصلت "لخبطة"، وذهبت إلى بليغ حمدي. ولكن ما أسعد مرسي جميل عزيز عدا نجاح الأغاني وجمال اللقاء والتعاون مع أم كلثوم، كونها لم تغيّر، أو تعدل شيئًا فيها. ولبثت تلك الكلمات التي نرددها: "عاوزنا نرجع زي زمان/ قول للزمان إرجع يا زمان/ وهتلي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان". أو: "الله محبة، الخير محبة، النور محبة"، "تفضل حلاوة أيام أول لقاء في إيدينا"، وغيرها. وغنى من كلماته فريد الأطرش "ما تحرمش العمر منك"، و"أنا وإنت وبس"، و"زمان يا حب". وساهم عزيز في شهرة المطربة فايزة أحمد، وكان أول من قدمها للإذاعة المصرية، وكتب لها: "تمر حنه"، و"يما القمر ع الباب"، و"إيه يا قلبي"، و"حيران"، و"بيت العز يا بيتنا". وغنت من كلماته المطربة وردة الجزائرية: "لولا الملامة"، و"لعبة الأيام"، و"يا خبر". كما غنت له نجاة "أما براوة"، و"حبيبي لولا السهر"، و"إيه هو ده"، و"أنا بستناك"، و"غريبة ومنسية"، و"وحياتك يا هوى". وغنت له شادية "شباكنا ستايرو حرير"، و"يا نور عيني"، وهي عن ابنته، و"على عش الحب"، و"وحياة عينيك". وغنى من كلماته محمد قنديل "ثلاث سلامات"، و"يا حلو صبح يا حلو طل". وغنى أيضًا محمد فوزي "بلدي أحببتك يا بلدي"، و"الشوق"، و"إيه والله". ومحمد الكحلاوي "عليك اتكالي". وغنى من كلماته محرم فؤاد: "الحلوة داير شباكها شجرة فاكهة ولا في البساتين"، و"رمش عينو اللي جارحني"، و"النبي لنكيد العزال"، و"ندم"، و"يا غزال اسكندراني". غنت من كلماته صباح في "أنا شفت جمال"، و"من موسكي لسوق الحميدية"، و"بستاني يا بستاني"، و"زي العسل"، و"مالي الهوى ياما"، و"يا أنا يا نا أبوتأنة"، وغيرها. وحورية حسن "يا بو الطاقية شبيكي".




ألّف مرسي جميل عزيز أغاني 25 فيلمًا، بدأها بـ"مبروك عليك" 1949، وختمها بـ"مولد يا دنيا" لعفاف راضي 1976، والتي غنت من كلماته "يهديك يرضيك"، و"النبي تبسم"، مرورًا بـ"حكاية حب"، و"أنا وبناتي"، و"المرأة المجهولة"، و"أحبك يا حسن"، و"أدهم الشرقاوي"، و"الشموع السوداء"، و"يوم بلا غد"، وغيرها. وكتب أغنية لعبد المنعم مدبولي بعنوان "طيب يا صبر طيب..."، ومنها "يرحم زمان وليالي زمان/ الدنيا كانت وردة وشمعة/ ولسه ما اخترعوش أحزان". كما كتب مرسي جميل عزيز أغاني للخطوبة والفرح، ونالت شهرة مثل "طالعة السلالم"، و"يا ليالي ملاح"، و"زلغوطة حلوة"، و"توب الفرح يا توب"، التي استمدها من نداء الباعة "ثوم الخزين يا ثوم". وكتب ما أسماه صورة غنائية مستلهمًا التاريخ والتراث، مثل "قطر الندى"، و"عواد باع أرضه". ومع أن مرسي لم يكتب في حياته ولا أغنية لمحمد عبد الوهاب إلا أن تدخل الأقدار جعل عبد الوهاب يغني "من غير ليه"، التي كتبها مرسي لصديقه عبد الحليم حافظ، الذي توفي قبل أن يغنيها، ثم توفي شاعرها بعد سنوات قليلة ليختم فيها عبد الوهاب آخر أغنياته (1989).
عام 1961، حصلت حادثة نغصت حياة مرسي جميل عزيز لفترة، إذ اتهمه الصحافي والشاعر جليل البنداري بأنه سرق مطلع أغنية "يما القمر ع الباب" من التراث، وكذلك مطلع أغنية "أنا شفت جمال" لصباح، من أحمد شفيق كامل. وتضامن مع البنداري الشاعر مأمون الشناوي. فكتب عزيز ردًا في الصحف بعنوان "زمن شعراء الأغاني، وزمن صبيان العوالم". وبالأخير لجأ إلى فتحي سلام، رئيس تحرير "الأخبار"، مع شيك بقيمة خمسمئة جنيه، وطلب إليه تشكيل لجنة من محمد مندور، وعلي الراعي، وصلاح عبد الصبور، وعبد القادر القط، للنظر في أغاني مرسي جميل عزيز. وكتب العقاد أن المعاني التي أتاها مرسي في قصيدته الغنائية مختلفة عن المطلع. كما أن اللجنة أنصفت مرسي جميل عزيز، وعدته شاعرًا أصيلًا في معانيه ومبانيه. ولكن الرد الأفصح جاء عبر تكريم الدولة له بوسام الجمهورية للآداب والفنون عام 1965، الذي تسلمه من الرئيس جمال عبد الناصر، ضمن أول مجموعة صغيرة مرموقة تحصل على الوسام في مجالات الفكر والفنون والآداب.




عُدَّ مرسي جميل عزيز ظاهرة أدبية وفنية بارزة في عصره، فقد كتب الأغنية بألوانها العاطفية والشعبية والوطنية والدينية، وكتب الشعر والأوبريت والقصة القصيرة والسينمائية وسيناريوهات الأفلام. وكتب المقالات الأدبية في الصحف والدوريات المصرية.

لم يغنِّ محمد عبد الوهاب من كلمات عزيز في حياته، لكنه غنى "من غير ليه"، التي كتبها مرسي جميل عزيز لصديقه عبد الحليم حافظ 


لبث مرسي جميل عزيز وفيًا للأغنية، فالأغنية عنده أن تحمل الهم والقضية والرسالة والفرادة، وتحمل الكلمة الخضراء، وحفنة من ضياء. عدَّه محمد عبد الوهاب جوهرجي الكلمات، أو رسامها. ورأى خيري شلبي أنه الشاعر الوحيد الذي كان صاحب مشروع شعري متكامل. وقال عنه أنيس منصور إنه "مهندس الأغنية المصرية". ورأى يحيى حقي أن مرسي ترك جمالات شعرية يجب أن تدرس على الناشئة في المدارس. لامس مرسي جميل عزيز كل شيء في حياة مصر ووجدانها، وفي تنوع المشاعر ووصفها. في سلسلة ديوان الشعر العامي المصري، هنالك أربع صور تظهر دائمًا على غلاف السلسلة، واحدة لبيرم التونسي، وثانية لفؤاد حداد، وثالثة لصلاح جاهين، ورابعة لمرسي جميل عزيز.
استطاع عزيز التعبير عن مشاعر الأنثى في أغنياته، وعن لحظات الحب الصادقة، كما طوّع اللغة الفصحى لتصير لهجة الحياة اليومية، وتدخل في نسج الموسيقى الناعمة. وكان يردد دائمًا "أحاول أن أقول للناس كلمة حب"، وكان صادقًا وشفافًا في مسعاه وبيانه.
في التاسع من شهر شباط/ فبراير 1980، غادر مرسي جميل عزيز عالمنا إثر إصابته بمرض خطير. سافر للعلاج في الولايات المتحدة الأميركية، لكنه عاد ليموت فوق تراب مصر، ودفن في الزقازيق التي أحبها واعتز بها، والتي أطلقت اسمه على الشارع الذي كان يسكن فيه. وكأنه في رحيله المبكر كان يردد شطرًا من الأغنية التي كتبها لفيروز "سوف أحيا"، إذ يقول "نحن من نور إلى نور مضينا يا رفيقي".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.