}

عقل الذكر وعقل الأنثى: لا امتياز لأحدهما على الآخر

مها عبد الله مها عبد الله 10 يوليه 2023


كتاب "المخ ذكر أم أنثى؟" (د. عمرو شريف ود. نبيل كامل، تقديم: د. أحمد عكاشة، نيو بوك للنشر والتوزيع، الطبعة 8، 2011) غزير علمًا وفكرًا وإيمانًا، وهو يسلّط الضوء على كثير من الحقائق العلمية التي تكشف عظمة الخالق في إبداع خلق الزوجين الذكر والأنثى، ويُنهي ذلك الجدل البيزنطي حول امتياز أحدهما على الآخر. بالرغم من هذا، وعلى نفس الوتيرة العلمية والموضوعية، يبشّر الكتاب بمستقبل أنثوي واعد حين استفاض في إنصاف الأنثى على طول صفحاته، من خلال التأكيد على ما تتميز به من استعدادات فطرية، وملكات أخلاقية، ومنظومة سلوكية، تنمو جميعًا بنموها في مختلف مراحلها العمرية. إنه بالتالي يعمل على تبرئة الأنثى من كل الدعاوى المغرضة في الانتقاص من قدراتها العقلية لصالح عقل الذكر الذي أكدّ الكتاب تفوقه على الأنثى بشكل أكبر في جوانب، مقابل تفوق عقلها عليه بشكل أكبر في جوانب أخرى. كل هذا من خلال معلومات وأبحاث ودراسات علمية، لا من خلال حملات مشحونة بالتطرف الجندري، لا سيما وقد جاء الكتاب رجوليًا بالثلاثة، من حيث مؤلفي الكتاب والمقدم له، فضلًا عن كونهم جميعًا من أهل الاختصاص! فلا شبهة لشعارات نسوية، ولا للعاطفة سبيل، ولا للتحيز مكان. يقول المقدم للكتاب: "لا جدوى من الهروب! المرأة تغيرت، جسديًا ونفسيًا والأخطر عقليًا، بعد أن أكدت الأبحاث الأخيرة أن عقل المرأة مختلف عن عقل الرجل. ‎إن التحدي الحقيقي الذي يواجهه إنسـان هـذا العصر ليس اكتشاف كواكب مجهولة، ولا أقمارًا غامضة تجوب الفضاء الفسيح، ولكن اكتشاف قدرات الإنسان الخفية وأخطرها العقل، وخاصة عقل المرأة". لا يفوت المقدم مع هذا الإقرار الإشارة إلى عظيم صنع الله، فيقرّ مجددًا "‎إن كتاب «المخ ذكر أم أنثى» رحلة في أشد العوالم غموضًا، ألا وهو المخ... وفي أثناء إبحارنا مع المخ تتجلى عظمة الخالق".

وعن المؤلفين، فهما: د. عمرو شريف، أستاذ ورئيس سابق لقسم الجراحة بكلية الطب في جامعة عين شمس، وله عدد من المؤلفات العلمية والفكرية والدينية، ود. نبيل كامل، خبير في برامج التنمية البشرية. أما المقدم للكتاب، فهو أ. د. أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة عين شمس، ورئيس مركز بحوث الصحة النفسية لمنظمة الصحة العالمية، ورئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب، وله العديد من المؤلفات في الطب النفسي والأبحاث العلمية المنشورة محليًا وعالميًا.

يفتح الكتاب مصراعيه على بابين رئيسيين، يفتحان بدورهما ثلاث عشرة نافذة في فصل تلو الآخر، بالإضافة إلى صفحات الإهداء والمقدمة في البداية، وحصاد الرحلة في الختام مع الملاحق والمراجع. كم كان جميلًا أن يستهل إهداء الكتاب إلى "بناتنا وأزواجهن" قبل الجميع، والذي ينتقل بدوره إلى (الباب الأول: الذكورة والأنوثة)، فيبدأ بعرض مجموعة من (تأملات وتساؤلات) في الفصل الأول، لينتقل إلى الفصل الثاني والذي يعرض فيه (العلماء وهم يجيبون على عدد من المفاهيم الأساسية)، ومن ثم عرض (ملامح وسمات التعاطف والتنظيم) في الفصل الثالث. وفي حين يدور النقاش في الفصل الرابع عن (التنشئة أم الفطرة؟) يتطرق الفصل الخامس إلى (إكسير الذكورة)، بينما يتعرض الفصل السادس إلى (إكسير الأنوثة)، ومن ثم ينتقل الحديث في الفصل السابع عن (أمراض تكشف الحقيقة)، ويختم الفصل الثامن بموضوع وتساؤل عن: (الجينات والمخ... ثم ماذا بعد؟). ثم يفتح الكتاب (الباب الثاني: تطبيقات على الجنوسة) مبتدئًا بالفصل التاسع في إيحاء عن (الجنس بين شهريار وشهرزاد)، ومن ثم ينتقل إلى الحديث في الفصل العاشر عن الذكر والأنثى باعتبارهما (شريكين في مؤسسة الأسرة)، الفصل الذي يقود بدوره للحديث عمّا (بين الأمومة والأبوة) في الفصل الحادي عشر، ليوجه لهما نداءً في الفصل الثاني عشر بـ (أيها الآباء... أيتها الأمهات: ستحصدون ما تزرعون)، ليخلص في الفصل الثالث عشر بالتوصية حول (القدرات والاهتمامات والعمل).

تعتمد هذه المراجعة، كما أشير أعلاه، على الطبعة الثامنة للكتاب الصادرة عن (نيو بوك للنشر والتوزيع) عام 2011، وباقتباس يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر). وقبل البدء، لا بد من التنويه بأن مادة الكتاب جاءت علمية صرفة معززة بالملاحق والمراجع وبمنهجية تراتبية في العرض والتقديم، وباستخدام لغة مباشرة تخاطب القارئ غير المختص، فضلًا عن النصائح الثمينة المقدّمة للأزواج، مع جملة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية التي اكتسى بها إلى جانب المادة العلمية. وهو في هذا يسعى إلى إبطال الشعارات التي تعظّم الجنس الذكري على حساب نظيره الأنثوي، علميًا وموضوعيًا.

يقرّ علم التشريح بتشابه مخ الرجل ومخ المرأة فسيولوجيًا، مع فارق الحجم لصالح الرجل والذي يُبرر بصغر حجم جمجمة المرأة في العادة. غير أن الحجم لا يقرّ درجة الذكاء بالضرورة، إذ أن الفيل ليس بأذكى من الإنسان رغم كبر حجم المخ عنده، كما لم يثبت التشريح وجود أي فرق بين مخ أينشتاين ومخ أي متخلف عقلي، وقد تم تشريح مخه بعد وفاته بموافقة مسبقة منه. إن الفارق هنا يكمن أساسًا في مستوى أداء الخلية العصبية للمخ. كذلك، يرفض الكتاب اعتماد كلًّا من "العوامل التربوية" وما تقوم عليه من موروثات ثقافية وأعراف اجتماعية، و"الفروق الكيميائية" المتمثلة في الهرمونات الجنسية، في تفسير الاختلافات الفكرية والنفسية والسلوكية بين الإناث والذكور، تفسيرًا قاطعًا. وعن تفاوت درجة العاطفة والمنطق بين الجنسين، يذكر الكتاب: "أن الرجل عندما يحب... يحب بلا منطق، وعندما يمنطق الأمور فإنه يمنطقها بلا عاطفة. في حين أن المرأة تمنطق الأحداث بعاطفية، وفي قمة عواطفها لا تتخلى عن المنطق".

وفي مقارنة سريعة حول: أولًا (المشاعر والتعبير)، يظهر الرجل وهو يعاني من قصور نسبي في التعبير عن مشاعره بالكلمات، حيث تقع قدرات الإدراك بالأمور الشعورية لديه في النصف الأيمن من الدماغ، بينما تقع قدرات التعبير اللغوي لديه في نصفه الأيسر. أما المرأة فتتوزع القدرتين في كلا النصفين، مما يفُسر المهارة اللغوية لا سيما الفورية لديها. ثانيًا (عملية التفكير)، في أثنائها تظهر "الخلايا العصبية" المسؤولة عن معالجة المعلومات أعلى بمعدل ستة أضعاف عند الرجل عن المرأة، في حين تظهر "المحاور العصبية" المسؤولة عن تبادل المعلومات أعلى بمعدل عشر مرات عند المرأة من الرجل. ثالثًا: (الاستجابة للمحفزات)، إن "الجهاز الجوفي" المسؤول عن الاستجابة العضلية أكثر نشاطًا عند الرجل من "التلفيف الحزامي" المسؤول عن الاستجابة النفسية والذي هو أكثر نشاطًا عند المرأة. يُفسر هذا تجاوب المرأة مع الاستفزازات لغويًا، واستخدام الرجل لقبضته في مواجهتها. رابعًا (الحواس)، تتفوق المرأة في حاسة السمع وحاسة البصر وحاسة التذوق وإحساس الجلد عن الرجل، فمن بين عشرة مطربين ينبغ رجلان فقط ويكون المتبقي من نصيب المرأة. كذلك، تبصر المرأة الألوان ذات الموجات الأطول وتعلو كفاءة الحاسة لديها في الظلام، كما أنها الأكثر استجابة للأطعمة المرة والحلوة، ويتحمل جلدها كذلك أقصى درجات الألم.

(المكان: فناء المدرسة - الزمان: سن العاشرة)... بينما يجوب الأولاد الفناء ذهابًا وإيابًا مصحوبًا بصراخ بل وعنف حال خلافهم يصل عادة إلى حد التشابك بالأيدي، تجتمع البنات في مكان ما على طرف الفناء يتبادلن الحديث والحقائب أحيانًا، وإن وقع خلاف ما بينهن، فلا يتجاوز حسمهن له استخدام تقنية النقاش أو الصياح. يقع أحد الأولاد على الأرض في أثناء اللعب باكيًا، فلا يأبه به أحد بل قد يعمد بعض الأولاد إلى إزاحته جانبًا من أجل الاستمرار في اللعب، أما لدى البنات فتتوقف اللعبة بأكملها، حيث يهرعن جميعهن نحو تلك التي سقطت لمساعدتها والتخفيف عنها. وفي الحديث عن الجنسين في تنشئتهم المبكرة، يتطرق الكتاب للحديث عن هندسة الكيبوتس الإسرائيلية وفشلها في خلق جيل ذي جنس أحادي من خلال محاولة منح فرص متساوية للجنسين بما يُطلق عليه "البيئة التربوية المتماثلة" حيث تأبى الطبيعة البيولوجية إلا أن تنتصر!. تقول النتيجة: "لقد فشلت كل محاولات السياسيين في استخدام «الهندسة الاجتماعية» داخل الكيبوتسات من أجل خلق يوتوبيا بالمفاهيم الذكورية (مجتمع يرى أن السعادة تتحقق إذا تبنى الجميع ‏ - ذكورًا وإناثًا - قيم التحدي والتفوق المادي). كما قدموا لنا البرهان على أن عقول الذكور والإناث مختلفة بالفطرة وليس بالتنشئة، وأن الأولاد والرجال يعيشون غالبًا في عالم الأشياء من خلال عقول تنظيمية، بينما تعيش البنات والنساء في عالم الإنسان والعلاقات من خلال عقول تعاطفية".

إن الأمومة انتصار أزلي، وعندها، يفرّق الكتاب بين الأمومة والأبوة فيقول: "هل تخيلت في يوم من الأيام أن الرجل يمكن أن يتحمل أعباء الأمومة بدلًا عن زوجته؟ وهل لاحظت أن العلاقة بين الأم وطفلها علاقة تبادلية خاصة، حتى إنه لم يحدث في تاريخ معظم المجتمعات البشرية أن نجح الرجال في القيام بدور الأمهات مهما كانوا حريصين على ذلك ومهما كانوا معطائين، حتى وإن قاموا بتقديم وجبة الرضاعة أو تغيير الحفاضات؟ بل لقد فشلت محاولات علماء الاجتماع في جعل الطفل أكثر قبولًا لرعاية أبيه بدلًا من رعاية أمه، ويُعتبر قيام الأب بتربية أطفاله بعد فقد الأم استثناءً من هذه القاعدة". بالإضافة إلى هذا، يذكر الكتاب أن إحصائيات الطوارئ تسجل في العادة نسب إصابات أعلى للأطفال في الأوقات التي يكونون فيها تحت رعاية آبائهم، بالمقارنة مع الحالات التي يكونون فيها تحت رعاية أمهاتهم.

ختامًا، لم تعد صورة المرأة النمطية في ضعفها وانكسارها وخوفها هي المرتقبة، بل إنها: "صورة قد تدخل قريبًا أرشيف الذكريات". إذ تشير الأبحاث العلمية إلى (قوة المرأة الجسدية) بشهادة الأرقام القياسية المسجلة في الدورات الأولمبية، وإلى (قوتها النفسية والعصبية) وقد تمكنت من اختراق الفضاء مع الرواد الرجال، ندًا لند... وتتوالى إنجازاتها.

أخيرًا وليس آخرًا: يختلف الجنسان... نعم! لكنه اختلاف يدعو إلى التجاذب لا التنافر... كقطبي مغناطيس في المجال الفيزيائي، أو كما يقول الشاعر الشاب تميم البرغوثي في قول أكثر عذوبة: (جديلة طرفاها العاشقان فما تراهما افترقا إلا ليلتحما... في ضمّة تُرجع الدنيا لسنّتها كالبحر من بعد موسى عادَ والتأما).

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.