}

رحيل المستعرب الإسباني بيدرو مارتينيث مونتابث: العربية لغة عظيمة

ودعت مدريد أمس الباحث والمستعرب والأستاذ الجامعي الإسباني بيدرو مارتينيث مونتابث، أحد أهم المستعربين الأوروبيين، الذي أمضى حياته الغنية في البحث في مجالات الفكر والأدب العربي المعاصر، مشكلًا بذلك ريادة في مجال فكرة العروبة الإسبانية، والذي ناصر القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في العودة، وفي تقرير مصيره، حتى يومه الأخير، والذي دافع عن اللغة العربية كأهم منجز حضاري عربي، وكحصن العرب الأخير، مقدما لنا بذلك أهم المرايا التي تعرفنا على أنفسنا وتعيدنا إلى ذواتنا سالمين.

ويعود الفضل لبيدرو مارتينيث مونتابث في تعريف القارئ باللغة الإسبانية في العالم على شعر محمود درويش، ونزار قباني، وفدوى طوقان، وسعدي يوسف، وصلاح عبد الصبور، والسياب، والبياتي، وأدونيس، مثلما يعود إليه الفضل في ترجمة نجيب محفوظ وجبران خليل جبران

بعد تخرجه في فقه اللغات السامية من جامعة كومبلوتنسي، كان بيدرو مديرًا للمركز الثقافي الإسباني (معهد سرفانتس الآن) في القاهرة بين عامي 1958 و1962، وفي الوقت نفسه كان أيضا مديرًا لقسم اللغة الإسبانية في كلية اللغات بجامعة عين شمس بالقاهرة. حصل على درجة الدكتوراه في فقه اللغة السامية من جامعة كومبلوتنسي بمدريد، حيث درس فيها من عام 1962 إلى عام 1969. ثم حصل على كرسي تاريخ الإسلام في جامعة إشبيلية، حيث قام بالتدريس فيها من عام 1970 إلى عام 1971، ثم انتقل إلى جامعة مدريد المستقلة، حيث كان أستاذًا ونائبًا للعميد ومديرًا لقسم اللغة العربية والإسلام ومعهد الدراسات الشرقية والأفريقية. كما حصل أيضا على الدكتوراه الفخرية من ثلاث جامعات إسبانية أخرى: جامعات جيان وأليكانتي وغرناطة والتي كانت حتى ذلك الحين أكثر تركيزًا على دراسة التراث الأندلسي والعربية كلغة كلاسيكية، كما كان أيضًا أول رئيس ديمقراطي لجامعة مدريد المستقلة.

من أعماله: الشعر العربي المعاصر (1958)، قصائد الحب العربي، مختارات لنزار قباني (1965)، شعراء المقاومة الفلسطينية (1974)، مدخل إلى الأدب العربي الحديث (1974، 1994)، لمحة عن قادس الإسباني العربي (1974)، مقالات هامشية في العروبة (1977)، استكشافات في الأدب العربي الجديد (1977)، فلسطين في الشعر العربي المعاصر (مختارات، 1980)، مدخل إلى الأدب العربي الحديث (1985)، العرب والبحر الأبيض المتوسط ​​(1999)، الأدب العربي اليوم (1987)، تحدي الإسلام (1997)، الأندلس وإسبانيا في الأدب العربي الحديث (1992)، العالم العربي ودور القرن (2004)، الذرائع الغربية، أوجه القصور العربية (2008)،  معنى ورمز الأندلس (2011). كما كان طوال حياته المهنية عضوًا في العديد من اللجان العلمية والثقافية وساهم في وسائل الإعلام المختلفة حيث كان عضوًا في مجمع اللغة العربية في عمان، وكان رئيسًا لجمعية أصدقاء الشعب الفلسطيني، وجمعية الصداقة العربية- الإسبانية، والجمعية الإسبانية للدراسات العربية، وعضوًا فخريًا في حلقة الحوار بين الثقافات العربية والإسبانية، كما كان عضوًا في مجلس شورى البيت العربي.

أصر بيدرو مارتينيث مونتابث على أن اللغة العربية هي حصننا المتبقي الوحيد، وعلى أنها لغة عظيمة، يكمن جوهرها في غناها الحسي والمعنوي والبنيوي، وسعى دائمًا لإيجاد إثباتات لغوية تدل على مدى قوة الجذور العربية في اللغة الإسبانية

حصل مونتابث على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة التضامن مع العالم العربي التي تمنحها جمعية الصحافيين العرب في إسبانيا، وجائزة الجمعية الإسبانية الفلسطينية "القدس"، وجائزة الشيخ زايد لشخصية العام الثقافية في عام 2008. كما حصل على "الميدالية الذهبية للأندلس" من قبل الحكومة الإقليمية الأندلسية، وفي عام 2014 حصل على جائزة من اتحاد الكتاب الفلسطينيين.

أصر بيدرو مارتينيث مونتابث على أن اللغة العربية هي حصننا المتبقي الوحيد، وعلى أنها لغة عظيمة، يكمن جوهرها في غناها الحسي والمعنوي والبنيوي، وسعى دائمًا لإيجاد إثباتات لغوية تدل على مدى قوة الجذور العربية في اللغة الإسبانية، حيث أكد في حوار معه نشر في "ضفة ثالثة" عام 2017: "أصر على أن اللغة العربية والثقافة العربية بكل ما تحملانه هما وحدهما فعلا الحصن المتبقي للعرب الذين عليهم، بجدية ووعي وتحدّ، أن يحافظوا على هذا الحصن وأن يحموه من الذوبان والانهيار، لأنه يعني حينئذ انهيارهم تمامًا وبعدهم الكامل عن مسار الحضارة الإنسانية".

كما اعتبر المستعرب الراحل أن الأندلس هي جوهرة بين يدي الإسبان والعرب وعليهم أن يقدروها، حيث قال في نفس الحوار: "إن الأندلس هي جوهرة حقيقية نادرة في تاريخ التعايش الإنساني الحضاري. ولا أعتقد أن أوروبا أو حتى العالم عرف فترة مثلها، إذ لم يدوِّن التاريخ البشري زمنا يزيد على الأربعمائة عام كان يعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود بهذا التوافق والانسجام والاستقرار العميق. أنا أرى أن الأندلس أيضًا هي أجمل وأرقى ما توصلت إليه الحضارة العربية فنيًا وفكريًا وفلسفيًا وشعريًا".

وفيما يخص القضية الفلسطينية أكد المستعرب الراحل: "أنا أناضل من أجل العدالة، فالفلسطينيون أصحاب حق واضح وضوح الشمس، وهم مظلومون جدًا، وبقاؤهم تحت الاحتلال الصهيوني الهمجي لحد الآن هو وصمة عار على جبين البشرية. لقد استغل المشروع الصهيوني الدين لأبعاد سياسية، وكان استغلالًا قذرًا. لقد قرأت الشعر الفلسطيني، وهو من أجمل ما قرأت، وأنا أعتقد أن ترجمة الشعر الفلسطيني وتقديمه للعالم هو أحد الطرق التي حاولت فيها الوقوف مع هذا الشعب الذي قتل وشرد ظلمًا، وسأبقى أناضل معه لأني حينها أناضل مع إنسانيتي التي لا أتنازل عنها".

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.