تصدّرت دار مزادات سوثبيز في نيويورك عناوين الصحف العالمية يوم الخميس الماضي، بعد بيع أول عمل فني نفّذه روبوت يشبه الإنسان بمبلغ تجاوز المليون دولار. العمل الفني، وهو صورة لعالم الرياضيات الإنكليزي آلان تورينغ كـ"إله الذكاء الاصطناعي"، أبدعته الروبوت المعروفة باسم Ai-Da (آيدا) لتسجل بذلك سابقة تاريخية في عالم الفن المعاصر.
وتعد "آيدا"، التي صممت على هيئة امرأة وسمّيت تيمنًا بـ "آدا لوفلاس"، أول مبرمجة كمبيوتر في العالم، ثمرة جهد استمر عامين من فريق متعدد التخصصات ضم مبرمجين وعلماء روبوتات وخبراء فن وعلماء نفس. وقد أشرف على تطويرها إيدن ميلر، المتخصص في الفن الحديث والمعاصر، بالتعاون مع خبراء الذكاء الاصطناعي في جامعتي أكسفورد وبرمنغهام.
واللافت في العمل الفني الذي يبلغ طوله 2.2 متر أنه تجاوز التوقعات السعرية بأضعاف مضاعفة، إذ كانت التقديرات الأولية تتراوح بين 120 و180 ألف دولار. وقد علقت دار سوثبيز على هذا الحدث باعتباره لحظة فارقة في تاريخ الفن المعاصر، تعكس التداخل المتزايد بين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وسوق الفن العالمي.
وفي حوار فريد من نوعه، صرّحت الروبوت "آيدا" نفسها بأن القيمة الجوهرية لعملها تكمن في قدرته على إثارة حوار حول التقنيات المستجدة. وأوضحت أن اختيارها لتورينغ كموضوع للوحة جاء ليدفع المشاهدين إلى التأمل في طبيعة الذكاء الاصطناعي والحوسبة وتداعياتهما الأخلاقية والمجتمعية.
وكشف إيدن ميلر أن فكرة رسم تورينغ جاءت من "آيدا" نفسها خلال نقاش حول "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير". ويرى ميلر في العمل الفني، بنغماته الصامتة ومستويات الوجه المكسورة، إشارات إلى المخاوف التي عبر عنها تورينغ قبل سبعين عامًا بشأن تحديات إدارة الذكاء الاصطناعي.
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة الغارديان عام 2022، أثارت "آيدا" الدهشة بإجابتها عن سؤال حول قدرتها على الرسم من الخيال، حيث قالت: "أحب أن أرسم ما أراه... أرى أشياء مختلفة عن البشر لأنني لا أملك وعيًا". وقد وصف النقاد أعمالها بأنها "أثيرية ومخيفة" في آن واحد.
ويذكر أن اختيار تورينغ كموضوع للوحة يحمل رمزية خاصة، فقد كان من أوائل العلماء الذين حذّروا من مخاطر الذكاء الاصطناعي في خمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى دوره التاريخي في فك الشيفرات خلال الحرب العالمية الثانية ومساهمته في هزيمة ألمانيا النازية.
ويأتي هذا البيع القياسي في وقت تشهد فيه سوق الفن العالمي تحولًا جذريًا نحو دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تتزايد المعارض والمزادات المخصصة للأعمال الفنية المنتجة بواسطة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الفن وطبيعة الإبداع البشري في عصر الآلات.