}

طاهر رياض: الشعراء لا ينطقون إلا عن هوى!

جميلة عمايرة 22 أكتوبر 2016

يُعرِّف الشاعر طاهر رياض الشعر بأنه " تجلٍ من تجليات الموسيقى أكثر من كونه فرعاً من فروع الأدب". فيكتب قصيدته كما لو كان يؤلف قطعة موسيقية... هو الشاعر الذي جاء من أرض الشعر وجوهره الصافي، موضحاً بأن على الشاعر أن لا يتوجه لأحد ولا يطمح إلى إرضاء أحد. ويضيف صاحب " ينطق عن الهوى" و"سراب الماورد" و"طقوس الطين" و"الأشجار على مهلها" وغيرها من الأعمال الشعرية، في هذا الحوار مع "ضفة ثالثة" قائلاً إن مهمة الشاعر تكمن في خلخلة المستتبّ والساكن والمرضيِّ عنه، متسائلاً عن جدوى الشعر إذا لم ينجح في تفوير الكامن وكشف الغامض.

هنا نص الحوار.

* لنبدأ من مجموعتك الشعرية "ينطق عن الهوى"، هذا العنوان أثار إشكالية قبل صدور المجموعة، وبعد صدورها، بدءاً بالرقابة استوقفها العنوان إلى قرار منع من النشر والتداول... العنوان يحيل للآية الكريمة "وما ينطق عن الهوى".. أنت قمت بحذف "ما" فصارت ينطق عن الهوى! هذا أولاً..ثم أنك تستحضر الرموز الدينية المقدسة للديانات السماوية الثلاث، والمعاني والإشارات وتعيد الاشتغال عليها باللغة عبر صور متفردة وصادمة...الأمر الذي يضع "الموروثات" تلك موضع التساؤل، فهل مهمة الشاعر صدم القارىء وخلخلة الأشياء والموروثات وإعادة بناء ذائقته الجمالية؟

-أجل. إحدى مبررات الشعر والشاعر والفن والفنان أن يخلخل المستتبّ والنمطيّ والمرْضيّ عنه، أن يحرك الساكن، وأن يُموج الراكد، وأن يرينا بروحه الرائية ما لا تتمكن أرواحنا المشغولة بالآني والعابر من رؤيته. إذا لم ينجح العمل الفني في تفوير الكامن وكشف الغامض وإنارة السِري، واكتفى بالتمسح باليقينيات المسطحة العامة، فما الجدوى منه. وهذا ليس تخريباً إلا إذا اعتبرنا كشط الصدأ عن سطوح المعادن وإظهار نفاستها عملاً تخريبياً!

أفهم الشعر على أنه نشاط جمالي غايته الإمتاع وإثارة الغبطة، عبر تحريك المشاعر التي هي أفكار، ومساءلة الأفكار التي هي مشاعر في منظومة لحمتها الخيال وسداها الموسيقى. ولا أدري ما وجه الريبة في عنوان "ينطق عن الهوى". فأنا لا أرى فيه، ولم أقصد منه، غير محاورة النص القرآني، فإذا كان الأنبياء لا ينطقون عن الهوى، وكان كلامهم وحياً يوحى، فالشعراء لا ينطقون إلا عن الهوى، وكلامهم صنع أرواحهم ومهاراتهم.

جوهر الشعر

*أنت شاعر متفرّد، له خصوصية مغايرة..جئت للشعر من منطقة مختلفة، قصية ونائية، ولا تشبه سواها. قصيدتك "تجيء على مهلها"، وتنمو كما "الأشجار"، و"عصاك عرجاء". لك أن تتخيل معي دلالات وإحالات مبطنة في هذه العناوين، هذه الفرادة والمغايرة والنأي من أين تجيء؟

-أظن أنها تجيء من جوهر الشعر ذاته، ما الشعر إن لم يكن غوصاً في الذات، بما هي مرآة الوجود، وفي الوجود بما هو انعكاس للذات؟ يظن بعض الناس أن الشعر "تعبير"، مما يحيلنا إلى التلقين المدرسي الذي كان يفرض علينا كتابة موضوع إنشاء عن حادثة ما، أو فكرة ما، فنلجأ إلى أبسط المشاعر وأكثرها عمومية، وإلى أفصح الكلمات وأشدها توافقاً لنقول لا شيء. الشعر، والفن عموماً، ليس من مهامه إعادة قول ما هو معروف ومتفق عليه، ليس من همومه تأكيد المؤكد، وتلميع السائد. يبحث الشعر في ما هو تحت الأشياء والأحداث، وما فوقها وما في سريرتها، وهو يتوسل إلى ذلك بما يجعل منه فناً، أي بمكوّناته من مجاز ورمز وكناية وتصوير وموسيقى.

*يبدو أنك تُصر على الموسيقى في الشعر، وهو أمر واضح في قصائدك. ماذا تعني لك موسيقى الشعر، وهل هي أساسية في القصيدة؟

-يروي محمود درويش في أحد كتبه، أنه سأل الشاعر الأميركي مارك ستراند، أحد أقطاب قصيدة النثر، عن الفارق الحاسم بين الشعر والنثر، وكانت إجابة ستراند العميقة المتأنية: الإيقاع...الإيقاع. ومن جهتي، لم أفهم الشعر إلا على أنه تجل من تجليات الموسيقى أكثر من كونه فرعاً من فروع الأدب. ليست الموسيقى "بهاراً" يضاف إلى القصيدة، إنها في مكوناتها الأساسية، وفي نسيجها الحيوي، وأنا أكتب نصي كمن يؤلف مقطوعة موسيقية، لا كمن يلقي خطبة أو يدبج بياناً.

لا يعني هذا أنني لا أستمتع بقراءة "النثر"، قصيدة كان أم سرداً أم في أي شكل كان، لكني لا أسمي أيَّ نص شعراً إلا إذا كان نابعاً من فتنة الإيقاع الموسيقي، ولا يعني هذا، مرة أخرى، أن الشعر أسمى من النثر وأرقى وأكثر أثراً، فأنا هنا لا أحكم حكم قيمة بل حكم توصيف، على الرغم من أن رسول حمزاتوف اعتاد على القول إن النثر يطير بعيداً، أما الشعر فيطير عالياً.


ثنائيات ونخبوية

* نعثر في قصيدتك على معنى الأشياء ونقيضها، الشيء وضده.هذه الثنائيات المحكوم علينا بها. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في معظم مجموعاتك الشعرية. ما الذي يعنيه لك هذا التضاد؟

-لا تُعرف الأشياء إلا بأضدادها، ولا تكون إلا بها. هذا في الراقة الأولى من الفهم، ثم أن لا تضاد ولا مفارقة إلا على السطوح، أما في الإعماق "فهذا النهار ظلٌ لذاك الليل" كما يقول ابن عربي. ثم نغوص أكثر في المعاني وفحاويها وغاياتها، فنرى أن "كل شيء فيه كل شيء" أيضا كما يقول ابن عربي. بهذا الإدراك العفوي والغامض يمكن فهم إصراري في شعري برمته على إظهار المتناقض في لبوس الواحد، وتذويب الأطر والحدود لتعاود أشياء الوجود والنفس وصالها الأبدي. ليست المرأة نقيض الرجل، ولا الرجل نقيض المرأة، إنهما متتامان كذرتي "الأوكسجين والهيدروجين في الماء" والحقيقة لا تتراوح بين لونين: الأسود والأبيض، وإلا غمطنا حق الأخضر والأزرق والأحمر والبرتقالي والزيتوني..

والحياة لا تنتهي بالموت، بل تكتمل به، وهي مسكونة برعاش الموت والزوال منذ كانت، وهكذا. وأرى أن من شأن مراقبة الأشياء، وهي تسعى حثيثة مشتاقة للاكتمال بما يبدو أضداداها، أن تكون برهة شعرية تتيح للشاعر استكناه نفسه، وملامسة تلك الوصلات الخفيّة التي تصله بالوجود من حوله، وهو ما يطمح أيّ نص شعري لبلوغه.

* توصف بأنك شاعر نخبوي، وثمة من يقول إننا في عصر الرواية حيث لم يعد الشعر ديواناً للعرب، كما أن هناك من يقول إن الشعر قليل التداول اليوم، ولم تعد له "سوق رائجة" كما هي الرواية. لماذا تكتب، ولمن، وعدد القراء العرب ينحسر، حسب التقديرات، في ظل الظروف والمتغيرات التي تعيشها المنطقة؟

-أتحسَّس من كلمة "سوق" بدءاً من سوق "عكاظ" حتى الظواهر الحديثة كبرامج "أمير الشعراء" و"شاعر المليون"، هذا يثير تقزّزي.
الشاعر في نظري لا يتوجه لأحد، لا يطمح إلى إرضاء أحد، هو بطبعه مشاغب بري غير داجن، لا هدف له إلا أن يكون، كما ليس من هدف الشجرة إلا أن تكون، فإن استظل بظلها أحد فهي حاجته، وإن قطف ثمارها أحد فهو جوعه. لقد أثير لغط كثير حول تصريحي بأني شاعر نخبوي، واتهمت بإني أقبع في برج عاجي وأكتب لـ "إيليت" وهذا فهمٌ مضحك.! أنا أكتب قصيدتي لأن أحداً غيري لم يكتبها، فلو كتبها أحد لسررتُ وقلت في نفسي: لقد كفاني جهد الكتابة. أكتبها لتحمل مشاعري وهمومي ورؤاي، بما أنا واحد ممن يشعر ويهتم ويرى. أكتبها بحواسي الستين، تلك التي ألتهم الحياة بها نفسها، أكتبها بأدوات ربيتها ونميّتها بالثقافة والتأمل والتجربة. أكتبها وفي لا وعيي كل ما اطلعت عليه من شعر وأدب وفن، حذراً من الانزلاق إلى التقليد أو التكرار، طامحاً إلى أن تكون قصيدتي إضافة ولو بسيطة إلى هذا التراث الإنساني العظيم. وأعود فأقول: أن أكون شاعراً نخبوياً يعني أن النخبة فقط من يعنيها شعري وتقرأني، أي أولئك الذين يمتلكون وعياً وثقافة عميقين، ودراية بفن الشعر وتاريخه ومغامراته وكشوفاته، ويمتلكون، قبل كلّ ذلك، إحساساً حارقاً بالحاجة إلى الشعر وجوعاً إلى جمالياته، وهؤلاء للأسف قلّة في عصرنا اللاشعري هذا بامتياز. قلة لكنهم هناك، هنا، في كل مكان، يلوبون مثلي بحثاً عن شعر يشبع وجودهم وذائقتهم.


المفردات كائنات حية

* تحظى اللغة باهتمام شديد لديك، فأنت تنتقي مفرداتك بعناية ودقة صائغ جواهر، وتتميز جملتك الشعرية بالاختزال والتكثيف. ما فهمك لدور اللغة في الشعر؟

-أومن أن اللغة في الشعر لا تصف الشيء بل تكونه وتساهم في خلقه في آن. لا يمكن استبدال لفظة بأخرى، كما يستبدل برغي بآخر في آلة من الآلات. مفردات اللغة كائنات حية تتنفس، وقد تشيخ، وقد تموت، وقد يُعاد إحياؤها إن هي وُضعت في مكانها المناسب. ولكل مفردة ذاكرة وتاريخ وحياة، ولا بد من مراعاة ذلك وقت استخدامها.

أما الاختزال والتكثيف فنعم.


كما يقول درويش، وهو ما صرفت اهتمامي له وجرؤت عليه خلال تجربتي الشعرية كلها. وفي رأيي أن النص الشعري كلما كان أشد تركيزاً من دون إخلال بالطبع، كان أعمق أثراً وأقدر على إحداث الهزّة الجمالية المأمولة، على أن تتم قراءته بالتأني والتأمل وإعمال الفكر والخيال، لا بمطالعته كما يُطالع خبر في صحيفة.

الحياة من دون شعر

* كأن كتابة الشعر لديك عمل مضن مُؤرق، هل هناك "مردود" كاف ومقنع يُحفز الشاعر على الاستمرار في تحمل هذا الإرهاق والعنت؟ بكلمات أخرى: هل ثمة جدوى حقيقية من وراء كتابة الشعر؟

-عليَّ أن أعترف مذعناً أن لا "جدوى" عملياً من الشعر. لست مخدوعاً أو خاضعاً لأيّ وهمٍ في هذا، الحياة يمكن أن تستمر بدون قصائد، موزونة أو بلا وزن، ونحن نعرف أن الغالبية العظمى من البشر تعيش حياتها دون أن تحسّ بحاجتها للشعر. من هنا تبدو كتابة الشعر، وهذه العناية والحرص الفنيين، حماقة تشبه الرقص في العتمة، أو الغناء في حفلة صمٍّ. ولا شك أن أي شاعر قد مرّت به أوقات يغمره الإحساس بها بلا جدوى وعبثية ما يفعل، لكنه في الغالب لا يجد نفسه ولا يحقق وجوده بها إلا بارتكاب الحماقة تلو الأخرى.

*كثيراً ما أشير إلى أن تجربتك الشعرية تنحو منحى صوفياً، يظهر هذا في كثير من قصائدك، من دون أن ترتهن للمصطلح الصوفي، كما هو عند عدد من الشعراء اليوم، لكن حسيّة واضحة أيضاً لا تخفى في شعرك، لا سيما في قصائدك عن الحب والمرأة، كيف تفسر هذا التضارب؟

-لطالما أسيء فهم الأثر الصوفي في تجربتي، تماماً كما أسيء فهم الإرث الصوفي ذاته. كان لاطلاعي المبكّر على التراث الصوفي العربي الإسلامي أولاً، ثم العالمي الإنساني لاحقاً، أثر عميق وحاسم في نظرتي للحياة والوجود، وانعكاسهما على ذاتي المفردة كما على ذاتي الجمعية، هكذا أفهم الفكر الصوفي: رؤية شاملة للكون تجمع موجوداته بسيروراتها المتباينة ظاهرياً، في برهة وصالية حميمة تعيد الكائن، أي كائن، إلى أصله وجوهره، مبينة أبعاده المتصلة بعضها ببعض. وقد أسهب ابن عربي في إيضاح هذه الرؤية في ما سماه "النكاح الساري في جميع الذراري"، وبيَّن ابن عربي، في غير ما موضع من مؤلفاته، أن الوصول إلى هذه الرؤية لا يتم إلا من طريق الحسّ.

فلا يتسنى إدراك المجرد والمفارق إلا بالحسي والمحايث. يقول "ذل لعزّ الحسّ سلطان العقل" بيد أن المحسوسات لا تكتفي، في النظر الصوفي، بكينونتها الظاهرة بل هي تتفتح عن أسرارها كما يتفتح البرعم عن شذاه. ولعل مهمة الشعر، والفن عموماً، هي الكشف عن هذه الأسرار وتضميخ الوعي بجمالياتها اللامتناهية.


تأمل الأحداث

* لماذا انسحب المثقف مما يجري من تحولات في المنطقة، بل وشهدنا غياب الكثير من الأصوات والرموز الثقافية العربية وصمتها المريب في خضم ما يشهده العديد من بلدان العالم العربي؟ هل بقي للمثقف دور عليه القيام به في رأيك؟

-لا أدري عن المثقف، فأنا لم أعد أفهم هذه الصفة "مثقف" التي باتت تلتصق بكثير من الناس، ماذا تعني بالضبط؟ هل هو حامل الشهادة الجامعية؟ هل هو قارىء بعض الكتب؟ هل هو الكاتب والشاعر والفنان، مهما كانت قيمة أعمالهم؟ هل هو المحشو بالمعلومات؟ وهل الثقافة فكرة مجردة أم سلوك حياتي؟ كيف يكون مثقفاً من يضرب زوجته أو ابنه؟ كيف يكون مثقفاً من يمالئ السلطة، أي سلطة؟ من يهادن الطغيان، بل يمتدحه وينافح عنه! من يبدل آراءه ومواقفه وفقاً للمكتسبات التي تمنح له؟ من يبيع ضميره وقلمه لمن يدفع أكثر، أو مقابل منصب أو امتياز ؟ ثم لماذا نهرع دائماً إلى مساءلة "المثقف" حصرياً كلما أصابتنا بلوى، ولا نتوجه بالمساءلة إلى من هم أقدر على الحل والربط، ومن يملكون قوة التأثير على أرض الواقع، كالسياسي والحزبي والاقتصادي والعسكري..مثلاً؟

وإذا كنت تعنين بالمثقف الروائي والشاعر والفنان عموماً، فما الذي بإمكان هؤلاء تقديمه لتغيير الحال؟ هل بكتابة القصائد في تمجيد الشهداء ووصف المآسي وشتم الطغاة؟ هل بتأليف الأغاني والأناشيد التي تثير الحماسة وتحفّز على الشهادة؟ هل برفع العقائر بخطابات نارية محشوة بكلمات التنديد والشجب والتهديد والتمجيد؟ هل برسم جثث الأطفال والمباني المهدمة والعويل والحزن والرعب؟

لا أرى في كل هذا، الذي عادة ما يحدث في الملمّات، إلا تخديراً للضمائر وتعويضاً بائساً عن القدرة الحقيقية على الفعل الحقيقي. وإذا كان للفنان من دور اجتماعي ووطني فهو في تأمل الأحداث وتحليلها وكشف أبعادها، واختزان الصور والمشاهد لإنجاز أعمال فنية إنسانية تحمل صفة الديمومة. وما زلت أومن أن مجرد القيام بعمل فني متقن هو عمل سياسي ونضالي. فمن شأن الفن المشغول بأناة أن يفتح أرواحنا وعقولنا للانسجام مع ما يؤكد حريتنا وكرامتنا ويعيد لإنسانيتنا حقها في الوجود. أن نتعلم كيف نصغي إلى سيمفونيات "بتهوفن"، مثلاً، خير ألف مرة من تلقي الشعارات الممجوجة وترديد الهتافات الفارغة.


لست مترجماً

* ديوانك الأخير "سراب الماورد" (الدار الأهلية، عمان، 2016) أين تضعه في سياق تجربتك الشعرية، لا سيما وأن بعض النقاد رأى فيه اختلافاً إلى هذا الحد أو ذاك..عن مجموعاتك السابقة؟

-ربما تتفقين معي أن كل فنان يسعى، مع كل عمل جديد، إلى تطوير إسلوبه وإغنائه، عبر اجتراح رؤى وصياغات لا تستنسخ تجربته السابقه، ولا تقع في التكرار. على الأقل هذا ما أحاوله منذ مجموعتي الأولى حتى اليوم. وسأدع الحكم على ما أضفته جمالياً في هذا الديوان لحصافة القراء وذائقتهم (انتبهي لم أقل "النقاد"!).

* إذن أنت لا يهمك رأي النقاد؟

-يهمني، لكنني لا أنتظره، ودعيني أعترف هنا أن كثيراً من النقد الذي تناول أعمالي أساء فهم هذه الأعمال، وقلما تطرق إلى المقترحات الجمالية الفنية فيها. ولعله أصبح واضحاً، في العقود الأخيرة، تخلّف حركة النقد الفادح عن مواكبة الجديد والمغامر في القصيدة العربية. يعنيني أكثر القارىء المثقف الذواقة، القادر على مقاربة نصوصي بحب وبراءة، حتى لو لم يستطع التعبير بلغة نقدية صارمة ومصطلحات عويصة.

* لك باع في الترجمة، وإن لم يكن باعاً طويلاً. وقد لفتت ترجماتك القليلة الانتباه إلى دقتها وجمالها، مما يشي بالجهد والحرص اللذين توليهما للترجمة. أذكر هنا ترجمتك لكتاب "تجوال" لهيرمان هسه، وسونتات "نيرودا". لماذا لا نرى لك ترجمات جديدة؟

- لا أعتبر نفسي مترجماً محترفاً. هناك الآن الكثيرون من المترجمين البارعين المكرسين نشاطهم لهذا الفن الجميل والخطر. بالنسبة لي لا يعدو الأمر أنني حين يثير إعجابي نص أدبي أو شعري، أعمد إلى ترجمته بفضول اكتشاف كيف سيبدو إنْ هو نُقل إلى العربية، وهكذا وجدت نفسي متورطاً في عدد من الأعمال نشرت بعضها وما تزال أدراجي مليئة بالكثير منها. الترجمة، لا سيما ترجمة الشعر، تستغرق مني جهداً مضنياً، إذ ينبغي أن أقرأ عن الشاعر، عن حياته، وأفكاره وأسلوبه، وأن أتقمص شخصيته، فأختار في نقل مفرداته مفردات عربية أحسب أنه كان ليستعملها لو كتب نصه بالعربية.

مقالات اخرى للكاتب

قص
10 أغسطس 2023
قص
1 يوليه 2023
قص
25 أكتوبر 2016

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.