}

فهرنهايت 11/9: مايكل مور يحقّق في وقائع فاشية معلنة

عبد اللطيف عدنان 24 نوفمبر 2018
سينما فهرنهايت 11/9: مايكل مور يحقّق في وقائع فاشية معلنة
مايكل مور

باختياره لعنوان فيلمه الأخير فهرنهايت 11/9 (2018) يعلن مايكل مور عن نيته في إقحام المتلقي في مشاهدة جدلية تتفعّل عبر لعبة المرايا والانعكاسات مع فيلمه فهرنهايت 11/9 (2004) إن لم نقل مع كلّ أعماله السابقة. في هذه الانعكاسات نجد مجالا لعدة تقاطعات. كلّ من الفيلمين تزامن تاريخ عرضيهما الأول مع فترة حملة انتخابية أميركية، الرئاسية بالنسبة للأول، والانتخابات النصفية بالنسبة للثاني، وسط ظرفية احتقان سياسي جنّد كليهما في مهمة الدّعاية، المضمرة أحيانا والصريحة أحيانا أخرى، للمرشّحين الديمقراطيين مع برنامج واضح لهدم سياسة وساسة الحزب الجمهوري. وكلاهما يتداخل مع الآخر في زمنية تستفزّ الذاكرة وتحطّ المتلقّي في موقف التّساؤل عن وضعية الواقع الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة، على ضوء الجدلية بين الهجومات الإرهابية على نيويورك وواشنطن، ووصول الرئيس دونالد ترامب لقبة البيت الأبيض يوم التاسع من تشرين الثاني، خمس عشرة سنة بعد ذلك. في هذه الجدلية يُطرح السؤال المحرك في الفيلم حول طبيعة ما حدث في الحادي عشر من أيلول سنة 2001 إن كان يدخل في طبيعة السبب أم في طبيعة النتيجة، وأن ما يشبه أحداث نيويورك في انتظارنا مستقبليا؟ إن حدثًا مثل هجمات نيويورك، خصوصا بعد التحريات بخصوصه التي أدت لنتائج تدين عن قريب جهاز الاستخبارات الأميركية، يمكن أن يحدث مرّة أخرى لأنه أسهل طريقة لشحن محرك سياسة التخويف، التي يعتمدها الرئيس الخامس والأربعون منذ حملته الانتخابية، بطاقة إضافية تضمن النتائج التي يتوخّاها، وبالشكل الذي تحقّق للرئيس السابق جورج بوش الابن. ما لا يدع مجالا للشكّ هو أن شبح الفاشية المستقبلية في الولايات المتحدة الأميركية أعلن عن نفسه حين فقدت هذه الأخيرة بوصلتها بشكل نهائي بعد أحداث نيويورك، وأصبحت مضطربة في جوهرها، وترتكب الكثير من الأخطاء، أولها خلط الإجراء الأمني بطواعية التخلي عن الحرّيات الفردية. بسبب هذا الاضطراب وهذه الأخطاء، وصل شخص مثل دونالد ترامب إلى قبّة البيت الأبيض لكي تواصل عبره الولايات المتحدة طريقها إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء. أعراض هذا الاضطراب، والأوجه الأكثر قتامة للأخطاء القادمة، هو مادة فهرنهايت 11/ 9.

إعادة توليف الصور القديمة

يوهم فهرنهايت 11/9 مُشاهده المستأنس بمايكل مور أنه لا يحمل جديدا، وأنّه مجرّد توليف آخر يصاحبه صوت المخرج المعلّق وبنفس النبرة الانتقادية المفعمة بروح التهكم والسخرية. لكن في هذا الإيهام بالتكرار قد يطمئن هذا المشاهد لمضمون مشاهدته، وعبر هذا القرب قد يفسح المجال المناسب لخطاب شديد اللّهجة لم يسبق لمايكل مور أن وجّهه لجمهوره. فخطاب يعتمد الذاكرة هو خطاب إدانة ونقد بالدرجة الأولى، خصوصا في واقع أصبح فيه النسيان هو ردّ الفعل المناسب أمام الكوارث التي تنتج، وتتكرّر عن تدابير سياسية لا تُدخل مصلحة المواطن في اعتباراتها. عوض التماهي مع جديد الصورة هناك هذا التصادم مع الصورة القديمة حيث يقتل أطفال "كلومباين" ثانية في "باركلاند"، ونعيد سماع نفس عبارات التّنديد، التي تردّدها أصوات المنتخبين والإعلاميين الذين جنّدتهم لوبيات صناعة وتجارة الأسلحة، لقتل لحظة الكارثة مباشرة في أزلية النسيان.  نفس الكوارث تتكرّر عبر نفس الأعراض وأحيانا بنفس الطريقة والوتيرة وعبر نفس الفاعلين وإن بأقنعة مختلفة. جديد تسجيلي مايكل مور الأخير هو إعادة توليف الصور القديمة كعملية تفكيك لهذه الحصانة ضد درس الماضي، ليس فقط عبر التنقيب في مضمون الذاكرة وربط الأسباب بالمسببات لكن كذلك في دراسة إمكانيات عودة هذه الأسباب بمسبّبات جديدة. في هذا التوليف تصير الذاكرة أداة تحمل وظيفة مزدوجة، حين تحلّل حالة النسيان المبرمج الذي أصبح شرطا ضروريا لوجود الأميركي، وليس بالضرورة ناتجًا عن وعي تقدّمي إيجابي وإيمان قوي بالمستقبل، وإنما مجرّد رغبة فاترة في مواصلة العيش بأقل الخسائر الممكنة؛ وحين تكون المنظار الوحيد الذي يمكن أن نطلّ من خلاله على المستقبل واتخاذ المواقف اللازمة لتشكيله.

في فهرنهايت 11/9 يظهر مايكل مور مرّة أخرى في أحسن أدواره السينمائية كشخصية الكاميرا، لكن بوجه لا يستر التخوف ونبرة لا تخفي التشاؤم. في هذا الفيلم يفاجئ جمهوره بأسلوب جديد يزاوج بين التحقيق الصحافي التلفزي المعتاد والنشاط السياسي المنتظر لكن داخل خط إخراجي يحاذي به جغرافية الفيلم اللاتخيلي non-fiction film كما رسم خريطتها التشيلي باثريسيو غوثمان والأرجنتيني فرناندو بينو سولانا والسوري عمر أميرلاي. من مرجعية هذا التقليد السينمائي والسينماتوغرافي، لا يكتفي مايكل مور بالتعرية المباشرة للفاعلين الرئيسيين في بنى التّدجين والتسلّط التي تحكم الواقع الذي يتطرّق له، بل يحرّض ويدعو مباشرة وبمنهجية  agit-propللتخلص من هؤلاء الفاعلين أينما وجدوا وبأي شكل يظهرون فيه. توظيفه الجدلي للذاكرة التوثيقية يقربّه كذلك أكثر للتقليد السينمائي للفرنسي كريس ماركر رائد الفيلم المقالة. من داخل مقاصد وإمكانيات هذا التقليد، يحفر مايكل مور في ذاكرة الماضي ليرمم ذاكرة المستقبل، يؤرخ لما هو قادم وينتظرُ الأميركيين دون أن ينتظرَه ُ الأميركيون.

في فهرنهايت 11/9 يجنّد مايكل مور الفيلم التسجيلي بإمكانياته التواصلية الأكثر فعّالية وهي إبراز الجانب التوثيقي الذي يخدم رؤيته النقدية من خلال العناصر المرتبطة بالسينما التخيّلية. نعيد مشاهدة أدولف هتلر في صورة مستهلكة في الذاكرة التوثيقية وهو يلقي خطابا أمام حشد من الجماهير، لكن ما نسمع هو صوت دونالد ترامب يردّد تنظيراته الشعبوية عن إحياء عظمة أميركا، وضرورة التخلّص، في سبيل هذا الهدف المقدّس، من مصاصي الدماء من المهاجرين النازحين من الحدود الجنوبية، والإرهابيين المنحدرين من الشرق الأوسط وشرق أفريقيا. في الصورة نشاهد نشأة النازية وجنينية محاكم التفتيش باسم العرقية والمحارق وكل الدمار الذي لحق العالم، بينما من خلال الصوت تتحدد لنا ملامح هوية اليهود الجدد الذين سننتقل عبرهم لمرحلة نازية أخرى. عبر هذا التركيب الذي يخدم الاستراتيجية الإخراجية للتوليف الفصامي الذي أعلن عليها الفيلم منذ عنوانه، يشاهد أميركي اليوم وجه رئيسه الجديد في الملامح الحقيقية التي رسمتها الإيديولوجية التي استند عليها في حملته الانتخابية وأوصلته للبيت الأبيض، في الوقت الذي يستمع فيه الألماني القديم لصدى خطاب زعيمه في مدى الزمنية الطوباوية المستقبلية التي كان يبشّر بها. عبر تقنيات سينماتوغرافية، بدائية ومبتذلة كالدبلجة dubbing، أنطق مايكل مور السينما الصامتة ولوّن فوتوغرامتها ليجعل المستقبل يحضر كشاهد على الماضي ويجعل هذا الأخير يكتسي من الحاضر فوريته وأفقه الغامض. في حيز هذه الزّمنية الاحتمالية الذي فسحت مجاله السينما اللاتخيلية تأخذ الوثيقة طابع الاستشراف ويتماهى الحدث مع التنبؤ ليخلص المشاهد إلى فكرة عن الترامبية Trumpism (1) كوجه آخر للنازية القديمة، وتحقيق آني للجديدة منها.

"كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟"

"كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟"- السؤال الذي سبق لمايكل مور أن طرحه في تسجيلي "سيكو" مندّدا بالسلوك الأناني والجشع الرأسمالي الذي يقصي ملايين الأميركيين من حق التأمين والتطبيب، يطرحه بنفس الصيغة في فهرنهايت 11/9. في هذا المجال الممتد بين ماضي السؤال وحاضره تكمن زمنية تطوّر هذا السلوك الأناني والأناتي الرأسمالي الذي تناوله المخرج في الفيلم الأول، وشرّحه في فيلم يتناول قصة غرام أميركا مع الرأسمالية، Capitalism: a Love story  (2009)، إلى سلوك عنصري يقصي باسم العرقية والقومية الآرية هذا الآخر المختلف في اللون والعقيدة واللغة. إعادة طرح السؤال تعني كذلك معالجة جديدة للتيمة الرئيسية التي تعبر المتن الفيلموغرافي لسينما مايكل مور، أي هذا الزوج المتكون من صور تهشّم الحلم الأميركي وعملية التعرية على أوجه النفاق والجشع الأميركيين. في هذا الفيلم نقف على طريقة معالجة مختلفة لهذا الزوج التيماتي تتجاوز منطق الثبات واستقطاب الأطراف بتحديد السلبي فيها من الإيجابي، إلى دينامية التداخل بينها وانعكاسها في بعضها البعض عبر لعبة تبادل الأقنعة.

من الصعب الإشارة بأصبع الاتهام إلى طرف دون آخر في واقع العولمة والرأسمالية المفرطة، وفي ظل صعود طبقة اجتماعية جديدة هي الطبقة المبدعة (2) المؤهلة بالمهارات التكنولوجية والتي تتمتع بالفرص الجديدة التي يمنحها سوق الشغل المقنن بهذه التكنولوجية. كل هذه العناصر مجتمعة ساهمت في تشكيل مواطن يعيش في الجانب السالب للحياة، حيث يفقد يوميا امتيازاته الواحدة تلوى الأخرى ويعاني التهميش وانسداد الآفاق، المواطن الذي خاطبه ترامب مباشرة بالسردية التي يحبّ أن يسمع. كل هذه العوامل ضخت أنهارا من الغضب صبّت في بحر الشعبوية الذي ركبه الرئيس كما غيره من قادة العالم الذين بدا معهم، بفضل توظيف مايكل مور الذكي للأرشيف التلفزي، في وضعيات مصافحة وتقبيل وعناق. ترامب كما غيره من نماذج الزعامة هذه وجد في النداء بإحياء عظمة الماضي العلاج المؤقت لمشاكل الظرف الراهن، وقدّم البديل الثقافي المرتبط بالهوية والقومية كحل للمشكل الاقتصادي. في المشهد التأسيسي للفيلم نعاين عملية تعدين تمثال شمعي للرئيس دونالد ترامب. نحضر صناعة أيقونة الزعامة السياسية في واقع العالم الجديد. نتتبّع الأيادي التي تصنع التمثال ونقرأ فيها مجازا سينمائيا مرسلا cinecdoque (3) يجسّد كل العوامل التي أشرنا إليها أعلاه.

دون تحويل الفيلم إلى درس أكاديمي عبر المسافة يشرح نظرية موراي روثباند عن الرأسمالية المفرطة وتبعاتها على المستوى السوسيوسياسي، أو يخوض في آراء نعوم تشومسكي عن ثقافة الخوف ودورها في تسويق القرارات السياسية، يحطّ مايكل مور المشاهد مباشرة في صلب المشكل حين يطرح بصوته المعلّق سؤالا بلاغيا تتضمّن الصورة جوابه أو فكرة عن جوابه، عن هويّة من عبّد الطريق لدونالد ترامب. يوازي الفيلم بين لحظتين يبيّن فيهما كيف سقط الحزب الجمهوري بسبب جشع أعضائه في شرك الترامبية، وكيف خذل الحزب الديمقراطي، الذي دافع عنه كثيرا المخرج، وله فيلموغرافية تؤكد ذلك، الكثير من الأميركيين  حين ضحى بمرشح قوي مثل بيرني ساندرس، بقاعدته الانتخابية، سواء الشبابية التي وجدت فيه الصوت التقدمي الذي أسكته برجوازيو الحزب كنانسي بلوشي وإعلاميوه كدونا برازيل، أو العمالية التي توجهت مباشرة للتصويت إلى دونالد ترامب حين لم تجد نفسها داخل برنامج الحزب الذي صنّم حملته الانتخابية في فكرة ثابتة idée fixe هي "المرأة الرئيسة".

شبح النظام الفاشي

في رسم صورة واضحة للمسرح السياسي الجديد يعود مايكل مور لهذا المكان الذي يعرفه هو جيّدا وأصبح يعرفه كل من يعرف مايكل مور. إنها مدينة فلينت بولاية ميشيغن، مسقط رأسه ونقطة بداية الحدث في كل أفلامه التسجيلية. المدينة المهجورة والشبح، التي تعرفنا عليها في "أنا وراجر" (1989)، تعود للواجهة عبر أزمة مياه الشرب الملوثة التي شغلت الرأي العام الأميركي لفترة مهمة من حكم الرئيس السابق باراك أوباما. عن هذه الكارثة يقول مايكل مور عبر صوته المعلق: "لم يكن باستطاعة أي تنظيم إرهابي تلويث مياه مدينة أميركية بأكملها إلى أن أتى الحزب الجمهوري بولاية ميشيغن وفعل ذلك".  في تصرّف حاكم ولاية ميشيغن الجمهوري ريك ساندرس، الذي سمح بتعرّض مواطني المدينة للتسمّم بمياه ملوثة بدرجة عالية من الرصاص وأنكر ذلك، يجد مايكل مور نموذج الجمهوري الذي يفعّل طوباوية الرأسمالية المفرطة في إجراء سياسي حين يصرّح بأنه سيتعامل مع ولايته كمقاولة. أمام هذا الوضع كان ردّ فعل الحزب الديمقراطي عبر رئيسه الأكثر شعبية الذي "أيقنته" الجماهير، باراك أوباما، عبارة عن حيلة مسرحية يبدو فيها وكأنه يحتسي كوب ماء من مياه المدينة. في وضعية مدينة فلينت يجد مايكل مور الحالة المصغرة للكارثة الكبرى التي سيجرّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل الولايات المتحدة إليها.  

أصبحت مدينة فلينت هذا المسرح الذي تشاهد فيه الولايات المتحدة وضعها المستقبلي. شبح النظام الفاشي الذي ينتظر الولايات المتحدة في آخر الطريق الذي تمشيه مع شعبوية دونالد ترامب، وقاعدته اليمينية المتطرفة، يتجسّد أليغوريا في وضعية هذه المدينة التي وجد فيها البنتاغون الأميركي فضاء مناسبا للتدريبات العسكرية على حرب المدن، والتي لا يجد فيها مواطنو المدينة من الأقلية الأفرأميركية إلا هذا القدر الذي ينتظرهم وينتظر كل الجيوب الفقيرة في المدن الأميركية في ظرفية أمنية عُسكر فيها الجهاز الأمني على طريقة الأنظمة الديكتاتورية الثالثية. في وضعية مدينة فلينت يوثق فهرنهايت 11/9 للطريق المعاكس الذي تأخذه العولمة حين تعدي سلوكيات الأنظمة الإستبدادية الثالثية سياسيي العالم الديمقراطي، وقابلية هذا الأخير للتجربة الشمولية: بوليس عسكري، توسع دائرة الفقر، ورئيس بمواصفات الحكام الشموليين الذين نجدهم في الواقع العربي وتغنى بهم روايات أميركا اللاتينية.

مايكل مور ليس متشائما وليس متفائلا في نفس الآن. هو واقعي حسب طاقة وطريقة إجراء الفيلم التسجيلي الموجه لجمهور منمّط بقوالب سينما هوليوود عامة، ومعني بشكل خاص برسالة هذا الفيلم التأجيجية والمكلّفة الثّمن. هذا الجانب المنمط على مستوى التعبيرية السينماتوغرافية، وعلى مستوى المحتوى الخطابي المباشر في طرح الفيلم، غيّب جانبا مهما في البعد التأليفي لفهرنهايت 11/9 كبعد الحوارية والتعالقات التي حاكها هذا الفيلم داخل النسيج الثقافي والفني وظلّت محتشمة الظهور.

هذه التعالقات تأخذ شكلها الأكثر علانية ومباشرة حين تستند على التاريخ وتوظّفه كذاكرة للمستقبل من داخل تقليد الفيلم التسجيلي كما سنّه في النّظرية والإجراء المؤلف السينمائي الفرنسي ورائد الفيلم المقالة كريس ماركر. يعتمد فيلم مور كذلك المادة التاريخية في بعدها المستقبلي ويؤرخ لأشياء تتحقق في المجال الافتراضي للمستقبل. فهرنهايت 11/9 هو كذلك ذاكرة للأشياء التي لم تأت بعد، كما يقول عنوان ينتمي لسجل كريس ماركر الفيلموغرافي. نعيش من خلال الفيلم في زمنية يتسابق فيها الحاضر والماضي والمستقبل من خلال متوالية الحوار بين المخرج والمسن اليهودي الذي يبلغ من العمر 99 سنة، والذي كان ضحية من ضحايا الهولوكوست. في اللقطة المكبرة التي يبدو فيها هذا المسن وهو يدمع على الخلفية الصوتية لبكاء طفل من أميركا الوسطى، فُصل عن والديه في الحدود الجنوبية بسبب إجراءات دونالد ترامب اللاإنسانية بخصوص الهجرة اللاشرعية، يكمن كل الثقل التدليلي والترميزي الذي يمكن أن يطمح له مايكل مور من وراء فهرنهايت 11/9. لقطة حتما ستخلد الفيلم في خانة سينما الضمير الإنساني، وتجعل الفيلم يدخل في لعبة مرايا ليس فقط مع فيلموغرافية المخرج وصداها الحراكي السوسيوسياسي، بل مع هذه السينما الإنسانية الملتزمة كسينما الإنجليزي كين لوش، والأخوين دردين البلجيكيين، على سبيل المثال لا الحصر.

أوستن، 22 نوفمبر 2018

هوامش:

(1)  أضيف هذا المصطلح مؤخرا إلى القاموس الإنكليزي بدلالة كل السلوك، والتعليقات، التدبيرات السياسية الجديدة التي تلغي القوانين الموجودة، وتدخل في المصلحة القومية للولايات المتحدة الأميركية حسب رؤية الرئيس دونالد ترامب.  

(2)  الطبقة المبدعة  Creative Classهو الاصطلاح الذي وضعه عالم الاجتماع الأميركي ريتشارد فلوريدا في كتابه The Rise Of The Creative Class  (2012) لينعت شريحة اجتماعية جديدة تتكون من المحترفين والتقنيين وتتميز بهذا النوع من الانفصال على المستوى الاجتماعي مع الطبقات الأخرى. أغلب هذه الشريحة إن لم يكن بأكملها صوتت للمرشحة هيلاري كلينتون في الأدوار الأولية من الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

(3)  تعمّدنا وضع (cine-) عوض (syne-) وهو التهجي الصحيح لكلمة synecdoque فقط من أجل التسطير على الاستعمال السينمائي لهذه الصورة المجازية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.