}

أفلام مهرجان القاهرة السينمائي بدورة 44: لعبة الربح والخسارة

وائل سعيد 29 نوفمبر 2022
سينما أفلام مهرجان القاهرة السينمائي بدورة 44: لعبة الربح والخسارة
حاز فيلم "علم" على جائزة الهرم الذهبي



شهدت فترة منتصف سبعينيات القرن الماضي ميلاد الدورة الأولى من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تحديدًا في 16 أغسطس/ آب 1976، حين قامت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما بتدشينه، وتولى رئاسته على مدار سبع سنوات حتى عام 83 أحد مؤسسي الجمعية؛ الناقد الراحل كمال الملاخ. في المهرجانات السينمائية، لن تجد ذلك الشخص الذي تمكن من رؤية جميع الأفلام المعروضة وبلا استثناء؛ الأيام معدودة، والأفلام كثيرة، وهو ما ينطبق على الوجبة التي قدمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 44 المنعقدة على مدار عشرة أيام من 13 إلى 22 نوفمبر/ تشرين الثاني.

تنوعت أفلام المهرجان بين التسجيلي والروائي الطويل والقصير، ولا جدال في أن مُشاهدة الأفلام هي الحدث الأهم في أي فعالية سينمائية، لأجل هذا تقام المهرجانات حول العالم، أما عن الجوائز فقد يذهب بعضها لأفلام تمت المراهنة على أحقيتها بالفوز، فيما تفوز أفلام أخرى لم تكن في الحسبان، وتغيب بعض أفلام كانت على قدر يؤهلها للربح، فالسباق حتما يقبع في مكان آخر يحدث في بعض الأحيان أن تخطئه لجان التحكيم.

 

جوائز الهرم المصري

للقضية الفلسطينية مكانة راسخة في وعي الوطن العربي، تتوارثها الأجيال منذ نكبة تهجير المواطنيين الأصليين سنة 1948، خلال هذه العقود الزمنية حدثت تطورات وتبدلات غيرت موازين القوى، خلق ذلك حالات من الصعود والهبوط الأيديولوجي ومن ثم فنحن أمام قضية جديدة تماما الآن يعيشها جيل جديد من الشباب سمع وقرأ ودرس في المناهج عن بطولات غابرة ومواقف كانت حديث العالم في حينها، لكن وعيه تفتح على مناخ حديث يعيش من خلاله مواطنة جديدة ومباشرة وجها لوجه مع المعتدي، وحين ينظر إلى خريطة غوغل باحثًا عن مكانه لن يجد أمامه سوى اسم اسرائيل بالقرب من القدس عاصمة فلسطين التي كانت يومًا ما هنا.

ينطلق فيلم "علم" من هذه الخلفية متأملًا هذه العلاقة الجديدة، حيث كل ما يريده مجموعة من الشباب المتحمسين هو رفع علم فلسطين على مدرستهم عوضًا عن العلم الصهيوني. الفيلم من إخراج فراس خوري في أولى تجاربه الروائية الطويلة، حاز على جائزة الهرم الذهبي في المسابقة الدولية، كما حصل بطله الشاب محمود بكري على جائزة أفضل ممثل مناصفة مع الممثل السوداني ماهر الخير عن فيلم "السد" إخراج علي شري، فيما ذهبت جائزة الهرم الفضي للفيلم البلجيكي "الحب بحسب دالفا" إخراج إيمانويل نيكو، وفيه تُفاجئنا المخرجة بعلاقة شائكة بين مراهقة وأبيها برهافة وقسوة في ذات الوقت.
 

من الأفلام التي حازت على جوائز في المهرجان 


شهد التاريخ الإنساني الكثير من الحركات والمناشدات التي دافعت عن المساواة الكاملة بين الجنسين الرجل والمرأة، حدث ذلك بالطبع قبل موجات الحركات النسائية العالمية الحديثة خلال أوائل القرن الماضي في صراعهن الدائم حول الحريات. ولا شك في أن للمرأة إرثًا طويلًا من المعاناة - مهما اختلفت الثقافات والسياسات- في رحلتها الوجودية ووضعها الجندري، ربما تأتي السلطة الأبوية في مقدمة هذا الإرث الثقيل كونها أولى آليات السطوة والسيادة في حياة المرء في العموم ذكرا كان أو أنثى؛ وإن كانت محنة الأخيرة أكثر تعقيدا بالطبع.

يُتهم الأب في الفيلم باغتصاب ابنته المراهقة "دالفا" التي تجاهد طوال الأحداث في إبعاد التهمة عن أبيها، بعد أن يُزج به في السجن وتدخل هي مؤسسة رعاية حكومية. على أن كفاح الابنة لا يقف عند هذا؛ فمع سير الأحداث يتضح لنا أنها تبحث عن جلادها بل تعشقه أيضًا في حالة مرضية لا تتناسب مع سنها. برعت المخرجة في خلق أجواء هذا الارتباك النفسي للبطلة زيلدا سامسون، التي استحقت عن جدارة جائزة أفضل ممثلة عن دورها. أما جائزة الهرم البرونزي فكانت من نصيب الفيلم البولندي "خبز وملح" كأفضل عمل أول، إخراج داميان كوكر، وقد تكررت الأعمال الأولى لمخرجين في هذه الدورة منها الجيد والمبشر وفيها أيضًا تجارب ما تزال تبحث عن رؤيتها الخاصة، أظن أن "خبز وملح" واحدًا منها.

تشكلت لجنة تحكيم المسابقة الدولية من نانسي عبد الفتاح، مديرة تصوير من مصر، والممثلة الهندية سوارا بهاسكار، ورئاسة المخرجة اليابانية ناعومي كاواسي.

 

الأرض الطاهرة

في السينما العالمية، هناك عدد من السينمات المهضومة، الضائعة بين أقدام الإعلام الجمعي بخلاف تشابهها مع سينمات مماثلة، السينما الباكستانية واحدة من هولاء، فإذا كنت من عشاق السينما الهندية من الممكن أن يمر أمامك فيلم باكستاني دون أن تنتبه، حيث اللغة متقاربة والأجواء والوجوه والغرام بالاستعراضات في كلتا السينماتين. في فيلمه "جويلاند" يطرح المخرج الشاب صايم صادق عالمًا غرائبيًا حول موضوع الذكورة والمفهوم القبلي، من خلال قصة البطل الذي يعاني بين رغبة والده في استمرار اسم العائلة مما يحتم عليه إنجاب وريث، وبين ميوله المرتبكة مع راقصة من عابري النوع.

يدين الفيلم فكرة الذكورة في المجتمع الباكستاني المحافظ ويطرحها برهافة يُحسد عليها باحثًا عن أرض جديدة تستطيع مواكبة العصر الحديث لا ترزح تحت ثقل العادات والتقاليد، خصوصًا وأن اسم باكستان في الأساس يحمل معنى الأرض الطاهرة. بين أب العائلة الكسيح وبين الشاب المرتبك الذي نراه في مشهد رائع مع الراقصة المتحولة يريد ممارسة الحب بشكل عكسي بأن يتخذ موقف المفعول به لا الفاعل، خصوصًا وأن علاقته بزوجته متوترة طوال الأحداث. لا شك في أن الفيلم كان مُفاجأة على كل المستويات، لذلك فقد استحق عن جدارة الفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة ضمن مسابقة أسبوع النقاد الدولية، أما بطلة الفيلم ألينا خان فسوف تُبهرك بأداء الراقصة المتحولة جنسيًا لكنك حتما ستندهش حين تعلم أنها بالفعل عابرة سابقة للنوع.

إذا كان "جويلاند" يبحث عن أرض جديدة قد تكون غير موجودة، فإن أرضًا أخرى يعود إليها بطل الفيلم الأوكراني "بامفير - دميترو سوكوليتكي"، في مطلع أعياد الحصاد يعود بامفير إلى قريته راجيًا أن يبدأ حياة جديدة بعد ماضيه الإجرامي، إلا أن الظروف تضطره لمعاودة التهريب من جديد، الأمر الذي لن تحمد عقباه. قدم الفيلم عالمًا وحشيا للطبقات المعدومة من المزارعين والعمال وأجاد المخرج في توجيه الممثلين وتحريك الأحداث بسلاسة، فيما برع بطل الفيلم ببنيانه الضخم على أداء الشخصية باقتدار. حصل الفيلم على جائزة شادي عبد السلام كأفضل فيلم ضمن مسابقة أسبوع النقاد الدولية التي تشكلت لجنة تحكيمها من الممثل المصري كريم قاسم، والمخرج بن شاروك من اسكتلندا، ومن لبنان الناقدة هدى إبراهيم.

من الأفلام التي حازت على جوائز في المهرجان 


بعيدًا عن التوقعات وقريبًا منها

من الصعب الإجماع على نتيجة الجوائز في أي مهرجان، فدائمًا ما تكون النتائج مثارًا لاعتراضات البعض انحيازًا لفيلم عن آخر، في نهاية الأمر لا تعبر نتائج المسابقات سوى عن ذائقة اللجنة، وفقط بدليل أن عددًا كبيرًا من الأفلام العالمية لم تحصد الجوائز التي ذهبت لأفلام أقل منها جودة. هناك بعض الأفلام التي خرجت هذا العام عما كان متوقعًا لها، حيث كانت في صدارة قوائم الفوز، ربما يأتي في مقدمة هذه الأفلام الفيلم التونسي "جزيرة الغفران" للمخرج الكبير رضا الباهي.

كما ضم القسم الرسمي خارج المسابقة عددًا من الأفلام الجيدة نذكر منها فيلم "السباحتان- سالي الحسيني"، والفيلم الأسباني "ألكاراس – كارلا سيمون" وفيه استعانت المخرجة بأشخاص حقيقية لا بممثلين يُصارعون من أجل الحفاظ على أرضهم مما أضفى واقعية مميزة على أداء الفريق. ومن إيطاليا شارك المخرج ماريو مارتوني بفيلم "حنين"، وهو من الأفلام القوية التي لا تنسى بسهولة، وفي نفس السياق جاء الفيلم الأيرلندي "جنيات إنيشيرين – مارتن ماكدوناه" كواحد من أقوى الأفلام في هذا الموسم. وكعادتها تتعامل السينما الرومانية برهافة مع موضوع لا تزال وطأته تخيم على بلاد كثيرة في العالم حول مسألة العرق من خلال فيلم "لمحة – كريستيان مونجيو".  

في قسم العروض الخاصة كان الفيلم البولندي "إيو – جيرزي سكوليموفسكي" حديث الجميع منذ أن شاهد البعض عرضه سابقًا بمهرجانات كفينيسيا وكان وغيرهما وحصوله على عدد من الجوائز، لذلك لم يكن من الغريب أن تُضاف جائزة جديدة إلى رصيده، هي جائزة أفضل فيلم ضمن جوائز النقاد العرب للأفلام الأوروبية. يُقدم الفيلم الجانب الوحشي في الإنسان من خلال نظرة الحمار "إيو" الذي يجد نفسه فجأة مطرودًا من السيرك الذي كان يعمل به جراء مطالبات جمعيات الرفق بالحيوان بعدم الاستغلال. يتجول الحمار في شوارع المدينة شاهدًا على عدد من الجرائم والمخالفات الإنسانية التى كاد بعضها أن يودي بحياته. 

عرض أيضًا ضمن قسم العروض الخاصة فيلم وثائقي بعنوان "سنوات السوبر 8" من إخراج الكاتبة الفرنسية آني إرنو، الحائزة على نوبل في الآداب هذا العالم، وبلغت إرنو منذ شهرين 82 عامًا بحصيلة تتجاوز العشرين رواية منها "الحدث" و"شغف بسيط" اللتان تحولتا إلى الشاشة وحصدتا العديد من الجوائز لمخرجيهما. ويبدو أن موضوع السينما أو التصوير بدأ منذ الصغر عند إرنو حيث واظبت على التصوير بكاميرا للهواة في فترات مختلفة من حياتها، تستعيد هذه المشاهد وبعض من الذكريات في فيلمها الجديد.

أما في مسابقة الأفلام القصيرة، فقد فاز فيلم التحريك الأميركي "روزماري – إيثان باريت" بجائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير، فيما حصل الفيلم المصري القصير "صاحبتي – كوثر يونس" على جائزة لجنة التحكيم، وعُرض الفيلم لأول مرة بمهرجان فينيسيا الدولي في دورته الفائتة ويعتبر عرضه بالقاهرة هو العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ضمت لجنة تحكيم مسابقة آفاق السينما العربية كلا من المنتجة التونسية مفيدة فضيلة والمخرج اللبناني ميشال كمون ومن مصر مصممة الأزياء ريم العدل. فيما تشكلت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة من: أحمد عامر – مؤلف من مصر، ريم تركي – ممثلة تونسية، برئاسة المخرج الإيطالي مايكل فرامارتينو.

وبخصوص الفيلم المصري "19 ب" فقد أثار نفس الأزمة السنوية؛ سواء على مستوى الجوائز أو العرض كامل العدد؛ ودائمًا ما تُثار حول ذلك اتهامات موجهة لشركة الإنتاج أو المخرج نفسه حول شراء عدد كبير من التذاكر مما يجعل الحفلة كاملة العدد. يُرجع البعض هذا التصرف - إذا حدث بالفعل- إلى خوف شركة الإنتاج من قرصنة الفيلم قبل عرضه بالسينمات. حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم عربي بالإضافة إلى جائزة "اتحاد النقاد الدولي – الفيبرسي"، وفي حفل توزيع الجوائز التقطت عدسات المصورين صورة لانطباعات بطل الفيلم سيد رجب أظنها كانت تحمل من المصداقية أكثر من أدائه في الفيلم نفسه.


الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.