}

أفلام موسم عيد الفطر: بين سينما الشعب وسينما المولات

وائل سعيد 12 مايو 2023
يتمتع الموسم السينمائي لعيد الفطر بأهمية كبيرة، إذ يمثل اللقاء الأول لعشاق السينما ومحبيها بالشاشة الكبيرة بعد شهر كامل من الدراما الرمضانية، لذلك كثيرًا ما يضبط النجوم وشركات الإنتاج عقارب الساعة للحاق به.
في هذا العام، تنافست سبعة أفلام على شباك التذاكر، تصدرت بعضها قائمة أعلى الإيرادات خلال الأيام الأولى. بعضها لحق بها عقب انتهاء أيام العيد، مثل فيلم "يوم 13"، من تأليف وإخراج وائل عبد الله. ترجع أهمية الفيلم إلى استخدام تقنية الـ"3D" شديدة الندرة في السينما المصرية والعالم العربي أيضًا، والتي توفر للجمهور تجربة النظارات المجسمة في أثناء المشاهدة، الأمر الذي لم يعتده الجمهور من الفيلم العربي.
وكما هي العادة، يستمر مشروع "سينما الشعب" في تقديم نشاطه الموسمي لعرض نسخ من الأفلام المتنافسة في موسم العيد. ويعد المشروع الوليد من أميز أنشطة وزارة الثقافة، حيث يتيح تذاكر بربع الثمن ـ تقريبًا ـ مقارنة بأسعارها في السينمات الأخرى، وخصوصًا سينما المولات الجديدة، مستفيدًا من بيوت الثقافة وقصورها المنتشرة في جميع محافظات مصر في توفير قاعات للمشاهدة التي توافد عليها الشباب والطلاب بما يتناسب مع مصروفهم. بلغت إيرادات سينما الشعب في موسم العيد ما يقارب المليون جنيه، وكان على جمهورها من البسطاء تحمل أوجه القصور في قاعات العرض، حيث أن غالبية قصور الثقافة ليست لديها صالات عرض سينمائية ملائمة، ويتم عرض الأفلام عن طريق الاستعانة بأجهزة البروجيكتور.

سينما المراهقين
على مدار ثلاثين يومًا لشهر رمضان، تنافس عدد كبير من المسلسلات في جذب انتباه وشغف الجمهور، ولا شك في أن مسلسل "جعفر العمدة" كان له النصيب الأكبر من هذه المتابعة؛ حيث حظيت الحكاية البطيئة لبطله محمد رمضان في البحث عن ولده المفقود باهتمام قاعدة جماهيرية عريضة، ولم تقف ثغرات المسلسل الكثيرة عقبة أمام تحقيق ذلك، وهو ما شجع ـ النجم ـ على استثمار هذا الرواج في طرح فيلمه الجديد "هارلي"، مستعينًا بعدد من فريق المسلسل، مثل مي كساب، أحمد داش، علاوة على المخرج محمد سامي، ولكن هذه المرة كمؤلف فحسب، وقد تعاون الثنائي رمضان/ سامي من قبل في تقديم أشهر أدوار محمد رمضان المثيرة للجدل والاستنكار والمرتبطة بأعمال العنف والبلطجة، سواء في السينما، أو الدراما، مثل "البرنس"، و"الأسطورة"، و"جواب اعتقال".




يُشارك في البطولة محمود حميدة، ومي عمر، والإخراج لمحمد سمير في تجربته الأولى كمخرج مستقل، بعد رصيده الفني كمدير تصوير، ومساعد مخرج، في عدد قليل من الأعمال الدرامية. اعتاد رمضان في أفلامه تحديدًا تقديم مجموعة من الخلطات لم تخرج غالبيتها عن الحارة الشعبية وعوالم البلطجية والمجرمين. وفي فيلمه الجديد، يجسد شخصية "هارلي"، وهو شاب يعمل في النصب والسرقة، ولا يكف عن تعاطي المخدرات، وحين يموت أخوه الأصغر (أحمد داش)، يقرر الابتعاد عن طريق الجريمة، إلا أن رئيس العصابة، أو الرجل الكبير (محمود حميدة)، يُجبره على معاودة نشاطه من جديد.
لا يطرح هارلي نفسه كمهندس على طول الفيلم إلا في ما ندر، فرغبته الرئيسية تكمن في إعلاء الصورة الشعبية للمهمشين من شباب الطبقة الكادحة الذين لم يتحصلوا على شهادات دراسية، ومن هنا تجد هذه التيمة استجابة هائلة من أصحابها الحقيقيين، خصوصًا بعد أن تقع الفتاة الجميلة المتعلمة التي تنتمي لطبقة راقية في غرام البطل ـ وهو واحد منهم ـ وبذلك يُحقق رمضان في أفلامه وعد السينما حين توفر للمشاهد فرصة الحلم وتحقيق الأمنيات، حتى ولو من خلال الشاشة. وهنا يكمن السر في أن غالبية جماهير محمد رمضان من المراهقين.

من فيلم "رجال لا تعرف المستحيل"

لا يخلو الفيلم كما هو متوقع من الإيفيهات، والإيحاءات الجنسية، أو العنصرية. وكما جرت العادة، لا تكتمل خلطة محمد رمضان سوى بالغناء، لهذا تتخلل أحداث الفيلم عدد من الأغنيات، أو المهرجانات، كما يطلق عليها، لعل أشهرها أغنية "طوق نجاة"، التي يهاجم فيها التعاطي والإدمان، كما يستدعى عبارات عن قوة الإرادة، وتحدي الذات، عن الشاب الذي كانه "كان فاتح للدنيا صدره طيش طموحه زاد جنون... كان بيجري ويا حلمه قال أكون أو لا أكون".
في سياق مشابه، نجد أن المهرجانات الشهيرة المنتشرة عبر الفضاء الرقمي لم تخرج في معظمها عن عالم التعاطي والمخدرات، ودائمًا ما يتكرر فيها الخط الدرامي المتصاعد نفسه؛ بداية من لذة الشرب، ثم البلاء، وفي النهاية لا مجال سوى للعظة. الغريب في هذا المجال أن النسبة الأكبر من مدمنيه يستمعون إليه في أثناء تعاطيهم الكيف، حتى أنهم يستعينون بالمهرجانات لتعلية الحالة، كما يقولون.

الطريق إلى البطولة 
"تمر هندي للإنتاج الفني"، هكذا بدأ الثلاثي أحمد فهمي، وهشام ماجد، وشيكو، حياتهم الفنية، باسم ساخر لشركة وهمية أنتجت أولى أفلامهم "رجال لا تعرف المستحيل" (2002)، على أن ذلك الفيلم لم يعرض على الشاشات، أو في التلفزيون، وانحصر توزيعه على مولات الكمبيوتر؛ حيث يتم تحميله على كل جهاز جديد ضمن مجموعة من الأغنيات والبرامج والألعاب، وتدور قصته داخل عالم المخابرات. وقام الثلاثي بتجسيد أدوار ضباط مخابرات يتحتم عليهم تفجير الكنيست الإسرائيلي. ولأنهم ثلاثة من الضباط الحمقى، يُخطئون الهدف، ويفجرون بدلًا منه السفارة المصرية نفسها.
قدم الفيلم محاكاة ساخرة للفيلم الشهير "الطريق إلى إيلات"، كما قدم جرعة مميزة من كوميديا عفوية، وأداء جيد للثلاثة، الذين كانوا وقتها في السنة النهائية من الجامعة، إلا أن ذلك لم يرق للجهات الأمنية التى استدعتهم فور حصولها على نسخة من الفيلم. بعد تحقيقات طويلة، وبعد أن تحققت الجهات من ـ تفاهتهم ـ كما يحكون، لم يكن أمامهم سوى حلين لا ثالث لهما، إما أن يكون الفيلم القادم عبر القنوات الشرعية وجهات الرقابة، أو يكفوا عن الصنعة من أساسها، ويلتفتوا إلى مستقبلهم، وكلها أيام ويصبح كل واحد فيهم مهندس "ملو هدومه"، كما أخبرهم ضابط الأمن.



اشترك الثلاثي في تقديم مجموعة من الأفلام الطريفة حققت إيرادات مرتفعة، وحظيت بإشادة النقاد والجماهير، مثل "سمير وشهير وبهير"، و"بنات العم"، و"الحرب العالمية الثالثة". كان أحمد فهمي هو أول المنفصلين عن الثلاثي بتقديم أفلام منفردة، وبقي شيكو وهشام ماجد كثنائي. يخوض شيكو بطولته المطلقة لأول مرة بفيلم "ابن الحاج أحمد"، عن فكرة للمخرج عمرو سلامة، والسيناريو والحوار لمحمد المحمدي، والإخراج لمعتز التوني. يشترك في البطولة رحمة أحمد، وسيد رجب، وصبري فواز، وبيومي فؤاد، وهشام ماجد، ضيفي شرف. الفريق المصاحب لشيكو لم يكن في صالح الفيلم، حيث اتفق الجميع، بمن فيهم البطل، على تنفيذ ما يمكن تسميته "فزلكة كوميدية"؛ وهو ما يمكن تلمسه بوضوح في أداء الجميع، وفي المقدمة يأتي سيد رجب، ورحمة أحمد، بمن فيهم شيكو الذي لم يكن في أفضل حالاته بلا شك.
"بعد الشر"، فيلم يجمع من جديد ممثل مسرح مصر علي ربيع بالمؤلف أمين جمال، بعد تجارب سابقة لا تقل سوءًا، مثل "زومبي" (2022)، و"فكرة بمليون جنيه" (2019)، قدم أمين من قبل عددًا من النصوص التي لا تحتوي على قصة يمكن القبض عليها، اللهم إلا مجموعة من الاستكشات المتجاورة في محاولة استجلاب الكوميديا، وهي المنطقة المناسبة لبطل الفيلم بإمكاناته الضعيفة التي لا يعمل عليها. يُشارك علي ربيع البطولة بيومي فؤاد، أوس أوس، رنا رئيس، والفيلم من إخراج أحمد عبد الوهاب.




يواصل بيومي فؤاد محاولاته المستمرة لقنص البطولة المطلقة، بعد إخفاق تجارب سابقة، مثل "الشنطة"، "عودة الأب الضال"، وذلك بفيلم جديد يأتي في ذيل قائمة إيرادات موسم العام: "مغامرات كوكو"، من تأليف إيهاب ناصر، ويشترك في البطولة خالد الصاوي، شيرين رضا، وإيهاب فهمي، والإخراج لإسماعيل فاروق. وسبق لفؤاد تقديم عدد كبير من أعمال ضعيفة مشابهة، مثل "حصل خير"، "القشاش"، "النبطشي"، "كلبي دليلي"، وكلها كانت محاولات بطولة لممثلين من الصف الثاني لم تحقق نجاحًا يذكر.

في ذيل القائمة
لم تشفع بطولة هيفاء وهبي لفيلم "رمسيس باريس" في أن يأتي في ذيل قائمة الإيرادات. التأليف لكريم حسن بشير، والإخراج لأحمد خالد موسى، وقد اجتمعا في 2021 في فيلم لا يقل سوءًا عن هذا، هو "الإنس والنمس"، لشريف عرفة. يُشارك هيفاء البطولة محمد سلام، ومصطفى خاطر، وحمدي الميرغني. وتدور حكايته في غير ترابط حول البطلة، ومتابعة انتقالها بين مصر وباريس، في مغامرة لسرقة لوحة الموناليزا. لا تمتلك هيفاء سوى المقومات الحسية التي تروج لها، سواء بالغناء، أو التمثيل، ويبدو أن الجمهور قد استكفى من هذه الجرعة المكررة.
عمل مخرج الفيلم لسنوات في إخراج الإعلانات التلفزيونية، وهي منهجية مختلفة تعتمد في الأساس على الإبهار التجاري لصيد المُشاهد وتحفيزه على شراء المنتج، وتختص هذه المنهجية في التطبيق العربي لها على النقل، أو التمصير، لمشاهد بعينها من أعمال مشهورة، وهو ما انعكس على معظم أعماله السابقة، مثل "لص بغداد"، "هروب اضطراري"، "ملوك الجدعنة"، "بابا المجال".
يأتي في ذيل قائمة الإيرادات أيضًا فيلم "ساعة إجابة"، وهي التجربة السينمائية الأولى لمصطفى أبو سيف، كمخرج مستقل، وهو حفيد المخرج الكبير صلاح أبو سيف، وابن المخرج محمد أبو سيف. الفيلم من تأليف أحمد شيكو، وبطولة جماعية: غادة عادل، آيتن عامر، شريف سلامة، والطفل سليم مصطفى. الفيلم مناسب للأعمار الصغيرة، خصوصًا أن مثل هذا النوع من السينما قد اندثر تقريبًا، لكننا في حاجة أكبر لمعرفة إلى أي مدى يمكن تقديم سينما للطفل في عصرنا الحالي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.