}

"إن شاء الله ولد": في نقاش "تابوهات" الميراث

يوسف الشايب 4 فبراير 2024
سينما "إن شاء الله ولد": في نقاش "تابوهات" الميراث
لقطة من فيلم "إن شاء الله ولد"


قضايا "الميراث" التي يختلط فيها الديني بالقانوني بالمجتمعي، تطلّ برأسها بين فترة وأخرى في الدراما العربية سينمائيًا وتلفزيونيًّا، وهي لا تقتصر على زمن بعينه أو على جغرافيا دون غيرها من تلك التي ينطق أصحابها بلغة الضاد، مع درجات مختلفة في الطرح، من حيث الجرأة، والتماسك، والجديّة، والتجدّد، وأخرى تتراوح ما بين مستوى فنّي عالٍ أو سطحي، على مستوى التكوين، والأداء، والبصريّات، والتصوير، والصوتيّات، والأزياء، والديكور، وغير ذلك.

وبعد سلسلة من الأفلام بلغت بعضها جرأة المطالبة بالمساواة في الميراث ما بعد الذكر والأنثى كفيلم "شطر محبة" (2006)، ثاني أفلام التونسية كلثوم برنار، أطلّ حديثًا الفيلم الأردني الروائي الطويل "إن شاء الله ولد" للمخرج أمجد الرشيد، وهو الفيلم الذي عرض في مهرجاني كان وفينيسيا السينمائييْن الدولييْن بدورتيهما الأخيرتين، مع بطولة شبه مطلقة للفلسطينية منى حوا، التي حازت عن دورها فيه على جائزة أفضل ممثلة في الدورة الأخيرة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدّة.

ويمكن وصف الفيلم بالجريء، لكونه يُنافش "التابو" الديني المتعلق بقوانين الميراث، التي تحوّلت قوانين في غالبية الدول الإسلامية والعربية، وبينها المملكة الأردنية الهاشمية، باعتبار أن هذه القوانين تتكئ بالأساس على آيات قرآنية ونصوص دينيّة، ومنها محور الفيلم الأساسي موضوعًا، أي توزيع ميراث من يتوفى تاركًا وراءه زوجة وابنة أنثى دون ابن ذكر، فالنصّ القرآني حسب عديد دور الافتاء في هذه الدول، يشير إلى أن من يتوفى زوجها ولم تنجب منه ابنًا أو أبناء ذكور، تتحصل على ثمن ما يتركه من أملاك كحال أي زوجة، بينما تتحصل الابنة على نصف "التركة"، في حين يتحصل والداه إن كانا على قيد الحياة على ما تبقى، وهو ما ينتقل إلى أشقائه وشقيقاته، مع التزام الوصي (الجد أو العم الأكبر) بالصرف على ابنة أخيه، وهي الحالة التي عالجها فيلم "إن شاء الله ولد"، في حين لو كان للمتوفى أكثر من ابنة فلهما أو لهنّ ثلثي التركة، والبقية لجدهن لوالدهن أو أعمامهن.

ورغم أن الرشيد، حاول التسويق مرارًا بأن العمل يناقش لاعدالة القوانين بشكل أو بآخر، وحالة اللامساواة بين الرجل والمرأة، إلا أن الفيلم الأردني عمليًا يناقش فيما يمكن أن يعتبر الشارع في بلاده ما قد يزجه في إشكاليّات كثيرة، ففي الفيلم احتجاج ما على النص القرآني، والذي وجدت فتاوى كثيرة أنه غير قابل للتأويل، على عكس حرمان الأحفاد من ميراث جدّهم حال وفاة والدهم وكان جدّهم حيًّا، وهو ما اختلف فيه الفقهاء ودور الإفتاء، حتى أن الأردن وفلسطين، ومنذ عقود، عطلا العمل بهذا الحكم، وبات الأحفاد يرثون حصّة والدهم كاملة.

حاول المخرج أمجد الرشيد التسويق مرارًا بأن العمل يناقش لاعدالة القوانين بشكل أو بآخر، وحالة اللامساواة بين الرجل والمرأة


ويتناول الفيلم حكاية "نوال" (منى حوا)، التي كانت تحاول إنجاب طفل آخر تبعًا لتعليمات الأطباء المتعلقة بفترات الإخصاب على مدار ثلاثة أيام أو أربعة، فكان لها تلك المحاولة في الليلة الأولى، في حين إرهاق الزوج حال دون ذلك في الليلة الثانية... ورغم وعده لها بأن يكرّرا التجربة في الليلة الثالثة، لكن صباح اليوم الثاني كان الزوج بجانبها جثة، إثر موت مفاجئ.

ويبدأ شقيق زوجها، وعمّ ابنتها الوحيدة، المدعو "رفقي" (هيثم العمري) بمطالبتها بديون له على زوجها، يملك الأدلة عليها، ويتعلق بالدفعات الأربع الأخيرة لتسديد أقساط الـ"بيك أب"، وهي شاحنة صغيرة تستخدم لنقل البضائع بحمولات ليست كبيرة، خاصة بعد أن يكشف لها أن زوجها لم يتقاض رواتب آخر شهوره من عمله، لتُصدم أنه فصل من عمله، وحين سألت عن السبب، أجابها صاحب العمل بأنه "لا تجوز على الميّت إلا الرحمة"، ما يوحي بأن ثمة سرًّا ما، كان غريبًا أنها لم تبحث عنه بعد أن غادرت، وهي مثلبة في حبكة الفيلم، برأيي، فيكف لمن تعرف أن ثمة ما كان يخفيه زوجها عنها، وارتفعت وتيرة الشكوك حوله بعبارة صاحب العمل، ألا تبحث عمّا كان، خاصة بعد تعذر محاولاتها لفتح تقنيات إقفال الهاتف المحمول لزوجها الراحل.

وفي أيام العزاء تتلقى "نوال" تعليمات من امرأة متشحة بالسواد، تبدو مغلفة بمبرّرات دينية، من قبيل أنه لا يجوز أن تغادر المرأة منزلها قبل "أربعة شهور وعشرة أيام قمرية، إلا للضرورة القصوى، على أن تعود قبل غروب الشمس"، باعتبار أن "الشياطين تطوف الدنيا بعد غروب الشمس"، وأن عليها "تجنّب التجمعات، كي لا تسوّل لها نفسها ارتكاب المعاصي".

لكن "نوال" التي تقوم بإيصال ابنتها "نورة" (سيلينيا ربابعة) إلى مدرستها صباحًا، وتجعلها لساعات ما بعد الانتهاء من دوامها المدرسي في رعاية جارتها، تضطر لضرب تلك "التعليمات" عرض الحائط، والخروج لعملها كممرضة لمسنّة لدى أسرة مسيحية، تعاني حفيدتها "لورين" (يمنى مروان) من اضطراب في علاقتها مع زوجها "النسونجي"، متعدد العلاقات خارج إطار الزوجية، حتى أنها تطلب الطلاق لكنها تصطدم بتعليمات الكنيسة ممثلة بـ"الخوري"، لا سيما ما يتعلق بإثبات "خياناته" هذه، في حين تحاول والدتها ثنيها عن ذلك، مشيرة إلى تجربتها هي في التغاضي عن تجاوزات شبيهة لوالدها الذي لا يظهر في أي مشهد، بل تتسع في تبريرها إلى أن تصل إلى "حكمة" هيلاري كلينتون في تجاوزها عمّا فعله بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي.

منى حوا في لقطتين من الفيلم 


وبعد أن تكتشف الاثنتان "نوال" و"لورين" أن الثانية حُبلى، تخلصان إلى اتفاق مفاده أن تقوم "لورين" بفحص حمل باسم "نوال" ليظهر إيجابيًّا، فتعطّل الحكم بقضية توزيع الميراث لتسعة أشهر لعلها تتدّبر أمرها، ولو بعلاقة عابرة، وهو ما رفضته بعد أن كان قريبًا في تعاطيها مع أخصائي العلاج الطبيعي لذات المسنة التي ترعاها، على أن تتولى "نوال" مهمة البحث عن طبيب ينفذ عملية الإحهاض للثانية، وهو ما كان، وإثره تعرّضت "لورين" لضرب مبرح من زوجها، وطردت "نوال" من عملها.

لم تعترف المحكمة الشرعية بالفحص في مركز خاص، وأحالتها إلى الطبيب الشرعي، لكن الحمل، وتبعًا لقحوصات "نوال" المنزلية، كان مجرّد خدعة، رغم الإشارة التي قدمها المخرج الذي هو ذاته كاتب القصة، ومشارك في السيناريو رفقة منتجة الفيلم رولا ناصر، وديلفين أجوت، والحديث عن إغماءتها المفاجئة في حافلة النقل العام.

تضطر "نوال" بضغط من شقيقها السلبي، الذي يبتعد دومًا عن "وجع الرأس"، وشقيق زوجها، للتوجه إلى جهات الاختصاص المعترف بها لدى المحاكم الشرعية فيما يتعلق بفحوصات الحمل، وتكون المفاجأة، حين يحضر لها شقيقها النتيجة بأنها حُبلى فعلًا، وأن لديها تسعة أشهر لحفظ قضية توزيع الميراث، أو طردها من المنزل الذي يأويها ليُباع ويوزع ثمنه وفق حجة "حصر الإرث" تبعًا للشريعة الإسلامية، مطالبًا إياها بعدم الإقدام على أي عمل دون إبلاغه، لينتهي الفيلم وهي تنطلق بالشاحنة الصغيرة (بيك أب)، في إشارة إلى رغبة عارمة باعتمادها على ذاتها في قادم الأيام، هي التي أجبرت على بيع غرفة نومها، وشيء من مصاغها لتسديد ما تبقى من مستحقات عمّ ابنتها، خاصة أنها كانت قد تعلمت القيادة على يد أخصائي العلاج الطبيعي، الذي صدّته في نهاية المطاف، ما جعل النهاية مفتوحة، بانتظار "ولد" يمنحها وابنتها كامل ميراث زوجها، أو ابنة أخرى ترفع رصيدهما في الميراث، ولو قليلًا!

وقام صنّاع فيلم "إن شاء الله ولد" بإهدائه إلى ذكرى "صانعة الأفلام" كلير نبر، المنتجة وكاتبة السيناريو الأردنية الأسترالية، والتي رحلت شابة إثر مرض عضال، وكانت متزوجة من المخرج الأردني أمين مطالقة.

يبقى أن نشير إلى أن الفيلم الذي مثّل الأردن في المنافسة على أوسكار أفضل فيلم دولي غير ناطق بالإنكليزية، ولم يصل إلى القائمة الطويلة حتى، لم يُعرض بعد في العديد من الدول العربية، بما فيها الأردن التي يحمل اسمها، وتم تصويره فيها، وهي جهة أساسية لإنتاجه، أو فلسطين التي استحقت الممثلة التي تُعرّف نفسها بأنها فلسطينية، منى حوا، جائزة أفضل ممثلة في "البحر الأحمر"، رغم مشاركاتها المثيرة للجدل في مسلسلات من إنتاج إسرائيلي، أشهرها مسلسل "فوضى" عبر "نتفليكس"، ومسلسل "منى" وسبق أن عُرض على قناة "كان" الإسرائيلية، ومع أنها شاركت في عدد من الأفلام والمسرحيات الفلسطينية، أبرزها فيلم "بين الجنّة والأرض" لنجوى نجار، ومسرحية "من قتل أسمهان" من إنتاج المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، وهو ما دفع لجان مقاطعة في الأردن لمطالبة المخرج بألا تخرج حوا في أي مهرجان يُعرض فيه الفيلم، أو في الحديث عنه والترويج له.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.