منذ نهاية العام الماضي، بدأ الإعلان عن قرب طرح دُفعة جديدة من الأفلام المصرية التجارية في دور العرض. بعضها كان مُثيرًا للتفاؤل بطبيعة الحال، إما لتاريخ مُشرِّف لصُناعه، وإما لأنه بشَّر بجديد على مستوى النوع الفيلمي، بعيدًا عن ثنائية الكوميدي المُبالِغ أو أكشن عضلات الذكور. لكن هناك سببًا آخر، دعانا للتفاؤل وربما أيضًا للحُلم، هو أننا رأينا للمرة الأولى منذ وقت طويل، النجمات يعدن إلى تصدّر أفيشات الأفلام المعروضة في الشوارع. بالطبع تحظى الممثلات بمساحة ما على أفيشات الأفلام حتى أكثرها تجارية وذكورية، لكنني أتحدث هنا عن السيادة، والصدارة شبه الحصرية في بعض الأحيان. بعض تلك النجمات، ينتمين حتى إلى أجيال أقدم، وهو ما يُلهِم بدوره إلى احتمال أن نُشاهد موضوعات جديدة عن تلك التي أضجرتنا منها الأفلام. فيلم واحد هو "مقسوم"، إلى جانب أنه بطولة جماعية نسائية، جاء من إخراج صانعة سينما امرأة وشابة هي كوثر مُختار يونس.
تراوحت مستويات هذه الأعمال، كما تنوَّعت ردود الفعل بإزائها، واختلف مردودها فيما يتعلق بشباك التذاكر. في السطور التالية، قائمة بخمسة أفلام يُمكن نسبتها بشكل أو بآخر إلى نساء. الفيلم الأول، "عصابة عظيمة" يُحسب لاسم النجمة إسعاد يونس، والثاني "الملكة" هو استثمار لنجاح هالة صدقي الكبير في دور "الملكة صفصف" في مسلسل رمضان الماضي "جعفر العمدة". كما أن أحد أهم أفلام هذه القائمة، وهو "الرحلة 404"، بكل ما أثاره من جدل لأزماته مع الرقابة، يحمل اسم النجمة منى زكي. لدينا أيضًا "ليلة العيد"، وهو من بطولة جماعية نسائية ويُناقش موضوعات تخص النساء، ويُنسب في الأساس إلى اسم نجمته ذائعة الصيت يُسرا. أما الأخير "مقسوم"، فهو يرتبط يقينًا بمُخرجته الشابة، وهو كذلك بطولة ثلاثية للنجمات ليلى علوي وشيرين رضا وسما إبراهيم.
ومن الضروري، بعد أن نفرح بالعودة، أن نسأل: هل جاءت هذه الأفلام على مستوى توقعاتنا، أو بالأدق، تفاؤلنا وبُشرتنا، أم خذلتنا؟ هل قدَّمت شكلًا ومضمونًا طرحًا تقدميًا تكتنفه رؤية ما نسوية، أو على الأقل تقف في صف النساء، أم جاءت رجعية، تحمل رؤى ذكورية مُتكلسة، أي بثت السم في العسل؟ وهل يُمكن القول إن طرح هذه الأفلام، في موسم واحد، من شأنه أن ينعكس إيجابًا على مُستقبل التيار التجاري في السينما المصرية، من ناحية مُشاركات النساء؟ ربما يبقى السؤال الأخير، ليُجيب عنه الزمن. أما الأسئلة الأخرى، فهذه محاولة للإجابة عنها.
1- "عصابة عظيمة": مسودة لفيلم ومضمون نبيل!
افتتح "عصابة عظيمة" موسم مُنتصف العام السينمائي، بل وحتى العام نفسه، فقد بدأ عرضه يوم 4 كانون الثاني/ يناير في دور العرض المصرية. إلى جانب إسعاد يونس، يلعب الأدوار الرئيسية في الفيلم: رنا رئيس، محمد محمود، كريم عفيفي، فرح الزاهد، وآخرون. ومن تأليف هاجر الإبياري، وإخراج وائل إحسان.
إسعاد يونس إلى جانب كونها ممثلة ومنتجة هي أيضًا ومنذ سنوات مُذيعة مؤثرة. برنامجها "صاحبة السعادة" يُحقق حضورًا استثنائيًا، وقد رسم لها صورة السيَّدة الجليلة الباحثة في كنوز الماضي، المؤكدة على الأصالة. لها أيضًا برامج إذاعية، تتكلم فيها خلال شهر رمضان بلغة شعبية راقية وجذابة. كما أصدرت كتبًا باسمها. إنها نجمة، من دون أدنى شك. "عصابة عظيمة" تدور قصته بشكل ما، في أجواء إسعاد المُفضلة، وحول ثيماتها الناجحة والتي قد يأتي بعضها في صورة نقد سياسي غير مباشر، إذ ينادي فيلمها بالتمسك بالتراث، ويرفض الديون، وبيع مُمتلكات الماضي الذي يتمثل هنا في قصر "عظيمة"، بطلة الأولمبياد السابقة، التي تعرضت لحادثة سيارة في أوج مجدها الرياضي نجت منها ضريرة، لكنها مع ذلك ترى بعين قلبها إن جاز التعبير، وتعتمد بشكل مُذهل على حاسة سمعها، وبطريقة تعوّض فقدانها البصر في حياتها اليومية.
مضمون نبيل، وفيلم في وسع العائلة أن تُشاهده بلا تحفظات، ثمة طفلة حتى، هي حفيدة عظيمة، تلعب دورًا لطيفًا في الأحداث. ومع ذلك، فإن الفيلم يُعاني من أزمتين، رئيستين للأسف، الأولى على مستوى السيناريو، والثانية على مستوى الإخراج. صحيح أن عظيمة، أو بالأدق إسعاد، مركز الثقل في الفيلم وعموده الفقري، تجذب الانتباه على الفور، إلا أن السيناريو جعلها مُحاطة بمجموعة من المواقف المُلفقة بلا تجانس، ووضع على ألسنة المُمثلين المُحيطين بها، وقد كانوا باهتين جدًا، إيفيهات من المفترض أنها كوميدية، لكنها لا تُضحك أحدًا، ولا أدري إن كانت أضحكت صُناع الفيلم أنفسهم. وائل إحسان، الذي عُرف بإخراج الأفلام الكوميدية الخفيفة تتخللها مسحة إنسانية، مثل أفلامه مع النجم أحمد حلمي (زكي شان، ظرف طارق، مطب صناعي)، يظهر أسلوبه الإخراجي هنا مُفككا، قديما، وكأنه فاقد السيطرة على أدواته، وبطريقة تصوير عفا عليها الزمن. يبدو "عصابة عظيمة" في صورته النهائية، وكأنه مسودة لفيلم، أكثر منه عمل مكتمل.
إن الوصول حتى إلى منتصف المُشاهدة هي مهمة شاقة ومُضجرة. ومن المحزن أن تلك الأسماء الكبيرة، لم يُحالفها الحظ إلى هذا الحد في اختيار العناصر المُشارِكة.
2- "الملكة": بطولة نسائية بفِكر ذكوري!
من الصعب أن نعرف السبب الذي جعل من عنوان هذا الفيلم "الملكة"، وليس "الملك" برغم أن مَنْ يُحرك الأحداث حقيقة هو "وفيق القلاب" الذي يلعب دوره باسم سمرة، وهو يُحركها بأكثر الطرق امتهانًا للناس، حيث يستمتع بسبهم أغلب الوقت في سادية غريبة، ويستمر تأثير هذه السادية في تفضيله الجنسي النساء خادمات، متسخات، فقيرات، ويفعل كل شيء في سبيل الحصول عليهن، كما لو أنهن بضاعة معروضة للبيع والشراء. مسألة السب تحديدًا، يمارسها الجميع في فيلم ينهض أساسًا على الإيحاءات الجنسية، والسخرية من الأجساد وربطها بالعار، ومن الغريب أن مَنْ تفعل ذلك هي هالة صدقي أو البطلة، الملكة ماجدة، حين تسخر من الفتيات اللاتي يعملن معها في فريق الكرة النسائي. كما تُنذر نفسها بطريقة غريبة وغير مُبررة دراميًا لمحاولة مشاركة "القلاب" في تجارته الكبيرة، راضخة لشرطه المادي من تقديم مبلغ مالي خرافي، وكذلك لابتزازه الجنسي، بل وتتمادى بارتداء أزياء الخادمات في سبيل أن تغويه. حتى الصداقة، التي من المفترض أن الفيلم يُقدمها لنا بين ثلاث نساء وهن هالة صدقي ودينا وبدرية طُلبة، أتت باهتة، ولا لزوم لها، اللهم إلا شحذ المزيد من عوامل الجذب بأسماء نجمات لهن رصيد جماهيري.
إن كان "عصابة عظيمة" غير مُكتمل، فإن "الملكة" يبدو كمُزحة ثقيلة الظل غير مفهوم غرضها. لمُخرجه سامح عبد العزيز فيلم ثان في هذه القائمة، أجرأ ادعاء للنسوية أو على أقل تقدير محاولة الدفاع عن حقوق النساء المسلوبة وهو "ليلة العيد"، لكننا نستطيع أن نفهم مُشكلة "ليلة العيد"، حين نُشاهد "الملكة". ماذا يريد أن يقول المُخرِج إن كان يُريد أن يقول شيئًا، سوى كلام رجعي ومُحتقر للنساء والفقراء معًا في سلطوية مُنفرة لكن الفيلم يجعلها مقبولة. لربما نجح فيلم كهذا لو أنه عُرِض قبل عشرين عامًا على الأقل، أي الزمن الذي شهد نجاح ظاهرة أفلام "السبكي"، برداءتها الفنية وابتذالها.
أما اليوم، فلم يستطع "الملكة" أن يُحقق أي نجاح على مستوى شباك التذاكر، ولم يصمد طويلًا في دور العرض.
3- "ليلة العيد": ازدحام في الأفكار وافتقار إلى الرؤية
لمخرج هذا الفيلم سامح عبد العزيز مع مؤلِّفه أحمد عبد الله ثلاثة أعمال ناجحة في البطولة الجماعية: "الفرح، كباريه، والليلة الكبيرة". هذا التمهيد، كان مُبشرًا ونحن نُقبل على مشاهدة تجربتهم الجديدة معًا- "ليلة العيد". ويتأجج الحماس، حين نعرف أن البطولة الجماعية هي نسائية هذه المرة، وأن الفيلم، كما يُشي إعلانه، يتناول قضايا النساء، بصورة شبه حصرية، في المناطق المُهمشة، البعيدة عن دوائر اهتمام العاصمة وأهلها. تجري أحداث الفيلم في جزيرة وسط النيل، يتطلب الوصول إليها أو الخروج منها الإبحار عبر معديَّة، تلعب دورًا مُهمًا في الأحداث، وبالأخص في المشهد الأخير من الفيلم. وهو من بطولة: يسرا اللوزي، ريهام عبد الغفور، عبير صبري، نجلاء بدر، هنادي مهنا، سيد رجب وآخرون.
والواقع أن الفيلم يُقدِّم قصصًا لقهر النساء، سمعنا بها أو عشناها بشكل أو بآخر. الفتاة الرياضية التي لا يرضى المجتمع، ولا أبوها، بشغفها لرفع الأثقال. المرأة المُعيلة والعاملة المحرومة من دون أقل حماية أو ضمان اجتماعيين. الشابة التي تود الخروج إلى الحياة، والغناء والرقص، لكن بطش أخيها وازدواجيته يمنعانها من قضاء حتى أقصر الأوقات وسط صاحباتها. الزوجة التي تتعرض إلى الضرب والاغتصاب الزوجي من زوج بلطجي يفتقر إلى أي درجة من المزايا، واسمه بالمناسبة "عنتر"! الأم التي ترفض ختان ابنتها، بعد معاناتها الشخصية. والابنة المُجبرة على الزواج وهي بعد طفلة، كي تُسدد ديون أبيها. هذا عدا عن السيدة المقهورة لرفض إخوتها توريثها، واسمها بالصدفة "فرحانة"! وخيوط أخرى كثيرة.
أكثر من اللازم ربما، ومحشورة حشرًا في فيلم قصير مهما طال. قصص كانت تحتاج إلى مسلسل ربما لا إلى فيلم، لكنها، وهذا هو الأهم، كانت تحتاج إلى فلسفة درامية قادرة على تضفيرها في سيناريو لا ينهض على التنميط والتسطيح بهذا الشكل. الرجال هنا جُناة بالفطرة، والنساء ضحايا. والفريقان لا يتمتع أفرادهما بأي أبعاد درامية. لم يستطع مؤلف هذا الفيلم ولا مُخِرجه، أن يُقدما رؤية عن المجتمع الذي أنتج هذه الأحوال، كما لم يستطيعا أن يخلقا من هذه الأحوال شريطًا سينمائيًا ممتعًا يدعونا حقيقة إلى التعاطف مع هذه الشخصيات والشعور بأزماتها. مَنْ الذي يُريد أن يُعذب نفسه، في فيلم لا يُناصر النساء بل يُحاصرهن، ولا يسائل الرجال بل يكتفي بشيطنتهم، ويفشل حتى في خلق دراما ذكية بما يكفي كي تستحق مُشاهدتها؟
4- "رحلة 404": درب يخص المرأة وحدها!
مع أننا يحلو اليوم لنا ربط الأفلام التجارية بنجومها الذكور؛ أولئك الذين نعرف أنهم يُقررون كل كبيرة وصغيرة في أفلامهم، مَنْ يكتبها، مَنْ يُخرجها، ومَنْ يتنفس فيها، فقد كانت لنا في الماضي، مشاريع سينمائية لنجمات مؤثرات، استُكتبت أفلام لهن، تحمسن لتنفيذ روايات وقصص، وحتى أنتجن بعضها أحيانًا، نذكر منهن فاتن حمامة، وسعاد حسني، وماجدة الصباحي، على سبيل المثال.
منذ عقود ونحن نفتقد هذه الحالة، إلى حد أننا نسيناها. في العقد الأول من الألفية الثانية، ظهرت في الأفلام المصرية مجموعة من النجمات الواعدات. بعد تغيُّر الأحوال السياسية في مصر عام 2013، عانت صناعة السينما مبدئيًا من مشاكل التمويل، وثانيًا من التضييق التدريجي على الحريات من الرقابة، وانغلاق الفضاء العام. بحلول ذلك الوقت، كانت بعض هذه النجمات قد ابتعدن عن الساحة (حنان ترك نموذجًا)، وبعضهن لم يعد يجد ما يُغري حقًا في السيناريوهات المُتاحة، فبدأن يُشاركن في أعمال مهتزة فكريًا وأقل من المستوى (هند صبري نموذجًا)، بعضهن ما زلن حاضرات لكن بدرجة أكبر في الأعمال التلفزيونية عن الأعمال السينمائية، لنُدرة الأخيرة (منى شلبي مثلًا). وثمة منى زكي، الباحثة عن درب ما، يُمكنها من إعادة اكتشاف نفسها كممثلة، كما يُقدِّمها كل مرة من جديد للجمهور.
في "رحلة 404" الأوفر حظًا بين أفلام هذه القائمة، على مستوى لفت الانتباه، وتحقيق إيرادات مُرتفعة في شباك التذاكر، يُعيد السيناريو الذي كتبه محمد رجاء، وأخرجه هاني خليفة؛ يُعيد تقديم منى زكي كممثلة، وبالمثل يُعيد طرح قصة ربما سمعناها من قبل، وشاهدناها كثيرًا في الأفلام المصرية تحديدًا، عن المرأة التي تود نسيان ماضيها، لكن الماضي نفسه لا يُريد أن ينساها فيظل يتربص بها، ويشتد عناده معها، لا سيما حين تنوي الذهاب في رحلة حج، تكلل مسعاها في طلب المغفرة ومحو الذنوب.
سوى هذا المستوى المباشر من القصة، يُمكن قراءة حكاية الفيلم عبر عدة مستويات، منها الفلسفي، والاجتماعي، وحتى الديني من المنظور الشعبي. قد لا يُضارع الجزء الأخير من الفيلم بقية الأجزاء، لا فقط في الحبكة، لكن كذلك في اهتزاز رسالة الفيلم، ومضامينه الفكرية. البعض أرجع هذا الارتباك للتعنت الرقابي، وقبول فريق الفيلم بالوصول إلى حل وسط. وأيًا ما كان الأمر، فإن "رحلة 404"، هو عمل هام، يضيء لنا جوانب من وضع النساء الحالي في صناعة السينما، ومن مسألة إهدار مواهب النجمات لصالح وهم شباك التذاكر. ولعلّ نجاحه التجاري يُغري المُنتجين باستنساخ التجربة!
5- "مقسوم": أغنية عذبة عن الصداقة بين النساء!
طُرِح هذا الفيلم في دور العرض قبل أن يُطرح فيلم "رحلة 404"، لكن السبب الذي يجعلني أضعه في نهاية القائمة أو مسكًا للختام، هو أنه أنضج ما جاء فيها على مستوى مناصرة النساء، وأحدثها أسلوبًا. هذا هو أول فيلم روائي طويل وتجاري من إخراج كوثر يونس التي تمتلك صوتًا جديدًا في إبداع الأفلام ولديها ما ترويه بحساسيتها الخاصة. إلى هذا، لم تكن نهاية "مقسوم" من نقاط ضعفه، كما حصل مثلًا في "رحلة 404".
كوثر هي صاحبة الفيلم التسجيلي الذي لا يُنسى "هدية من الماضي"، إنتاج عام 2015، ويدور حول اصطحاب المخرجة والدها في رحلة إلى إيطاليا، هناك حيث سيلتقي حُبه القديم غير المُتحقق لمرة واحدة وأخيرة، تصوَّرها كوثر بعذوبة ورقة.
ينطلق "مقسوم" من نفس خيط "هدية من الماضي"، تحديدًا من هذا الحنين إلى زمن مُفرط الجمال مضى، ومن محاولة مُخرج أفلام اختلاق موقف درامي، يؤدي إلى جمع بطلات الفرقة الموسيقية التسعينية "أميتشي"، وتعني الأصدقاء في اللغة الإيطالية، مرة ثانية، بعد مرور ثلاثين عامًا على توقف الفرقة وتبدُّد الرابطة التي كانت بين ثلاث نساء، لعبت أدوارهن في "مقسوم" ليلى علوي وشيرين رضا وسماء إبراهيم. كُن في الماضي صديقات مُقرّبات، وليس فقط عضوات في الفرقة، ولم يعد الأمر كذلك. والسبب في أن الأمر لم يعد كذلك، من جميع النواحي، هو تلاعب رجل فاسد يلعب دوره سيد رجب، في شؤون الفريق والصداقة، بطريقة قضت على الاثنين معًا.
في الفيلم دفء الحنين إلى صداقات انتهت، لحياة كان يُمكن أن تصير أقل قسوة، وإعادة تقييم ومساءلة للذات إزاء المُهم فالأهم، في عالم يبدو أكثر من أي وقت مضى مُنغلقًا على ذاته، مجروحًا بعنف في صميمها. تلعب باليتة الألوان في الفيلم دورًا جماليًا على المستوى البصري، يُكثف الشعور بالدفء، ويخطفنا إلى عالم يقف على الحدود بين السحر والواقع. السحر في كل ما يقترب من الصداقة، ولو أطلالها. والواقع، الذي يطرح على البطلات باستمرار سؤال: "لِمَ لا؟". لِم لا نتمرد على التعاسة؟ لِم لا نُراجع مواقفنا القديمة؟ لِم لا نسعى مجددًا للحياة؟". السؤال المُتعجب المُحتفي بالحياة، هو بالطبع جزء من رسالة الفيلم، وهو أيضًا ما يمنح الفيلم طابعه التقدمي النسوي، النضالي بخِفّة.
صحيح أن السيناريو الذي كتبه هيثم دبور يبدو أقصر مما يجب، ولا يُجيبنا على جميع الأسئلة التي تخطر في بالنا. على سبيل المثال، لم يظهر الدافع الدرامي لجمع الثلاث صديقات واضحًا بما يكفي. إلا أن مُشاهدة "مقسوم" تظل مُمتعة، وربما لو عُرِض في موسم درامي أقل كثافة في عدد الأفلام المعروضة لحصد نجاحًا تجاريًا أكبر مما حدث فعلًا.