}

"أمل: روح حرّة": حين تكون الشجاعة أسلوبًا أخرق

ندى الأزهري 5 مايو 2024
سينما "أمل: روح حرّة": حين تكون الشجاعة أسلوبًا أخرق
ملصق فيلم "أمل: روح حرّة"
أمل، معلمة في إحدى المدارس الثانوية في بروكسل، تشجع طلابها على التعبير عن أنفسهم بحرية. وبفضل أساليب التدريس الجريئة وحماسها، ستقلب حياتهم رأسًا على عقب، إلى درجة صدمت بعضهم. شيئًا فشيئًا، ستشعر أمل بالمضايقة والتهديد.
هكذا يُعرّف عن نفسه "أمل: روح حرّة" (2024) للمخرج المغربي البلجيكي جوّاد غالب، الذي يعرض في فرنسا حاليًا. يرى نقاد في الفيلم أنه "يحارب" التطرف الديني، هنا الإسلامي، من خلال قصة هذه المعلمة الشجاعة التي يتحول شغفها المهني بتعزيز قيم التسامح لدى طلابها إلى جحيم.
يفرض نقد فيلم تتفوق فيه أهمية موضوعه على ما عداها تعاملًا خاصًا. فيلمٌ يهتم برسالته أكثر من اهتمامه بأسلوب طرحها ومعالجتها. أمل (لبنى زبّال) تسعى لإقناع طلابها أن ملاحقاتهم وتهديداتهم لزميلة لهم متهمة بالمثلية، أمر مرفوض في المجتمعات الحالية. ستفشل وسيكون مصيرها مقاربًا لمصير أستاذ (مدرس التاريخ صموئيل باتي) اغتيل في فرنسا من قبل طالب إرهابي. إن سعى الفيلم لتبيان وجهات نظر الطلاب في صف مختلف الإثنيات (عرب، أفارقة، فرنسيون، آسيويون...)، فإن أصوات الجميع تبدو باهتة أمام أغلبية عربية مسلمة متشددة. من جهة، هنالك الطلاب المتطرفون وأولياؤهم، ومعهم أستاذ مادة الديانة الإسلامية. ففي بلجيكا، يتم تعيين معلمي الدين من قبل هيئة تنفيذية، ولا يملك التعليم العام سلطة التحكم في محتوى الدروس. هكذا يثير الفيلم رسالته التوجيهية الثانية عن مدى شرعية دروس الدين هناك، والتحديات التي يواجهها أساتذة المدارس، لما يبثه معلم الديانة من أفكار ظلامية في عقول طلابه (على الأقل في الفيلم). هنالك في الطرف الآخر المعلمة والطالبة العربية المسلمة المضطهدة، أمّا في الوسط فتتربع المديرة التي تمثّل الجانب القدري والخائف لشخصية في وضعها تخشى أيّ إثارة تعيق حسن سير العمل.
تبدو الشخصيات مثقلة بالنمطية وذات مستوى واحد، إنها منحازة بالكامل لما تؤمن به، وغير مستعدة لأي مراجعة، ما يسهّل سيرورة وحبكة الفيلم. هكذا، تدور على مستوى الحوار نقاشات سطحية مكررة ومتوقعة، أما الأحداث فكان افتعالها محفزًا لبدء حرب ضرورية بين الأطراف مجتمعة لتبرير ما سيحدث. فالمعلمة اختارت شخصية مسلمة تاريخية جدلية لإقناع طلابها بعكس ما يعتقدون حول الإسلام، والطالبة بثت على نحو مفاجئ وغير مبرر اعترافًا بمثليتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما قاد إلى تصاعد خطير للأحداث. يلعب الفيلم على أساليب وثائقية ما يجعله يتخفّى بذريعة الواقعية ليبرر معالجته الواهية، يتابع إظهار التوترات والتهديدات الدينية التي يواجهها المعلمون في المدرسة بشكل عام، لكنه يفتقر إلى تعامل دقيق ورهيف مع جميع القضايا التي يثيرها، ويصور قصته المتوترة بكاميرا محمولة سريعة في حركتها غير الدقيقة.
يعد الفيلم لدى نقاد في فرنسا ضروريًّا في الظروف الحالية، لأنه يريد إسماع الصوت العميق المنفتح والرائع للإسلام (أين وكيف ولا شخصية تقنع؟) وذلك في سياق حالي يشيطنه، ويجرد المجتمع الإسلامي من إنسانيته. لقد تم النظر إليه على أنه صدمة في مواجهة رقابة المتطرفين، لأنه يدين بشجاعة الأفكار الظلامية التي تجرد الإسلام من قيمه، ويذكّر بدور مدرس الجمهورية للاستماع للشباب، وتأهيلهم لتقبل قيم التسامح والحرية عامة، وحرية التعبير خاصة.

فهل هذا حقًا ما قام به؟
تجاه موقف الطلاب العدوانيين والجهلاء، المليئين بأفكار تبسيطية يعتقدون أنها خاصتهم فيما غرستها البيئة ووسائل الإعلام فيهم، والذين يرغبون في تأكيد هوية مُعلنة أكثر مما هي مُعاشة، وهو أمر عادي منتشر على نطاق واسع بين المراهقين في جميع الأوقات ومن جميع الخلفيات، هنالك معلمّة تجيب بطريقة معادية للتربية بامتياز. من خلال معارضتها استفزاز المراهقين بمواقف تفوقها استفزازية تتخيل أن هذه هي الطريقة التي يجب أن تتصرف بها باسم الواجب والشجاعة. هذا الوضع واسع الانتشار وينتهي أحيانًا بمآسٍ تغذيها الصحافة.




إن دور المعلم جعل المراهقين يفكرون، وبالتالي يدركون أن الواقع أكثر تعقيدًا مما يعتقدون. إذا وضعت حقيقة يؤمن بها معلم، وهي في الآن ذاته رسمية ويفترض أنها حديثة، في مواجهة ما يفترض أنها تمثيلات لأفكار قديمة، فإن معركة لا بدّ أن تقوم. وفي القتال يتشدد كل طرف في مواقفه، ولا يتوفر مكان للشك والتأمل. إن الشباب، الذين هم في عمر يسعون فيه لإثبات أنفسهم من خلال مواجهة البالغين، سيوفر لهم رفضهم للتعليم المفروض عليهم تعزيزًا إضافيًّا لشخصيتهم. ليس من الضروري أن يكون لديك كثير من التفكير التربوي لتدرك ذلك.
إن تسليط المعلمة في الفيلم الضوء على أبي نواس يعني بالتأكيد الإشارة إلى شخصية عظيمة في الشعر العربي، ولكنه أيضًا يشير إلى مؤلف لم ير فيه المسلمون المتدينون نموذجًا أبدًا. هكذا أنشأ السيناريو نمطًا، حيث يوجد أشخاص "جيدون"، وآخرون "سيئون". المراهقون الذين يرفضون جوانب معينة من الثقافة الغربية الرسمية (لأنها في الواقع بعيدة عن أن يتقاسمها جميع الغربيين) سيرون في الشاعر كافرًا، بينما يرى فيه المعلم بطلًا للحرية. من خلال التصرف بهذه الطريقة، يضع المعلم نفسه، مثل طلابه، على ساحة المواجهة، التي يجب على الشخص البالغ أن يتجنبها قدر الإمكان، لأنه يفقد هيبته، فتغدو المواجهة بين طرفين متساويين، وليس بين أستاذ يفترض به أن يكون أعلى في المكانة والمعرفة، وبين طلاب يبيتون على المستوى نفسه، مثل الخصوم. وبطبيعة الحال، فإن موقف المواجهة هذا الذي اختاره السيناريو لا يشجع على التفكير، مع أنه هو الهدف الذي تسعى إليه أمل، حسنة النية، ولكن بأسلوب أخرق (ما سيسبب لها آثارًا مأساوية).

ما الذي كان يجب أن يفعله الفيلم حينها؟
ربما إظهار أن الحضارتين لا تختلفان كثيرًا. فكرة العلمانية حديثة جدًا في الغرب. ولم يتم فرضها كـ "قيمة"، بل كحل وسط بين مفاهيم متناقضة. إن فكرة قيام الحضارة عادة على الدين لم تكن شائعة على نطاق واسع من قبل الأوروبيين حتى فجر العصر الحديث فحسب، بل ظلت مدعومة في القرن العشرين من قبل مفكرين فرنسيين كبار. لكن في الحالة الراهنة للمجتمع، لا يجادل أحد جديًا في أن العلمانية التي تترك للجميع حرية معتقداتهم وممارساتهم، واحتمالية عدم إيمانهم، تشكّل ضرورة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يجب الانتباه أنه في العالم الإسلامي، كما كانت الحال سابقًا في العالم المسيحي، كانت الأوامر الدينية تُطبق دائمًا تقريبًا بقدر معين من المرونة.
وبدلًا من تأليب حضارتين ضد بعضهما بعضًا، يتعين ربما تبيين أن الفجوة أقل مما نعتقد. ما يجعل هذه الفجوة الهائلة تظهر هو فقط دور مفكري التلفزيون المعاصرين كممثلين للغرب، فيما المحدثين الآخرين الممثلين للإسلام (وهم أيضًا مستخدمون كبار للدعاية التلفزيونية) هم السلفيون اليوم.

الطالبة المتشددة 

وبدلًا من تسليط الضوء في الفيلم على شخصية مثل أبي نواس، الذي لا نراه إلا من خلال عيون المعاصرين الثائرين على المحظورات، ما يشوه عمله وأفكاره، كان من المثير للاهتمام أن يثير السيناريو شخصية أخرى. الرومي مثلًا، شاعر الحبّ المطلق، والذي يتجاوز كل المعايير، وأيضًا (وهو ما يُنسى أحيانًا) أستاذًا مقدرًا للغاية في الفقه، ومديرًا للمدرسة الرئيسية في قونية. فكيف تمّ التوفيق بين هذين الجانبين؟ لا ينبغي أن نتوقع من الشباب ذوي التعليم القليل أن يجدوا الإجابة على هذا السؤال الصعب، ولكن يجب أن نجعلهم يفهمون أن إمكانيات العثور على إجابات، حتى لو كانت غير مكتملة، يتطلب تأملات طويلة تغذيها دراسات طويلة. من أجل التثقيف، يجب علينا أولًا أن نجعل الطلاب يشعرون أن عليهم كثيرًا ليتعلموه، وليس مواجهة تُعارضُ حقيقة جاهزة بحقيقة أخرى جاهزة...
ليس هذا أمرًا سهلًا، لا للسيناريو، ولا في الحياة الواقعية، ولكن من قال إن عمل المعلم يمكن أن يكون سهلًا، وإن إعلان الحق لا يتطلب سوى الشجاعة؟ بدلًا من ذلك، يتطلب الأمر حكمة لجعل الناس يشعرون أنه يجب البحث عن الحقيقة دائمًا. فالمعلمون ليسوا "قادة فكر"، بل هم عاملون مخلصون يعتمدون على فضول طلابهم، وعلى قدرتهم على جعلهم يدركون مدى تعقيد العالم.
وحين يتعلق الأمر بالمثلية الجنسية، كما في الفيلم، فالموضوع حساس، ويمكننا ببساطة تجاوزه بصمت (في الماضي، لم يعتقد المعلمون أنه يتعين عليهم التعامل مع كل شيء، وأن يحكموا بالخطأ، أو الصواب، على كل شيء). لكن إذا كان لا بد من الحديث عنه، حيث أنه أصبح اليوم سؤالًا عامًا، فمن الأفضل هنا مرة أخرى أن نبين أن الحضارتين ليستا متباعدتين كما نتصور. في فرنسا، كانت عقوبة المثلية الجنسية من حيث المبدأ هي الإعدام، ولكن في الواقع، كان الشباب في بلاط لويس الرابع عشر (بدءًا من شقيق الملك) غالبًا مثليين جنسيًا، ولم يخفوا ذلك. وعلى الجانب الإسلامي، كانت الإدانة الرسمية للمثلية الجنسية بين الذكور (لم نول اهتمامًا كبيرًا للمثلية الجنسية بين الإناث، والتي فضلنا عدم رؤيتها) تحمل قدرًا كبيرًا من التسامح الفعلي. يمكننا أن نضاعف الأمثلة التي تبين أنه، على جانب أو آخر من البحر الأبيض المتوسط، في العصور الكلاسيكية، لم يتم تحديد المسألة بشكل واضح، مثل العقول التبسيطية اليوم التي لا تعرف التاريخ ولا النصوص.
ربما يكون لهذا النهج تأثير على الطلاب الأكثر ذكاءً، حيث يجعلهم يفهمون أن العالم الإسلامي، مثل العالم الغربي، معقد، وأن أي تأكيد بشأنهما يجب أن يكون دقيقًا، ويأخذ التنوع في المواقف في الاعتبار. بالنسبة للطلاب الآخرين، الأقل ميلًا إلى البحث الفكري، فإن هذا النهج يمكن أن يجعلهم على الأقل يشعرون أنه لا يوجد عالمان متعارضان بالضرورة وتفصل بينهما فجوة غير قابلة للعبور. إن ما يتحول إلى فجوة لا يمكن التغلب عليها هي تلك التي تفصل بين الغرب الذي يجهل ثقافته والعالم الإسلامي الذي يجهل ثقافته.
ومع ذلك، فإن هذا النهج الذي يسلط الضوء على التعقيد والتاريخ يتطلب معلمين مثقفين هم أنفسهم. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الثقافة بين أعضاء هيئة التدريس يزداد سوءًا يومًا بعد يوم مع تزايد قناعتهم بأنهم موجودون لإظهار الطريق الصحيح، والقيام بعمل دعائي (حسن النية بلا شك) وليس تعليميًا. ومن الواضح أن هذا النقص في الثقافة، والذي يمتد حتى إلى معرفة تاريخ الآداب والفكر في الغرب، هو أمر بالغ السوء عندما يتعلق الأمر بالحضارات الأخرى، وخاصة الحضارة الإسلامية. واليوم، في فرنسا، نفكر في حشد الأكاديميين وعلماء الإسلام للمساهمة في تدريب الأئمة. لم لا؟ ولكن ربما ينبغي تعبئتهم أيضًا لتزويد معلمي الأدب والفلسفة في المدارس الثانوية الفرنسية ببعض المعرفة عن هذا العالم الذي يتخيلونه بطريقة تقريبية للغاية، والذي يتخيل بعض طلابهم، على نحو خاطئ تمامًا، أنهم يعرفونه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.